يسرنا أن نلتقيكم في رحاب حكايات الهداية آملين أن تقضوا في هذا اللقاء أطيب الأوقات ونبدأ بما روي عن ام المؤمنين مولاتنا السيدة أم سلمة رضوان الله عليها أنها قالت أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال: سمعت من رسول الله (صلي الله عليه وآله) قولا سررت به، قال: لا يصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته فيقول: «اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها» إلا فعل ذلك به.
قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منه.
ثم رجعت إلي نفسي فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟! فلما انقضت عدتي استأذن عليّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأنا أدبغ إهابا أي جلداً لي، فغسلت يدي، وأذنت له، فوضعت له وسادة من أدم حشوها ليف، فقعد عليها فخطبني إلي نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله (صلي الله عليه وآله) ما بي إلا أن يكون بك الرغبة، ولكني امرأة في غيرة شديدة، فأخاف أن تري مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال فقال: أما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي.
قالت: فقد سلمت لرسول الله (صلي الله عليه وآله)، فتزوجها رسول الله.
فقالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيراً منه وهو رسول الله (صلي الله عليه وآله).
وفي هذه الحكاية هداية مهمة الي بركات الثقة بحسن الصنع الإلهي لعباده المؤمنين، وهذه الثقة هي التي تفتحت في قلوب المؤمنين الذين تحدثنا عنهم الحكايات التالية.
فقد روي أن يونس (عليه السلام) قال لجبرئيل (عليه السلام) دلني علي أعبد أهل الأرض فدله علي رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وذهب ببصره وسمعه، وهو يقول: «متعتني بها ما شيءت، وسلبتني ما شيءت، وأبقيت لي فيك الامل يا بر يا وصول»، وروي أن عيسي (عليه السلام) مر برجل أعمي أبرص مقعد، مضروب الجنبين بالفالج، وقد تناثر لحمه من الجذام، وهو يقول: «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به كثيرا من خلقه».
فقال له عيسي (عليه السلام): يا هذا وأي شيء من البلاء أراه صروفا عنك؟
فقال: يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته.
فقال له: صدقت، هات يدك، فناوله يده، فإذا هو أحسن الناس وجها وأفضلهم هيئة، قد أذهب الله عنه ما كان به فصحب عيسي (عليه السلام) وتعبد معه.
وروي أنه كان في بني اسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد، وكانت له امرأة فماتت فوجد عليها وجداً شديداً حتي خلافي بيت وأغلق علي نفسه، واحتجب عن الناس، فلم يكن يدخل عليه أحد، ثم إن امراة من بني إسرائيل سمعت به فجائته فقالت: لي اليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزئني إلا أن أشافهه بها فذهب الناس ولزمت الباب فأخبر فأذن لها.
فقالت: استفتيك في أمر.
قال: ما هو؟
قالت: إني استعرت من جارة لي حليا فكنت ألبسها زمانا. ثم إنهم أرسلوا إلي أفأردها إليهم؟
قال: نعم، والله.
قالت: إنها قد مكثت عندي زمانا.
قال: ذاك أحق بردك إياها.
فقالت له: رحمك الله أفتأسف علي ما أعارك الله عزوجل ثم أخذه منك وهو أحق به منك؟
فأبصر الفقيه العابد ما كان فيه، ونفعه الله بقولها.