موقعها وحدودها
تقع مدينة النجف على حافة الهضبة الصحراوية الغربية من العراق جنوب غرب بغداد على بعد ۱٦۰كم... على خط طول٤٤ درجة و ۱۹دقيقة، وعلى خط عرض ۳۱ درجة و ٥۹ دقيقة، وترتفع فوق مستوى سطح البحر بـ ۷۰م... يحدّ مدينة النجف من الغرب منخفض بحر النجف متصلاً بناحية الشبكة وبالحدود السعودية، ومن الجنوب والجنوب الغربي مدينتا الحيرة وأبي صخير على بعد ۱۸كم، ومن الشرق الكوفة، وتبعد مسجدها (المركز) بـ ۱۰كم … ويحدّها من الشمال ناحية الحيدرية (خان الحماد) على بعد ۳۰كم … وتبلغ مساحة مدينة النجف ۱۳۲۸كم... أمّا حدودها الإدارية كمحافظة فهي كالتالي: من الغرب والشمال الغربي المملكة العربية السعودية ومحافظة الأنبار، ومن الشمال الشرقي محافظة كربلاء، وبين الشرق والجنوب الشرقي محافظتا بابل والقادسية. وتتألف من ثلاثة أقضية وسبعة نواح وتبلغ مساحتها ٤۹٤/۲۷كم... ولا يعنينا الحديث عنها في حديثنا عن تاريخ المدينة.
*******
أسماؤها ومناشئها
للنجف عدد من الأسماء أخذت من الموقع والواقع؛ فأسم النجف عند أهل اللغة يعني التل والمكان الذي لا يعلوه الماء المستطيل المنقاد.
قالوا: والنجف بظهر الكوفة كالمسناة تمنع ماء السيل أن يعلو منازل الكوفة ومقابرها (۱).
ومن أسمائها الغري: وهو الحَسِن من كلّ شيء.
والغري أيضا: المطلي بالغراء، مفردها الغريان: وهما بناءان كالصومعتين مشهوران بظهر الكوفة بناهما بعض ملوك الحيرة أمثال (المنذر بن ماء السماء) (۲).
قال الحموي: ويجوز أن يكون اسم الغري مأخوذاً من كلّ واحد من هذين (۳).
وللنجف عدة أسماء أُخرى منها: المشهد؛ وهو ما ذكره ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما، وهو تسمية للكلّ باسم البعض الأظهر والأشرف فيها، وهو مشهد القبر المقدس، وما زال هذا الاسم متداولاً حتّى الآن لدى سكانها.
فيقال: مشهدي في النسبة، والمشاهدة.. وللنجف الموقع أسماء أُخرى منها ما كان معروفاً تأريخياً، ومنها ما ورد في أحاديث الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كـ: بانقيا، والجودى (٤) والغربي، واللسان، والربوة، والطور، وظهر الكوفة. تاريخها ما قبل الإسلام، وما قبل التمصير: ورد في أخبار الأئمة من أهل البيت عليهم السلام: أنّ في بقعة النجف قبرا آدم ونوح عليهما السلام، وإنّ الإمام دفن عندهما بإعلامه ووصيته، وأنّ فيها أيضاً وعلى مسافة ۱كم قبرا هود وصالح، وأنّ مرتفعهما بقايا جبل قديم هو جبل الذي قصده ابن نوح في قوله تعالى: «سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله» (٥).
وكان متصلاً بالشام فأنهار الجبل وساخ.. ووردت أخبار أُخرى لم يتحقق من صحتها من الخارج والداخل ولكن مضمونها واحد هو التأشير إلى قدّسية هذه البقعة وشرفها قديماً (٦).
*******
المعروف تاريخياً
أنّ المنطقة في العهد الجاهلي كانت متنـزهاً لملوك الحيرة اللخميين.. وأنّها كانت مكانا تعمره الأديرة المسيحية التي يقوم على شؤونها القسيس والرهبان، ومنها دير ابن مزعوق ودير مارت مريم ودير حنا، وظلت هذه الأديرة قائمة في العهد الإسلامي حتّى بعد تمصير الكوفة سنة ۱۷هـ، فقد ذكروا أنّه كان يقصدها بعض مُجّان الكوفة وشعرائها للقصف واللهو…. وفي العصر الإسلامي، مرت على هذه المنطقة أحداث تاريخية هامة: ففي سنة ۱۲هـ نزل النجف خالد بن الوليد بعد فتح اليمامة يريد الحيرة فتحصّن منه أهلها بالقصر الأبيض، وقد حدثت فيها واقعة البويب.. وفي سنة ۱٤هـ كانت النجف ساحة حرب يتبادل النـزال فيها المسلمون والفرس وفي منطقة (بانقيا) أحد أسمائها أخذت أوّل جزية في الإسلام من الفرس. لكن واقع طبيعتها السياحية الجميلة، ومناخها المعتدل، وجمال أوديتها، ووفرة الصيد فيها وتلاعها، والمنظر البحري بجانبها ظل قائماً حتّى عصر الخليفة الواثق وبدايات السكنى فيها يظهر ذلك من هذا الوصف الرائع لها في قصيدة لإسحاق بن إبراهيم الموصلي المتوفّى سنة ۲۳٥هـ، وكان قد خرج مع الواثق للتنـزه والصيد في المنطقة، قال: ما أن أرى الناس في سهلٍ ولا جبلٍ أصفى هواءً ولا أغذى من النجفِ كأنّ تربته مسكٌ يفوح بـــه أو عنبر دافه العطار في صــدفِ حفّت ببرٍ وبحرٍ من جوانبهــا فالبرُ في طرفٍ والبحرُ في طـرفِ (۷).
وبين ذاك بساتين يسيحُ بهـــا نهرٌ يجيش بجاري سيله القصــفِ تلقاك منه من قبيل الصبح رائحة تشفي السقيـم إذا أشفى على التلف لوحله مدنف يرجو الشفاء بـه إذا شفاه من الأسقام والدنـــفِ (۸).
*******
تمصيرها وأسبابه
نزل الإمام عليّ أمير المؤمنين الكوفة بعد حرب الجمل، واتخذها عاصمة لخلافته سنة ۳٦هـ لعوامل سياسية وعسكرية تتصل بموقعها المهم وسط العالم الإسلامي، واصبح ظهر الكوفة (الثوية) مقبرة للمسلمين في الكوفة، وفيهم عدد كبير من الصحابة والتابعين.. وكان أوّل من دفن في النجف الصحابي الجليل خبّاب بن الأرت الذي صلّى عليه الإمام عليّ عليه السلام وذلك في سنة ۳۷ هـ، وفي سنة ٤۰هـ اغتيل الإمام عليّ عليه السلام في محرابه في مسجد الكوفة في الليلة التاسعة عشر من شهر رمضان.
تحديد مكان القبر الشريف:
قبل يوم استشهاده في اليوم الثالث أوصى أن يدفن في قبر أعدّه واشترى ما حوله في ظهر الكوفة يقع بعد الثوية (۹) لمن يأتي من جهة الكوفة، ووراء القائم قريبا من النجف (۱۰) قريباً من النجف (۱۱) يسرة عن الغري يمنة عن الحيرة بين الذكوات البيض (۱۲) قريباً من قبري هود وصالح جوار قبري آدم ونوح (۱۳).
ودفن علية السلام ليلاً خفية واحتياطا من أن تهتك حرمة القبر على يد الأُمويين والخوارج. وقد تولّى دفنه الإمامان الحسن والحسين(ع) وأخوهما محمّد بن الحنفية(رض) وعبد الله بن جعفر(رض)، واتبعهما جماعة من خلص الشيعة وشاهدوا عند القبر كرامة باهرة تتصل بمنـزلة الإمام ومقامه.
*******
(۱) لسان العرب م: ۹ م: نجف ص۳۲۳.
(۲) تاج العروس م ۱۰ /٦٤۸.
(۳) معجم البلدان ج ٤/ ۱۹٦.
(٤) ذكر البحاثة البدري نقلاً عن القاموس الآشوري الذي اصدرته جامعة شيكاغو: إنّ (كادو) اسم للفرات القديم، وقد جاء في رواية عن المفضل، عن الإمام الصادق عليه السلام: أنّه فرات الكوفة. ونقل أنّ العلامة المجلسي تصوّر أنّها مصحّفة، وأنّ الصحيح (قرب الكوفة).. ونقل أنّه تحقق: أنّ (أراراط) الوارد في التوراة العبرية، و (قردو) الوارد في التوراة الآرامية والسريانية على أنّ سفينة نوح استقرت على جبالهما إنّما هما اسمان لبابل.. ممّا ورد يقرب ـ مع معرفة التحريف في العهد القديم ـ صدق الرواية…
(٥) سورة هود الآية: ٤۳.
(٦) فرحة الغري.
(۷) بحر النجف كما ترى كان قائماً تاريخياً بل أدركنا منظره قبل جفافه حين أصبح ضحلاً. وقد ذكر الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي: إنّ بحر النجف كان مجرى للسفن الشراعية، وليس لدينا عنه أمر يوثق به عدا ما حدّثنا به الرحالة البرتغالي (تكسيرا) وان كان ذلك في وقت متأخر تاريخياً. قال تكسيرا الذي وصل النجف في ۱۸ أيلول ۲۳ ربيع الثاني سنة ۱۰۱۳هـ: إنّ مدينة النجف كانت تطل من موقعها العالي على بحر النجف … وقال: إنّه ليس لهذه البحيرة شكل معين لكنها تمتد بطولها حتىّ يبلغ محيطها خمسة وثلاثين إلى أربعين فرسخا، وهناك قريبا من منتصفها ممر ضحل تستطيع الحيوانات اجتيازه خصوصا في المواسم التي يقل فيها ماء البحر. وقال: إنّ هذه البحيرة كانت شديدة الملوحة، ولذلك كان يستخرج منها الملح الذي يباع في بغداد والمناطق المجاورة مع ملوحتها كان يكثر فيها السمك بأنواعه المختلفة، ولهذا كان يسميها الناس بـ (الرهيمة). ويرى تكسيرا: إنّ بحر النجف يستمد ماءه من الفرات، ولذلك يلاحظ ازدياد مقادير الماء في مواسم الطغيان. والبيت الأخير للموصلي يؤيد ذلك، فالبساتين قائمة حول النهر المنحدر من أبي صخير والذي يزداد أيام فيضان الفرات.
(۸) معجم البلدان ج ٥ ص ۲۷۱.
(۹) على مسافة ۲كم.
(۱۰) اسطوانة كانت قائمة ولم تعد موجودة اليوم.
(۱۱) يقصد به بداية الهضبة المطلة على منخفض بحر النجف، ويبعد قبر الإمام عنها بحدود ۱كم.
(۱۲) الذكوات البيض ـ منّقطة وغير منقّطة ـ: تلال أربعة تبدو في الشمس بيضاء، وأحيانا توصف بالحمراء، ويبدو أنّ ذلك وصفها بداية الشروق وعند الغروب ومواضعها معروفة حوالي القبر حتىّ الآن.
(۱۳) هذا ما ورد في أخبار الأئمة من أهل البيت ابتداءً من الإمام عليّ عليه السلام في تعين موضع القبر.
*******
موقع www.najaf.org.