نص الحديث
قال الامام الباقر (عليه السَّلام): ألا تحمد من تعطيه فانياً، ويعطيك باقياً؟
دلالة الحديث
هذا النص من خطبة خاصة للامام الباقر (عليه السَّلام)، نحدثك - ان شاء الله تعالي لاحقاً - عن دلالاتها المتسمة بما هو مثير وطريف ومدهش.
والمهم الآن هو: ان نشير الي دلالة الفقرة التي لاحظناها الآن وهي: (ألا تحمد من تعطيه فانياً، ويعطيك باقياً) وهي دلالة لها اهميتها العظيمة لو دعاها الانسان ووقف فيها، ان الله تعالي خلق هذه الحياة الفانية، ولكنه جعلها جسراً او مقدمة لحياة خالدة، وهذا الجسر او المقدمة تتطلبان وعياً خاصاً بهما، حيث جعلنا الله تعالي خلفاء في ارضه، نمارس وظيفة خاصة هي: العمل العبادي تبعاً لقوله تعالي: «وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون».
اذن، الوظيفة البشرية في الدنيا هي: ممارسة العمل العبادي. ولكن هل مارسناها حقاً؟
الامام الباقر (عليه السَّلام) يخاطب المغرور بهذه الحياة الدنيا ممن تغافل عن الوظيفة قائلاً له او متسائلاً: ألا تحمد من تعطيه فانياً، ويعطيك باقياً؟
هنا تكمن بلاغة الحديث واهميته المثيرة.
بلاغة الحديث
ان الفقرة المذكورة تجسد صياغة فنية هي: ما نطلق عليه بـ (الصورة الاستدلالية)، ونعني بها: الصورة الفنية الخاصة بنمط من الصياغة للكلام غير المباشر مثل: التشبيه، الاستعارة، الرمز، ومن ذلك الصورة الاستدلالية الرمزية التي تعتمد الرمز مادة لها في التعبير عن الحقائق. كيف ذلك؟
لقد رمز الامام الباقر (عليه السَّلام) للحياة الدنيا بعبارة (تعطيه فانياً) ورمز للحياة الآخرة بعبارة: (يعطيك باقياً). فماذا نستلهم من الرمزين؟
واضح، ان الدنيا هي مجموعة من السنوات وينطفئ العمر والعمل، اما الاخرة فهي: الحياة الخالدة الابدية التي لا انتهاء لها، فكم هو الفارق بين هاتين الحياتين؟ العبارة تشير الي ان الانسان عندما يلتزم بمبادئ الله تعالي انما يقدم عملاً يفني مع الحياة الدنيا، ويتسلم أجر العمل المشار اليه في الآخرة، ثواباً خالداً من رضاه تعالي، ومن الجنة.
اذن كم هو الفارق بين ما هو فان يصدر من العبد، ولكن الله تعالي يعوضه بما هو باق من الأجر.
ان هذا الرمز لغني ومدهش وملفت للنظر، وطريف يتعين علينا ان نمعن النظر فيه.