نحن الآن في المقاطع الاخيرة من دعاء العهد وهو الدعاء الذي يتلى كل صباح (لا اقل من اربعين صباحاً) لتعجيل ظهور الامام المهدي عليه السلام، والمشاركة في ثورته الاصلاحية... وقد سبق ان عرضنا العبارة القائلة: (اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الامة بحضوره، وعجل لنا ظهوره...) وتساءلنا في لقائنا السابق عما تعنيه الاشارة الى هذه الغمة وهذه الامة، وعما تعنيه العبارة المتوسلة بكشف الغمة بحضور الامام عليه السلام، وما تعنيه العبارة المتوسلة بظهور الامام عليه السلام.. هذه الاسئلة نحاول الاجابة عنها الآن..
من البين ان الطائفة المحقة المتمسكة بالثقلين، كتاب الله تعالى وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تظل معانية من الشدائد ليس في حقبة خاصة دون غيرها بل طوال التاريخ، من هنا فان الدعاء الذي نحن نتحدث عنه يعرض مستويات هذه الشدة او الشدائد بعبارة خاصة هي (الغمة)، والغمة هي الحزن والكرب، الا ان انتخابها دون سواها من المفردات كالحزن نفسه او الكرب، لها دلالتها، فالغمة من حيث جذرها اللغوي هو ما يغطي الشيء، ولذلك فان الحزن او الكرب عندما يبلغ مداه الكبير يكون بذلك قد غطى المساحة الكبيرة من الظاهرة.. اي الهم والحزن في اشد مستوياته التي نتصورها..
ومادام الامر كذلك.. فان حضور الامام عليه السلام ذاته في زمن غيبته يظل مقترناً برعايته ولطفه، وهذا مما يستتلي التوسل بالله تعالى بان ينعم علينا ببركات الامام عليه السلام، بكشف الشدة او الشدائد او الغمة عن الامة المتمسكة بكتاب الله تعالى وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. من هنا اشار الدعاء بكلمة هذه الغمة ليوضح خصوصيتها، وبكلمة هذه الامة ليوضح خصوصيتها، اي: ليوضح خصوصية الشدة التي يكابدها هؤلاء المتمسكون بالثقلين..
تأسياً على ما تقدم، يمكننا ان نستخلص بوضوح بان التوسل بالله تعالى بان يكشف هذه الغمة عن هذه الامة، انما هو في زمن حضوره عليه السلام الذي يشمل عهدي غيبته وظهوره.
لكن بما ان وراثة الارض هي الوعد لهذه الامة، لذلك فان ازالة الشدائد بأكملها انما يتم من خلال الثورة الاصلاحية العامة التي يضطلح بها الامام عليه السلام، وهذا ما يحصل مع عملية الظهور، كما هو واضح..
من هنا ذكر اولاً عملية الحضور عندما المح الى الشدائد، ثم ذكر عملية الظهور عندما قال: وعجل لنا ظهوره.. اي: ان ازالة معالم الانحراف لدى اعداء الله تعالى واعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعداء عترته، ازالة ذلك جميعاً عن الامة الموالية لله تعالى ولنبيّه ولعترته: لايتم الا بظهور الامام عليه السلام..
الى هنا يظل القارئ لدعاء العهد في مقطعه المتقدم قد توسل بالله تعالى بان يعجل ظهور الامام عليه السلام.. لكن بما ان القاصرين في رؤيتهم يرون عملية الظهور بعيدة، فان الدعاء يستهدف الاجابة عن الرؤية المذكورة بان الظهور هو قريب، حيث قال: (انهم يرونه بعيداً ونراه قريباً..) وهذا القرب الذي المح اليه الدعاء (اذا قدر لك ان تتأمل بدقة، بلاغة العبارة) امكنك ان تستخلص جملة نكات، منها: ان القرب هو بحسب الزمان النفسي او العبادي اذا صح التعبير عن ذلك، بصفة ان الصبر اساساً هو عملية ضخمة لها فاعليتها وخطورتها في تثمين الله تعالى لمن مارسها، ولذلك حتى لو طال الزمن مادياً، فانه قريب نفسياً في سياق عملية الصبر على شدائد الحياة..
اخيراً.. يختم دعاء العهد بفقرة تقول: (العجل العجل يا مولاي صاحب الزمان)، والدعاء بهذه العبارة قد قرنها النص الشرعي بسلوك خاص هو: الضرب على فخذ قارئ الدعاء الايمن ثلاث مرات.. وهذا ما يتطلب بدوره لقاء خاصاً، وهو ما نختم به حديثنا عن دعاء العهد، في لقائنا اللآتي ان شاء الله تعالى...
*******