نص الحديث
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الذاكر في الغافلين: كالمقاتل في الفارين.
دلالة الحديث
الحديث المذكور، يقارن بين نمطين من الناس، احدهما: يمارس عمل الخير، والاخر ليس كذلك، النمط الاول وهو الممارس لعمل الخير، وهو: (المقاتل) في سوح الجهاد، واما الاخر فهو (الفار) من المعركة. وقد استثمر النبي صلى الله عليه واله هذين النمطين من الناس: ليقارن بينهما وبين نمطين اخرين هما: الذاكرين لله تعالى، والفارين عن الله تعالى، حيث شبه الذاكر بالمقاتل، وشبه الغافل بالفار، وهذا التشبيه ينطوي على نكات متنوعة يجدر بنا ان نقف عندها، لنبين مدى بلاغة النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديث المذكور.
بلاغة الحديث
نود ان نلفت نظر القارىء الى هذا الحديث (وهو نور) من خلال بلاغته الفائقة، حيث ان للبلاغة او لصياغة الحديث الفني اهمية كبيرة هي: بعميق الصياغة الفنية للدلالة التي يستهدف النبي (صلى الله عليه وآله) توصيلها الى القارىء.
من الاساليب التي يمارسها المعصومين عليهم السلام في تعميق الدلالة، اي: المعنى، هو: التشبيه او الصورة المزدوجة، ونعني بها: اي التداخل بين تشبيهين، كل واحد منهما يتضمن طرفين، فقد قارن النبي صلى الله عليه واله بين مقاتل ثبت في المعركة وبين فار من المعركة، حيث ان المقاتل يحصل على الثواب، والفار يحصل على العقاب وهذا التقابل، بين المقاتل والفارواضح في الذهن، لذلك اتجه النبي (صلى الله عليه وآله) الى مقارنته بالذاكر والغافل حيث لم يتبلور الفارق بينهما بشكل واضح الا من خلال المقارنة بين الذاكر لله تعالى، وهو: الشخصية التي تستحضر الله تعالى في ذهنها عند ممارسة اعمالها جميعا، فتحرص على ممارسة الواجب، والمندوب، وتحويل المباح الى مندوب، مقابل الشخصية الغافلة عن الله تعالى، حيث تبذر وقتها وتضيعه بما لا فائدة عبادية فيه، اي: يلهيها متاع الحياة الدنيا عن التوجه الى الله تعالى، وان الغافل خاسر حتى لو مارس الواجب وترك المحرم، ولكنه في الوقت ذاته يصرف وقته في اللهو، او الخوص في ما لا فائدة فيه، وعندئذ يتحسر يوم القيامة على تضيعة للوقت وعدم استثماره لما ينفع اخرته.
من هنا، يجيء التشبيه بين الغافل والفار من المعركة معمقا لدلالة الغفلة، ويجيء التشبيه بين الذاكر لله تعالى والمقاتل معمقا لدلالة الذكر لله تعالى.