نص الحديث
قال الامام الباقر (عليه السَّلام): لا قوة كرد الغضب.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم علي قصره وبساطة دلالته الظاهرية، يظل من المبادئ أو من معايير الصحة النفسية في ارفع درجاتها، انه يتحدث عن الغضب، والغضب - كما هو معروف في ميدان علم النفس العيادي - حالة انفعالية تنتسب الي العصاب، في حالة ما إذا كان الغضب غير موضوعي من جانب واذا كان من اجل الذات وكبريائها من جانب آخر. ان الغضب بعامة يكتسب حالة صحية فيما اذا كان لله تعالي اولاً وليس لإنتصارات الذات او الأنا، وثانياً اذا لم يصحبه انفعال حالة يخرج الشخصية عن توازنها الداخلي. من هنا، جاء الحديث المتقدم: (لا قوة كرد الغضب) تقريراً عيادياً او صحياً بالغ الاهمية حيث جعل (القوة) - وهي تعبير عن القدرة - ليس في انفعالك الحاد الخارج عن التوازن، بل هو علي عكس ذلك تماماً، انه: الكف عن الغضب بدلاً من الانصياع له وهذا ينطوي علي نكتة بلاغية في غاية الأهمية.
بلاغة الحديث
الحديث قد اعتمد التشبيه حيث نلاحظ ان الامام (عليه السَّلام) استخدم اداة التشبيه (الكاف) فجعل القوة مشبها، وجعل رد الغضب مشبها به، وهو تشبيه واقعي مقابل التشبيه التخيلي الذي يعتمد عنصر الخيال في تقريب الدلالة الي الذهن.
والسؤال الآن هو: ما هي خصائص التشبيه المذكور؟
الجواب: لقد اعتمد التشبيه علي عنصر (التقابل) او (التضاد)، حيث خلع طابع (القوة) وهي: التعبير عن قدرة الانسان، جعلها ليس في استخدامها بل في عدم استخدامها، اي: اذا فرضنا انك قادر علي ان تلحق الاذي بشخص ما من خلال اهانتك اياه: كشتمه او تخويفه أو عربدتك أمامه، كل ذلك يتم من خلال انفعالك الحاد: من حيث صدور الكلمات القاسية، ومن خلال الملامح الفيزيقية لوجهك: كالتطيب مثلاً: هذا النمط من الاستجابة الانفعالية تظل - في التصورات المحظة - تعبيراً عن قدرتك علي الرد، ولكن كتمان غضبك وعدم ابراز انفعالاتك، ثم سكوتك: أولئك جميعاً هي القوة الحقيقية وليس ابراز العضلات القوية هي القوة.
اذن الحديث دلالة وبلاغة يقرر بان القوة هي في عدم استخدامها، اي: القوة ليست في عرض العضلات بل في ممارسة الخلق العظيم، والحلم، والتجاوز والعفو.