ولد الشهيد مطهري في “فريمان” بمحافظة “خراسان” (شرق ايران)، وظهرت عليه منذ صباه أمارات الطهر والتقوى وحبّ العلم والذكاء والنبوغ.
وأنهى مقدمات دراساته الدينية في مسقط رأسه، ثم واصل دراسة العلوم الإسلامية في مشهد مركز محافظة خراسان الرضوية وشوقه لاستحصال العلوم دفعه أن يهاجر إلى مدينة «قم» حيث الحوزة العلمية الكبرى في إيران.
وفي قم (جنوب طهران) تتلمذ على كبار العلماء منهم آية الله البروجردي والإمام الخميني والسيد محمد حسين الطباطبائي الفيلسوف المفسّر، ولم تمض مدّة حتى أصبح من المدرّسين المشهورين في الحوزة.
وبرز في الدراسات الفلسفية، وعلّق على آراء أستاذه الطباطبائي وشرحها في كتاب “اصول فلسفه وروش رئاليسم”، (أصول الفلسفة وطريقة المثالية).
وكان الأستاذ الشهيد ينتمي إلى التيار الواعي الإصلاحي الإحيائي في الحوزة العلمية، ولذلك ارتبط بالحركات الإسلامية، وأصبح بعد ذلك وكيلاً عن الإمام الخميني (ره) للإشراف على التوجه الفكري لتلك الحركات.
لقد استلهم الأستاذ الشهيد من دروس الإمام الخميني (رض) التهذيب وتزكية النفس، والاهتمام بشؤون المجتمع والتوجه نحو إصلاح حالة الأمة. ولذلك كان في كل مؤلفاته وأعماله العلمية والعملية مهتمًا بتحقيق ما يصبو إليه من إصلاح وإحياء.
وحدة الأمة في خطاب الشهيد مطهري
قضية تقارب المذاهب الإسلامية ووحدة الأمة تحتلّ مساحة كبيرة من نشاطات الشهيد مطهري الفكرية والدعوية والعملية. وهذه ظاهرة طبيعية في رجل يحمل همّ إحياء الأمة؛ باختصار نذكر أهم محاور خطاب الشهيد مطهري في هذا المجال.
المحور الأول:
اهتمامه بخطاب الوحدة في القرآن الكريم، ويكرر في أحاديثه آيات من كتاب الله تؤكد على وحدة الصف الإسلامي مثل قوله سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾، وقوله:﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
وقوله: ﴿ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ وقوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وقوله: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ ..
ويذكر الآية الكريمة: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ﴾، ويرى أن الدعوة في الآية إلى مطلق الخير، وأن أهم الخير الدعوة إلى الوحدة الإسلامية.
المحور الثاني:
سرد سيرة النبي (ص) والإمام علي (ع) في المحافظة على وحدة الأمة، بشأن سيرة النبي (ص) يذكر اهتمام الرسول الاكرم (ص) بعقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، حتى كانوا لأمد يتوارثون.
ثم يطيل الحديث في سيرة أمير المؤمنين علي (ع) في هذا الإطار، ذلك لأن مخاطبيه عادة هم الشيعة، يريد بذلك أن يقول لهم إذا كنتم شيعة علي حقًا فعليكم أن تكونوا أكثر من غيركم اهتمامًا بوحدة الأمة، رادًا بذلك على الفئة التي تتخذ من الولاء لآل البيت مدخلاً للتفرقة بين المسلمين.
وفي كتابه “سيرى در نهج البلاغة” (فارسي)، يركز على موقف علي ( ع) من وحدة الأمة، وما قدمه على هذا الطريق من تضحيات. ولا بأس أن أنقل عنه عبارة تنبئ عن مواجهة في عصره بين التقريبيين والمفرقين يقول :
“علي أصبح فداء للوحدة الإسلامية، أي شخص كان بِقَدَر علي في احترام الوحدة؟ الآخرون كانوا يقطعون وهو كان يوصل”.
المحور الثالث:
محور بيان طبيعة الدعوة الإسلامية، وهو ما يؤكد عليه الأستاذ الشهيد في كتاباته ومحاضراته بسبب شيوع الخطاب القومي والطائفي في عصره، فيفصّل القول في عالمية الإسلام، ويعرض موقف القرآن والسيرة من الأطر القومية والعشائرية وأي إطار آخر يفصل بين المسلمين.
ويستعرض الخطاب الغربي الموجّه إلى الإيرانيين بشأن الدين الإسلامي.. زاعمًا أنه دين غريب على الإيرانيين ولا يرتبط بهم لا قوميًا ولا لغويًا ولا ثقافيًا!! ويردّ على ذلك في كثير من كتبه مؤكدًا على عالمية الدعوة الإسلامية وأسسها الإنسانية، ومشيرًا إلى أن المسيحية التي يعتنقها الغرب هي دعوة انبثقت من أرض فلسطين فهل يمكن اعتبارها غريبة عليهم؟!
المحور الرابع:
الحج ووحدة المسلمين، خصص الأستاذ الشهيد كتابًا للحديث عن الحج وكله يدور حول دور الحج في ترسيخ وحدة المسلمين، والمعاني التي تنطوي عليها مناسك الحج من توحيد للصفوف وتأليف للقلوب وإزالة للفوارق القومية والمذهبية والطبقية.
المحور الخامس:
العواطف الإنسانية والوحدة:
يرى الأستاذ الشهيد أن الإنسان بذاته يتجه إلى النزعة الفردية، وهذه النزعة الفردية تصطدم عادة بالنزعات الفردية للآخرين، ويحدث الصراع بين الأفراد. غير أن ثمة عوامل أخرى قد تأتي وتغطّي على هذا الصراع، وهذه العوامل إما أن تكون «مصلحية» أو «رسالية».
العوامل المصلحية تجمع الفرقاء في تعاون تجاري أو اقتصادي فيرى كل واحد من الشركاء أن مصلحته مرتبطة بمصلحة غيره من الشركاء، عندئذ يتعاونون في إطار تحقيق هذه المصلحة، وهذا يمكن أن نطلق عليه اسم «تعاون» لا «تآلف».
والتآلف يأتي من اجتماع الناس على مصلحة رسالية مثل مصلحة الوطن والقوم، غير أن التاريخ لم يشهد مصلحة رسالية تجمع الأفراد وتؤلف بين قلوبهم كالمشروع الديني.
ثم يذكر الأستاذ الشهيد أمثلة من تآلف المسلمين في ظل الرسالة الإسلامية في عصرها الأول، وينقل نصوصًا من سيرة الصحابة ومن سيرة الإمام علي تبين قدرة الدين على رفع مستوى هموم الناس إلى حمل هموم الأمة حتى بلغ بالإمام علي(ع) إلى أن يقول، «أو أبيت مبطانًا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تعيش ببطنة وحولك أكباد تحنّ إلى القــدّ.
المحور السادس:
الوحدة والحياة:
في هذا المحور يتجه الأستاذ الشهيد نحو فهم حضاري للوحدة، فهو يرى أن الإسلام مهمته الإحياء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾.
ويرى أن طبيعة الجسم الحي أن يكون متواصلاً متواسيًا مرتبطًا ارتباطًا عضويًا. وفي ذلك يقول الرسول (ص) : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». (الجامع الصغير 2/155).
المحور السابع:
العشق والوحدة:
العشق بغضّ النظر عن نوعه أهو غريزي أم روحي يُخرج الإنسان من دائرة ذاتياته. الذاتية سجن وحصار، وعشق الغير يكسر هذا الحصار.
الإنسان القابع في ذاته الذي لا يحمل مشاعر حبّ لغيره إنما هو إنسان جبان نحيل متكبر قاسي القلب مغرور ليس في روحه أية إضاءة ولمعان. وإذا دخل العشق يغيّر جوهر الإنسان ويجعله فردًا رقيقًا ذكيًا وثّابًا.
ويخلص الاستاذ الشهيد من هذا المحور أنّ هبوط عاطفة الحبّ والودّ في النفوس عامل تمزيق وتفتيت، بينما الحبّ يلين القلوب ويصقل العواطف ويهذّب الطباع ويجمع المتفرقين.