نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): المؤمن غريزته النصح.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد وثيقة نفسية او وثيقة عبادية، فضلاً عن كونه وثيقة تربوية في ضوء المباديء الإسلامية انه يتحدث عن النصح، أي: محبَّة الآخرين وهو مبدأ نفسي يُجمع علماء النفس علي أنه تعبير عن الشخصية السوية، أي: السالمة من الامراض النفسية، وهي ما يطلق عليها الشخصية العصابية أي: المريضة حيث تتسم بالأنانية، وبحب الذات وتنغلق عن الآخرين.
المهم لقد عبر الامام (عليه السَّلام) عن هذا النمط من الشخصيات بأنه صاحب غريزة والغريزة هي: إتجاه فطري، بمعني ان الانسان يولد وفي تركيبته النفسية: محبَّة الآخرين او ارادة الخير لسواه وهذا ما نلاحظه او يمكن عده من الكلام الفني الصوري، أي: استخدام لفظ الغريزة وهي عادة ما تطلق علي ما هو حيوي من الموروثات، كالحاجة الي الطعام والشراب والجنس وهو امر يتطلب منا إلقاء المزيد من من الاضاءة حياله، تحت عنوان بلاغة الحديث.
بلاغة الحديث
الحديث المذكور تتجسد بلاغته في كونه قد خلع ما هو وراثة حيوية او حسية او بدنية علي ما هو ظاهرة نفسية ونعني بها: محبَّة الآخر، او ارادة الخير للآخر.
والنكتة البلاغية للحديث لا تنحصر في الدلالة الصورية المذكورة بل تعني ايضاً بأن المؤمن ـ وهو من يؤمن بالله ويصدق في ايمانه ـ يمتلك حسا وراثياً او تربوياً ايضاً هو النزوع نحو الخير للاخرين مقابل الشخصية التي تمتلك حس الكراهة حيال الآخر.
والآن مع ملاحظتنا للجانب البلاغي للحديث يجدر بنا ان نعقب علي ذلك بكلمة عامة حول هذا النمط من السلوك، أي النصح او ارادة الخير للآخرين. فالى نخلص؟
ان التربية الاسلامية وحدها تنطوي علي صياغة الشخصية صياغة سوية، حيث ان المباديء العلمانية او الارضية او الوضعية لا تسمح طبيعتها بأن تصوغ الانسان نحو محبَّة الآخر، نظراً لعدم تعويضها بثواب اجتماعي او نحوه، لذلك لا يندفع العلماني الي محبَّة الآخرين بدون تشجيعه او تعويضه، بينما الشخصية الاسلامية تمتلك تعويضاً كبيراً هو رضاه تعالي وثوابه المادي المرتبط بالجنة ونعيمها.
من هنا يمكننا ان نفسر ما تعنيه عبارة "المؤمن غريزته النصح"، حيث ان تربيته اسلامياً او نزوعه الفطري الذي خلقه تعالي بهذا الدافع الي الخير، هو المفسر للظاهرة وهذا ما وضحه القرآن الكريم حيث اشار الي ان الله تعالي حبَّبَ إلينا الإيمان، وكرَّهَ الفسوق والعصيان حيث ان الإيمان بالضرورة يجعل الشخصية محبَّة للخير كما اشرنا.