ورغم أنّها استمرت بعده ممثلة بتلميذه ( صاحب الرياض ) المتوفّى سنة ۱۲۱٦هـ؛ فإنّ النجف كانت تنافسها بتلميذيه البارزين المرجعين السيّد مهدي بحر العلوم المتوفّى سنة ۱۲۱۲ هـ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفّى سنة ۱۲۲۸ هـ. وفي عهدهما نشطت الحركة العلمية والأدبية في النجف بصورة لم ير لها مثيل، وقد عهد الشعراء في ذلك العهد في النجف فكانوا مائتي شاعر، وازدهرت الحياة في المدينة بصورة عامة، وعادة تعج بالوافدين والزائرين...
لكنها تعرضت في الأعوام ۱۲۱٦ هـ و ۱۲۲۱ هـ و۱۲۲٦ هـ إلى هجمات وحشية شرسة من الوهابيين فقد هدموا القبر الشريف وانتهبوا محتوياته، وسفكوا دماء السكان، واستباحوا الحرمات، وعاثوا في المدينة فساداً... لكن الله تعالى دفع عاديتهم، وحقق للمدينة المقدّسة وأهل العلم و سكانها الآخرين بسببين:
الأوّل: تسليح أهلها لا سيّما طلاب العلم بأمر، وإشراف الشيخ كاشف الغطاء (قدس الله نفسه) الذي جلب لهم السلاح الكافي الرائج يومئذٍ، وأمر بتدريبهم عليه فكانوا يخرجون إلى الصحراء ما بين النجف والسهلة كلّ يوم للتدريب، وكان حمل السلاح والتدريب عليه فرضا دينياً للدفاع، حتىّ ألّف السيّد الجليل جواد العاملي المتوفّى سنة هـ ـ صاحب (مفتاح الكرامة) ـ رسالة في وجوب الذب عن النجف وهو أحد تلامذة كاشف الغطاء المبرزين وأُستاذ صاحب الجواهر... كما أنّ الشيخ كاشف الغطاء شجع طلاب العلم على الرياضة وألعاب القوى المعروفه في ذلك العصر، وأعد جانباً من داره لهذا الغرض.. لكن حمل السلاح قد أُسيء استعماله بعدئذٍ، وارتدت أثاره السلبية على المدينة بوقوع الفتنة القبلية المعروفة بفتنة الشمرت والزكرت التي امتدت زمناً طويلاً.
الثاني: من أسباب الأمان في النجف بناء سورها الأخير والخندق العميق حوله الذي انفق عليه مبالغ خيالية في ذلك العصر الصدر الأعظم نظام الدولة جدّ أُسرة آل نظام النجفية، وكان يومئذٍ وزيراً لفتح عليّ شاه، وقد تم بناؤه سنة ۱۲۲٦ هـ أي قبل وفاة الشيخ كاشف الغطاء بسنتين، وبه صارت النجف قلعة حصينة لا تستطيع أية قوة في ذلك العصر أن تقتحمها، وظل هذا السـور قائماً خلـف موقـع الرابطة الأدبية حتّى عام ۱۹۸۰ م. وفي سنة ۱۳۲٥ هـ / ۱۹۰۸ م أنشأت شركة أهلية سكة حديد لعربات تجرها الخيول (تراموي) تربط النجف بالكوفة، وظلت قائمة حتىّ ۱۳٦٥ هـ / ۱۹٤۸ م، فرفعت بعد أن كثرت السيارات اللازمة للنقل. وفي ۱۳٤۸ هـ/ ۱۹۲۹ م مدت أنابيب الماء من الكوفة إلى النجف وربطت بمضخات تدفع المياه إليها بعد أن كانت المدينة تعتمد على القنوات ـ التي سرعان ما تتعطل ـ وعلى الآبار.
*******
موقع www.najaf.org.