نحن الآن مع دعاء العهد وهو الدعاء الذي يتلى كل صباح (لا اقل اربعين صباحاً) لتعجيل ظهور الامام المهدي عليه السلام امام العصر، من حيث الندب لشخصيته، والانضمام الى موكبه ونصرته.. وقد حدثناك في لقاء سابق عن الموضوع الاول منه وهو قول الامام الصادق عليه السلام في دعائه الذي انشأه لنتلوه - نحن القراء للادعية - على النحو الآتي: (اللهم اني اجدد له - اي لشخصية العصر الامام المهدي عليه السلام- في صبيحة يومي هذا وما عشت من ايامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا احول عنها ولا ازول ابداً...).
لقد حدثناك مفصلاً عن معنى العهد والعقد والبيعة في هذه الفقرة من الدعاء، وقلنا: انها مستويات ومراحل من تصميم وعزم وعواطف قارئ الدعاء: لنصرة الامام عليه السلام وهي تبدأ من العزم على نصرته عليه السلام بحيث يتعاهد مع نفسه على انجاز ذلك، ثم يوثق ذلك من خلال ابرامه عقداً مع الامام عليه السلام على ذلك، ثم يؤكده من خلال البيعة التي تعني: اعطاءه الميثاق على تحقيق ذلك.. كلّ هذا حدثناك عنه سابقاً.. اما الآن فسنحدثك عن هذه الفقرة ايضاً ولكن من خلال القائنا الانارة على ما ورد فيها من تأكيد البيعة (وهي اعلى مستويات الميثاق او العهد): كالذهاب على ان هذه البيعة هي في عنق قارئ الدعاء، وان قارئ الدعاء المذكور لن يحول ولن يزول عن البيعة المذكورة.. والسؤال المهم الآن هو: لماذا هذا التركيز على البيعة بحيث يجعلها قارئ الدعاء في رقبته؟ ثم لماذا التركيز على انه لايحول ولا يزول عنها؟ هذه الاسئلة لها اهميتها، ولذلك نطرحها، ونحاول الاجابة عنها..
اننا نتساءل اولاً قائلين: لماذا هذه العبارة الاستعارية التي تشير الى ان قارئ الدعاء جعل بيعته للامام المهدي عليه السلام في عنق؟.. واضح، ان العنق هو العضو الفاصل لرأس الشخصية عن سائر جسدها، وهو العضو الذي تتحقق من خلاله عمليات الاماتة، وهو العضو الذي تقاد الشخصية بواسطته الى حيث يراد لها، اي: وضع القيد في عنقها.. ومع هذه الوظائف المتنوعة او السمات المتنوعة للعنق، حينئذ: فانها تبقى (رمزاً) او لنقل: يبقى العنق رمزاً لتحمل مسؤولية ما ينطق به قارئ الدعاء من كلام يستهدف من خلاله من يؤكد تعيينه وقناعته بنصرة الامام المهدي.. وهذا فيما يتصل برمز (العنق) وما يتضمنه من الدلالة.. ولكن: ماذا بالنسبة الى العبارة القائلة (لا احول عنها ولا ازول) اي: عن البيعة التي بايع بها قارئ الدعاء امام العصر عليه السلام بنصرته..؟
من الحقائق التاريخية المعروفة ان كثيراً من الشخصيات التي بايعت من يستحق البيعة: تخلت عن ذلك لمصلحة ذاتية: ولعل شخصيات تاريخية معروفة قد ذكرها المؤرخون بانها بايعت الامام علياً عليه السلام مثلاً، ولكنها تمردت فيما بعد.. وهذا يعني: ان المبايع من الممكن - اذا كان ذا شخصية منحرفة او ذات ضعف عقائدي، او نفسي الخ - من الممكن ان ينسلخ من كلامه،.. ولذلك فان قارئ الدعاء يستهدف الاشارة الى ان بيعته للامام المهدي تتسم بالاحكام والالزام اللذين لاسبيل الى تصور خلافهما،.. وهذا ما عبرت عنه الفقرة القائلة عن البيعة (لا احول عنها ولا ازول)، حيث نجد هنا عبارتين تأكيدتين هما (لااحول) و(لاازول) عن البيعة المذكورة هنا قد تسأل قائلا: ماذا تحمله هاتان العبارتان من ظاهرة التأكيد؟ والجواب هو: ان العبارة الاولى تعني: الممانعة والحيلولة والتحول ونحوهما، اي: تحمل دلالة هي: ان الشخصية المبايعة سوف لاتتحول من مبايع الى ناكث.. لاتمتنع من استمرارية المبايعة في عنقها.. ولكن هذه درجة من الالزام.. واما الدرجة الاعلى منها، هي: ان هذه الشخصية لا تزول عن المبايعة المذكورة بمعنى انها ثابتة لازوال لكلامها،.. والثابت هو: الامر المطلوب: مادام الهدف هو بقاء العهد على البيعة، وهل يطلب منها غير ثباتها؟
اذن: امكننا ان نتبين النكات المختلفة التي تتضمنها فقرة الدعاء القائلة (اللهم اني اجدد له في صبيحة يومي هذا، وما عشت من ايامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا احول عنها ولا ازول أبداً...) ونسأله تعالى ان نكون كذلك، ومن ثم: ان نكون من المنتظرين، والاعوان، والذابين عن الامام عليه السلام، والمسارعين.. الخ بحسب ما ورد في الدعاء المذكور، سائلين الله تعالى ان يوفقنا لممارسة وظيفتنا العبادية بالنحو المطلوب.
*******