نص الحديث
قال الامام الباقر (عليه السَّلام): "ينبغي للمؤمن ان يختم لسانه كما يختم على ذهبه وفضته".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم (تشبيه) له ألفته بحيث لا يحتاج الى تحليل أو تفسير، ولكنه يحتاج الى التذكير بحقيقة يحياها الانسان يومياً حيث لا يجتمع مع الآخر الا ويستخدم لسانه في التعامل مما يعني ان اللسان هو: الصلة بين الافراد والشرائح الاجتماعية... وقد سبق ان تحدثنا عن هذا الجانب في لقاء متقدم، الا آن الجديد في هذا السياق هو: الصورة التشبيهية التي استخدمها الامام (عليه السَّلام) في التعبير عن ظاهرة اللسان وأثاره...
اذن: لنتجه الى ملاحظة السمة البلاغية للتشبيه المتقدم.
بلاغة الحديث
لقد شبه الامام الباقر (عليه السَّلام) اللسان بالذهب والفضة من حيث الحرص على حفظه وعدم السماح له بالانفلات مادام عدم ضبطه يستتبع ضياعه، وهو الخسران، تماماً كما ينبغي ان يضبط المال او الذهب والفضة وعدم صرفهما في ما لا ضرورة له.
والسؤال هو: ما هي النكات الكامنة وراء التشبيه بالذهب والفضة ولماذا لم يقل (عليه السَّلام) او لماذا لم يشبه (عليه السَّلام) اللسان بالمال مثلاً مع ان كليهما تعبير عن وسيلة لشراء السلع ومطلق حاجات الشخصية؟
في تصورنا ان الذهب والفضة هما: وسيلة وزينة،.. الوسيلة هي شراء السلعة كما قلنا او بيعها واما الزينة فهي: حاجة جمالية ترتبط – بخاصة – بحاجات المرأة... ولا نحتاج الى لفت الانظار الى المرأة وزينتها وما تعني به في هذا الميدان، حتى ان القرآن الكريم يشير بوضوح في قوله تعالى "أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ".... واما الوسيلة النقدية فلا ضرورة للتذكير بأهميتها حيث ان استمرارية الحياة تتوقف على توفر الوسيلة المتقدمة... والسؤال الآن: ما هو الربط بين خزن اللسان وبين خزن الذهب والفضة؟
واضح ان خزن الذهب والفضة يفضي الى ان يستخدم في الحاجات الضرورية، اي: ثمة خزن وثمة بذل، وكلاهما يرتبط بحاجات الانسان... ولكن اذا بذل في غير ضرورة عندئذ: تخسر الشخصية ولا يمكن لها ان تواصل مسيرة حياتها.
بيد ان النكتة هنا هي: ان ذهب القارئ لهذا الحديث يتداعى به الى الخسران الاخروي بالاضافة الى الخسران الدنيوي، اما الدنيوي فيكفي ما نلحظه من آفات اللسان المفضية حيناً الى قتل النفس واما الخسران الاخروي فيكفي ان نتذكر احاديث المعصومين (عليهم السَّلام) في اشارتهم الى نار جهنم (اعاذنا الله تعالى منها، وانها بسبب (الألسنة) كما هو واضح: بما يستتبعه اللسان من الغيبة والبهتان والعدوان الخ...
اذن: اتضح لنا جانب من الاسرار او النكات الكامنة وراء التشبيه المذكور، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يحفظ لسانه عند الشر، ويطلقه في عمل الخير، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.