وعلى مدى مراحل عمره العجيبة كان يدعو الى خطاب اصولي واصيل، وهذا الخطاب هو الحب الخالص والمودة لاهل بيت العصمة عليهم السلام والتوسل بذواتهم المقدسة في كل الاحوال والحالات. ولا نبالغ اذا ما قلنا ان كل عمل هذا العارف الجليل هو دعوة الآخرين للتأسي بسيرة الائمة الهداة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين.
ولو اردنا المتحدث عن كرامات هذا العارف الجليل لرأينا ان ما يلفت النظر فيها هو ان السالك الصدوق الى الله ان يتعالى في هذا الطريق، الى مرحلة تصبح كرامات مثل طي الارض ومئات من الكرامات الأخرى، عادية الصدور عنه. على ان الملاك الاساس في المدرسة العرفانية لهذا العارف هو مدى خلوص النية وصدق المودة والتوسل باهل البيت عليهم السلام وما ينقل هنا عن هذا العارف من كرامات انما هو غيض من فيض من تعلقه باهداب حب اهل بيت الرساله عليهم السلام.
ونرى من الضرورة هنا ان نذكر نقاطاً في غاية الاهمية حول اسلوب هذا العارف في بناء الذات وسلوكه ومسيره الى الله.
عن سير وسلوك العارف المجتهدي تحدث الاستاذ محمد علي مجاهدي وهو من خلص تلاميذه ومريديه، حيث يقول:
ان الاسلوب السلوكي للعارف المجتهدي في استمرار التوسل بحضرات المعصومين (عليهم السلام) لاسيما مولى الكونين ابي عبدالله الحسين عليه السلام وقد تجلى بشكل عملي بالكامل هذا العمل في سيرته.
واذا ما ذكر عند هذا العارف في اليوم الواحد الاسم المبارك للسيد الشهداء عليه السلام مائة مرة فأنه وفي كل مرة يسمع الاسم الشريف يسيل دمعه وينهمر انهمار المطر، وتخنقه عبرته حتى تحول دون اتمامه لكلامه.
ويعجز البيان والوصف عن بيان محبة هذا العارف للأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين) هذه المحبة تجذرت في نفسه الشريفة حتى انه كان يقول ببركة حب هذه الذوات المقدسة يمكن في زمن قصير طي سبيل نحتاج الى طيه عدداً من السنين، وببركة حبهم (عليهم السلام) نزيل الحجب.
ويرى المرحوم حجة الاسلام نصيري ان مقدار الحب الذي سكن قلب العارف المجتهدي لآل الله لو قسم بين الناس لوسعهم ولأصبحواً جميعاً عاشقين ولهانين لتلك الذوات المقدسة.
وكثيراً ما كان العارف المجتهدي يؤكد على ان الخدمة الخاصة لخلق الله لا سيما الشيعة واحباء آل الله عليهم السلام تقرب من طريق النور وغاية المقصود ولو حصل لآحد توفيق هذه الخدمة لقطع طريق العديد من السنوات بخطرة ثم ان القلب الكسير الذي انكسر منجبراً في محبة الله انما هو سند قويم لحياة الانسان الدنيوية والبرزخية والآخروية.
ولم يكن جنابه من اهل السلاسل الصوفية فمن يذوبون في عشق الله لاحاجة لهم بتلك السلاسل ولا حاجة لهم بالتكايا الصوفية.
واخلاق وادب العارف المجتهدي حديث العام والخاص، لا سيما انه كان يكن احتراماً بالغاً لذراري آل الرسول والائمة الطاهرين وقبل ان يصاب هذا العارف بالسكتة الدماغية كان يقوم بكامل كيانه امام السادات وقلما كان يرى جالساً عندهم واذا ما اراد ضيوفه من السادات الخروج من عنده ودعهم الى باب الدار مشايعاً ومسلماً.
كان العارف المجتهدي يكن احتراماً وتبجيلاً كبيرين لزوار ثامن الحجج الامام علي بن موسى الرضا وكريمة اهل البيت السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليهما وزوار مسجد جمكران، لا سيما الزوار الذين يتوفقون بعد تعب مضين لمد وشائج العلاقة والارتباط المعنوي مع هذه الذوات المقدسة حيث انهم يواجهون ضيافة روحانية من لدن هذا الرجل الكبير.
وكذلك كان دأبه مع زوار العتبات المقدسة الآخرى يوم كان قد اناخ مطيته ببابهم عليهم السلام سالكاً عارفاً محباً عاشقاً ولهاناً متوسلاً.
كان العارف المجتهدي يقول ان كل سالك يحتاج الى رفيق دربه كي يطويا طريقاً الى الله معاً لانها طريق مشتركة.
وبالاضافة الى القرآن الكريم ونهج البلاغة والصحيفة السجادية للآمام زين العابدين عليه السلام وسائر الادعية المأثورة عن الائمة الهداة عليهم السلام كان العارف المجتهدي يوصي مريده بمطالعة قصائد الشاعر الآيراني ذائع الصيت حافظ الشيرازي وهي اشعار عرفانية ووحدة الكرمانشاهي ومراثي عمان الساماني والنير التبريزي وهي مراثي عاشورائية واثناء توسلاته هو ما كان ليغفل عن اشعار اولئك الفطاحل.
لم يكن للغيبة والاتهام مكان في مجالس هذا العارف السالك وما كان ليسمح لآحد بالكلام الفارغ عديم الجدوى فكيف بما يقال من غيبة وبهتان، كان محضره مفعماً بالنور والمعنويات ومن كان يجالس هذا العارف كان يشعر براحة النفس لا بل انه قد ينسى نفسه ويغيب عنه مرور الوقت وتعدي الزمن.
ما كان هذا العارف ليعطي امراً الى احد واذا ما اقتضت الضرورة مثل ذلك، صاغ كلامه صياغة غير آمرة.
من النادر ان كان العارف المجتهدي يمدح احداً او يكذبه الا اذا رأى في الباطن ضرورة لهذا الامر، وما كان تكذيبه لاحد ليأتي من باب الاهانة -لا قدر الله- فاذا ما اراد ان ينتقد صفة سيئة او عمل غير مرغوب لمدعي السلوك والارشاد فانه ما كان يكرر الاسم في جواب السائل وكان يعالج الموضوع المثار بضرب مثل من الامثال، واذا ما مدح شخصاً اخذ بنظر الاعتبار حالته التي يراها هو ولايدخل في مدحه ما في الشخصي ومستقبله، بل كان يبوي رآيه في جملة مقتضبة.
وانا شخصياً وعلى مدى معرفتي الطويلة بالعارف المجتهدي لم اره حتى مرة واحدة اخذ من احد ديناراً من مال او انه كان يتوقع معونة مالية او مادية على العكس ما كان يتوقع هكذا معونة، انه كان يمد يد العون والمساعدة المالية للآخرين ما استطاع الى ذلك سبيلاً.
اذا ما لمس العارف المجتهدي من احد اصدقائه استعداداً لسماع سر ورأى نفسه في الباطن مضطراً لعرضه، فانه كان يتحدث لذلك الصديق عن تجاربه السلوكية.
لكن هذا لا يعني ان كل من حل في محضره الشريف يشمله هذا اللطف، اصدقاء العارف المجتهدي الذين يستودعون اسراره لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد.
ولعدة مرات اكد العارف المجتهدي على ان مجرد الحضور عند السالكين والآتقياء لا يعني الوصول الى الكمال عند اولئك الحاضرين، انه علامة على توفيق آلهي ليعود الآنسان الى رشده وهو يشاهد اولياء الله الصالحين ويحث خطاه في درب بناء الذات وتزكية النفس.