نص الحديث
قال الامام السجاد عليه السلام: "عجبت لمن عمل لدار الفناء، وترك دار البقاء".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي على جملة من الخصائص الدلالية والجمالية، ولعل سهولة ويسر العبارة تجسد احد مبادئ البلاغة التي تعني في احد مبادئها بساطة التعبير وجماليته عمقه، والمهم الان ملاحظة الحديث بلاغياً فنقول:
الحديث ينطوي على صورة استعارية هي: اكساب الحياة الدنيا والاخرة طابع (الدار) والدار هي: مكان السكن، كما هو واضح، وقد يتساءل قارئ الحديث عن مدى أهمية هذه الاستعارة التي يجدها ذات وضوح تعبيري قد لا يحتاج الى تحليل، ولكننا نقول: ان بساطة هذا التعبير لا تنفصل عن عمقه ودهشة دلالة جماليته، كيف ذلك؟.
الجواب: يمكننا ان نتخيل امكانية حياة الانسان بدون محل لسكناه، والسكن دون غيره هو محل الاستراحة، فالحركة، والسفر، وممارسة العمل أو العلم وكل حركات الانسان لابد لها من محيط متحرك او ثابت ولكنه وقتي مثل المدرسة والمتجر.. الخ، بيد ان الانتهاء من العمل المذكور يتطلب وجود مكان آمن ومستقر ومستور، يتمثل في (الدار) بما تحققه من وسائل اشباع تتصل بالمطعم والمشرب والنوم.
اذن: الدار هي خير مقر لتحقق الراحة اي: الاشباع التام لحاجات الانسان، وهذا ما ينسحب على الحياتين: الدنيا والاخرة فلكل منهما موضوع الاستراحة، كل ما في الامر ان الاستراحة الدنيوية فانية، والاستراحة الاخروية باقية، وهذا ما جعل الامام عليه السلام يتساءل متعجباً: لمن عمل لدار الفناء ولم يعمل لدار البقاء.
بلاغة الحديث
واذا تجاوزنا الصياغة الصورية (الاستعارة) واتجهنا الى العناصر الجمالية او البلاغية المتوفرة في الحديث نجد اولاً: عنصر التضاد، من خلال التماثل، ونجد ثانياً عنصر التساؤل او الحوار الداخلي او الاعم منه، كيف ذلك؟ اما التضاد وجماليته فيتمثل في التقابل بين متماثلين اي: ثمة تماثل هو: الداران، وثمة تضادهما: الدنيا والاخرة، حيث قابل النص بين متضادين من خلال متماثلين هما: الدار، واما المتضادان منهما: الدنيا والاخرة.
اخيراً لانغفل عن جمالية التساؤل اي: قوله (عجبت) فهو يتحدث مع نفسه اي يحاورها والحوار كما ستعرف وسيلة فعالة ومثيرة في احداث اثرها لدى قارئ الحديث.
اذن: اتضح لنا جانب من بلاغة ودلالة الحديث المتقدم، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن عمل لدار الاخرة، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.