بسم الله وله الحمد والمجد الغفور الرحيم وأزكى صلواته على منارات صراط المستقيم وأعلام نهجه القويم المصطفى الامين وآله الطاهرين. السلام عليكم أعزاءنا المستمعين، لايخفى عليكم أيها الأعزاء أن الرأفة بالعباد والرفق بهم هي من أبرز أخلاق الله عزوجل في تعامله مع الخلق، وهذه الرأفة بالعباد مقرونة بالمساواة في التعامل معهم فالله عزوجل يتعامل معهم كسواسية لاتمايز بينهم إلا بالتقوى فإن أكرمهم عند الله أتقاهم، كما أن التحذير والانذار من العقاب هي من أخلاق الله عزوجل التي باطنها الرحمة وإن كان ظاهرها العذاب، فالهدف من هذه الإنذارات والتحذيرات هو إبعاد الناس عن الأذى الذي يلحق بهم نتيجة إرتكاب ما نهاهم الله عزوجل عنه.
أيها الاخوة والأخوات هذا الخلق الإلهي الكريم في التعامل مع الخلق جسده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في تعامله مع الناس خاصة بعد مبايعة المسلمين له وتقلده زمام الخلافة الظاهرية، ننقل لكم بعض الشواهد على تجليات هذا الخلق الإلهي في السيرة العلوية.
في كتاب له كتبه إلى عماله على جمع ضريبة الخراج قال أمير المؤمنين: "فأنصفوا الناس من أنفسكم واصبروا لحوائجهم، فإنكم خزان الرعية، ووكلاء الأمة، وسفراء الأئمة، لا تحسموا أحد عن حاجته ولا تحبسوه عن طلبته، ولا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها ولا عبدا، ولا تضربن أحداً سوطا لمكان درهم، ولا تمسن مال أحد من الناس، مصل ولا معاهد إلا أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام فإنه لاينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه ".
وروي في سنن البيهقي بسنده، عن رجل من ثقيف، قال: استعملني علي بن أبي طالب على بزرج سابور فقال: "لاتضربن رجلا سوطا في جباية درهم ولا تبيعن لهم رزقا ولا كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها ولا تقم رجلا قائما في طلب درهم". قال: قلت: يا أمير المؤمنين إذاً أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال: "وإن رجعت كما ذهبت، ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو". يعني الفضل.
مستمعينا الأفاضل وثمة رواية ثانية مكملة لمضمون هذه الرواية وقد رواها ثقة الإسلام الكليني في فروع الكافي بسنده عن رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب عليه السلام على بانقيا وسواد من سواد الكوفة فقال لي والناس حضور: "انظر خراجك فجد فيه ولا تترك منه درهما، فإذا أردت أن تتوجه إلى عملك فمر بي". قال الوالي: فأتيته فقال لي: "إن الذي سمعت مني خدعة" (أي أن الهدف هو ردع الناس عن عدم دفع الخراج)، ثم قال عليه السلام: "إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج، أو تبيع دابة عمل في درهم، فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو".
وفي نهج البلاغة من عهد له عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر حين قلده مصر قال: "فاخفض لهم جناحك وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة، حتى لايطمع العظماء في حيفك لهم، ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإن الله تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة، والظاهرة والمستورة فإن يعذب فأنتم أظلم، وإن يعف فهو أكرم". وقال عليه السلام في كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله: "فأستعن بالله على ما أهمك، واخلط الشدة بضغث من اللين، وارفق ما كان الرفق أرفق، واعتزم بالشدة حين لايغني عنك إلا الشدة، واخفض للرعية جناحك، وأبسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة، والإشارة والتحية حتى لايطمع العظماء في حيفك، ولاييأس الضعفاء من عدلك، والسلام".
نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم اعزاءنا المستمعين حسن التوفيق للتخلق بأخلاق الله عزوجل التي تكون فيها مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. وبهذا ينتهي لقاء اليوم من برنامج (من أخلاق الله)، قدمناه لكم من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن المتابعة والسلام عليكم ودمتم.