نص الحديث
قال الامام السجاد (عليه السَّلام): ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعاراً والحذر لك دثاراً.
دلالة الحديث
هذا النص يحفل بأهمية دلالية وبلاغية كبيرة، اما دلالياً فهو: مشير الي الوظيفة العبادية للانسان، مركزاً علي مفردات من السلوك، في مقدمتها، ان يكون واعظا لنفسه، أي واعياً لوظيفته العبادية، وهذا يتطلب محاسبة دائمية لسلوكه، حيث اشار الامام (عليه السَّلام) ان تكون المحاسبة من هم الرجل، ثم (وهذا هو موضع البلاغة) ان يكون الخوف من الله تعالي شعاراً لشخصيته، وان يكون الحذر دثاراً. هاتان الجملتان اللتان تتحدثان عن الخوف وعن الحذر، وجعل الاولي شعاراً والثانية دثاراً، تتطلبان إلقاء الإنارة البلاغياً عليهما.
بلاغة الحديث
السؤال اولاً عن الخوف وصلته بـ (الشعار)، ثم عن الحذر وصلته (بالدثار) وبعبارة جديدة: ما هي النكتة الكامنة وراء الاستعارة لظاهرة الخوف بأنه (شعار)؟
ثم الاستعارة القائلة عن (الحذر) بضرورة جعله (دثاراً)؟
هذا ما يتطلب قليلاً من الإضاءة بالنسبة الي الشعار، يعني، اتخاذ ظاهرة ما، معلما تتحدد من خلاله هوية، واهمية هذه الظاهرة، كما لو اتخذنا احياء المناسبات الخاصة بالمعصومين (عليهم السَّلام) شعائر لذكراهم، حيث يستاقنا ذلك الي الإلتزام بمبادئهم.
من هنا، فان (الخوف) من الله تعالي (الغضب والنار) حينما نجعله شعاراً: نحي به وظيفتنا العبادية التي خلقنا الله تعالي من اجلها، وهذا يعني: عدم انشغالنا بلهو الدنيا ومتاعها، بل العكس هو: نبذ الدنيا والالتزام بمبادئ الله تعالي.
واما جعل الحذر استعارة متمثلة في (الدثار).
فيمكن توضيحه علي النحو الآتي: ان الفارق بين الحذر والخوف، ان الخوف هو: وسيلة للهروب من الاذي، واما (الحذر) فهو: ما يترتب علي الخوف من سلوك يرتكن الي الاحتياط من الأذي، ولذلك جعله النص (دثاراً)، اي: يغطي به الانسان بدنه من الحر او البرد او مطلق ما يتعين عليه من الاحتياط بالنسبة الي تجنب الاذي ولا تحسب ان الاستعارة هي اجمل من (الدثار) الذي يغطي به الانسان بدنه من اذي محتمل: كما هو واضح.