نص الحديث
قال الامام عليّ عليه السلام: "إدفعوا امواج البلاء بالدعاء".
دلالة الحديث
هذه المقولة تنطوي عليى طرائف دلالية وجمالية، يحسن بنا القاء الاضاءة عليها، ونبدأ ذلك بالدلالة فنقول: دلالياً لا يحتاج هذا الحديث الى توضيح، بقدر ما يحتاج الى استخلاص جماليته، والمهم من حيث الدلالة نعرف جميعاً بان الدعاء يرفع البلاء او مطلق الشدائد، سواءا كانت الشدائد كبيرة او صغيرة او متوسطة، لكن ينبغي ان نستحضر شروط الدعاء وما يواكبه من قضايا متنوعة تشير النصوص الشرعية إليها، وهذا ما يتمثل اولاً في ممارسة الطاعة، وما يتمثل في استهلاله بالتمجيد الله تعالى، ثم بالصلاة على محمد وآله الخ. كما انه من جانب الاستجابة تشير النصوص الشرعية الى ان الدعاء قد يستجاب سريعاً مثلاً، وقد يمتد الى سنين، وقد يرفع به البلاء من جانب آخر، اي: الشدة غير المتوقعة، فاذا فرضنا ان الانسان في شدة اقتصادية مثلاً، من الممكن الا يستجاب لهذا الشخص برفع الشدة المذكورة، ولكن يرفع عنه بلاء أشد: كإصابته بعاهة مثلاً، وقد يؤجل الى اليوم الآخر فيعوضّ به ثواب الآخرة. اذن: الدعاء يظل محفوفا بما لاحظناه الآن، وهذا من حيث الدلالة، ولكن ماذا من حيث بلاغة الحديث الذاهب الى ان الدعاء ترفع به امواج البلاء؟ هذا ما نحدثك به الآن.
بلاغة الحديث
الحديث ينتسب بلاغياً الى الصورة الاستعارية، اي الصورة التي تخلع طابعاً من ظاهرة ما على ظاهرة اخرى، وهذا من نحو ما نلاحظه في الاستعارة التي خلعت على البلاء طابع الامواج، بصفة ان البلاء هو اما نفعي او مادي، وقد خلع عليه الطابع المادي المتمثل في امواج البحر، وهو طابع يختلف عن مادة البلاء المتمثلة في الفقر مثلاً المهمّ هو: ملاحظة الاستعارة المذكورة فماذا نستلهم منها؟.
واضح، ان (امواج) تقترن بجملة ظواهر، منها: انها مرعبة من حيث الشكل الخارجي لها، المقترن بالتلاطم وبالاصوات المخيفة منها، ومن الظواهر هو: انها اي الامواج تتسبب في اغراق الشخصية وانقضائها الى الموت مثلاً، أو الأقل من ذلك، كما لو لطمت الشخصية وسببّت الاذى له. ومن الظواهر وهذا هو الأشد لصوقاً بطرافة الاستعارة ان الموج نفسه يختلف عن الماء العادي الذي يسيل تحت الموج، حيث يتميز بالتلاطم اولاً، ثم بعدم انسيابه بالنحو العادي، حتى انه إذا راكبه موج آخر، وتكاثرت الامواج عندئذ فان الهول الناجم منها يظل مصحوباً بشدائد نفسية متنوعة.
اذن: الامواج المتلاطمة تعني: عدم رسّو الشدة بل تفاقمها الى درجة الانسلال من السير العادي للماء، الى حركة جديدة لا استقرار فيها بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الأدعية، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.