نص الحديث
قال الامام السجاد عليه السلام: "سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر، شكراً".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد ما يمكن اطلاق (الصورة المباشرة) عليه اي: الصورة الواقعية التي تعتمد نمطاً من التضاد الدلالي، حيث تقترن بما هو طريف وظريف من النكات، وهذا ما يتجسد في الصورة المتقدمة. والسؤال: كيف نستخلص الدلالة المذكورة؟ اي: التضاد؟ هذا مانحدثك به الآن.
من الواضح ان الشكر على نعم الله تعالى يمثل أبسط دلالات الاعتراف بحدوث النعمة، والا اذا انتفى الاعتراف بالنعمة حينئذ تتساوى النعمة مع الشر اي: في نطاق تجاربنا الانسانية اذا قدر لاحدنا أن ينكر عمل الخير من الاخرين، حينئذ يزول الفارق بين عمل الخير وعمل الشر وهذا يعني: انعدام القيم مما يتنافى مع امكانية التعايش بين الناس. والمهم اذا نقلنا تجربتنا البشرية الى التعامل مع الله تعالى حينئذ فان التسليم او الاعتراف بنعمته تعالى يتصاعد الى درجة العجز عن تحقيق ذلك، نظرا الى ان نعمته لاتحصى وحينئذ كيف نستطيع أن نعبر عن شكرنا لنعمه؟ لانستطيع ذلك بطبيعة الحال ولذلك جاء الحديث المتقدم جواباً للقضية المذكورة ونتساءل كيف ذلك؟.
بلاغة الحديث
من البين ايضاً ان العجز عن الشئ من حيث التعبير الكامل عنه اذا كان كذلك، فان العكس منه يتحقق بطبيعة الحال، فأنت اذا قلت لشخص ما انا غير قادر على تكريمك بما تستحقه: عندئذ كان كلامك متسماً بالحقيقة كاملة ولا عجز حينئذ في التعبير عن مقاصدك وهذا ما يمكن ملاحظته في مقولة الامام السجاد عليه السلام "سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر، شكراً"، كيف ذلك؟.
لنتأمل واقعية الصورة وطرافتها، اما واقعيتها فتتمثل في اننا عاجزون عن تحقيق الشكر لله تعالى مادامت نعمه لاتحصى تبعا لقوله تعالى: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا". واما طرافة العبارة فتتمثل في عنصر التضاد والتقابل فنحن حينما نعترف بأنا عاجزون عن الشكر انما يجسد اعترافنا المتقدم حالة مضادة للعجز وهي: امكانية التعبير عن الشكر ولكن من خلال الضد اي: من خلال الاعتراف بالعجز عن التعبير، فكلمة نعمك لاتحصلى هي: تسليم واضح وتعبير تام عن الحقيقة بعكس ما لو سطرنا عشرات الصفحات من الكتابة للتعبير عن الاحصاء العددي للشكر، لما امكن ذلك بينما امكن ذلك من خلال العجز عن اداء الشكر بالاعتراف بعدم قدرتنا على الشكر.
اذن: اتضح بجلاء ما تعنيه مقولة الامام عليه السلام من حيث طرافتها، سائلين الله تعالى ان يجعلنا من الشاكرين وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.