قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: قال ابو عبيد السكوني: (الشعب ماء بين العقبة والقاع في طريق مكة على ثلاثة اميال من العقبة حبس للماء عنده قباب) (۱).
جاء في لسان العرب: (الشعب ما انفرج بين جبلين وهو الطريق في الجبل والجمع شعاب وقيل الشعب مسيل الماء في بطن من الأرض) (۲).
اقول: لقد حصل خلط عند البعض بين شعب ابي طالب وبين موقع مقبرة المعلا لان مقبرة المعلا قريبة من شارع الحجون وهي تبعد تقريباً عن الحرم ۲ كيلو اما شعب ابي طالب (عليه السلام) فهو في مكان آخر ليس ببعيد عن الحرم المكي.
ومكة تشتهر بكثرة الشعاب فيها ومن اشهرها شعب ابي طالب وشعب بني هاشم وشعب بني عامر وكان اجداد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسكنون في هذه الشعاب القريبة من الحرم المكي.
اما كيفية حصار بني هاشم في شعب ابي طالب (عليه السلام) فجاء في البحار: (اجتمعت قريش في دار الندوة وكتبوا صحيفة بينهم ان لا يؤاكلوا بني هاشم ولا يكلموهم ولا يبايعوهم ولا يزوجوهم ولا يتزوجوا اليهم ولا يحضروا معهم حتى يدفعوا اليهم محمداً فيقتلونه وانهم يد واحدة على محمد يقتلونه غلية او صراحاً، فلما بلغ ذلك ابا طالب جمع بني هاشم ودخلوا الشعب وكانوا اربعين رجلاً فحلف لهم ابو طالب بالكعبة والحرم والركن والمقام ان شاكت محمداً شوكة لأثبن عليكم يا بني هاشم وحصن الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار فاذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه ورسول الله (صلى الله عليه وآله) مضطجع ثم يقيمه ويضجعه في موضع اخر فلا يزال الليل كله هكذا ويوكل ولده وولد أخيه به يحرسونه بالنهار فأصابهم الجهد وكان من دخل مكة من العرب لا يجسر ان يبيع من بني هاشم شيئاً ومن باع منهم شيئاً انتهبوا ماله وكانت خديجة (رضي الله عنها) لها مال كثير فأنققته على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشعب ولم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل ابن عبد المطلب بن عبد مناف وقال: هذا ظلم وختموا الصحيفة بأربعين خاتماً ختمها كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه وعلقوها في الكعبة.
وبعثت قريش الى ابي طالب ادفع الينا محمداً حتى نقتله ونملكك علينا، فقال ابوطالب (رضي الله عنه) قصيدة يقول فيها:
ولما رأيت القوم لا ودفيهم
وقد قطعوا كل العرى والوسائل
الم تعلموا ان ابننا لا مكذب
لدينا ولا يعني بقول الأباطل
وابيض يستسقي الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطوف به الهلاك من آل هاشم
فهم عنده في نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله يبزى محمد
ولما نطاعن دونه ونقاتل
ونسلمه حتى نصرع دونه
ونذهل عن ابنائنا والحلائل
لعمري لقد كلفت وجداً بأحمد
واجببته حب الحبيب المواصل
وجدت بنفسي دونه وحميته
ودار أت عنه بالذرى والكواهل
فلازال في الدنيا جمالاً لأهلها
وشيئاً لمن عادى وزين المحافل
حليماً رشيداً حازماً غير طائش
يوالي اله الحق ليس بما حل
فأيده رب العباد بنصره
واظهر ديناً حقه غير باطل
فلما سمعوا هذه القصيدة أيسوا منه
ولما أتى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الشعب اربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض فلحست جميع ما فيها من قطيعة وظلم وتركت باسمك اللهم.
ان خديجة بنت خويلد واباطالب رضي الله عنهما ماتا في عام واحد وتتابعت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) المصائب بهلاك خديجة وابي طالب وكانت خديجة وزيرة صدق على الاسلام وكان يسكن اليها(۳).
جاء في اصول الكافي روى الكليني عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (لما توفي ابوطالب نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد اخرج من مكة فليس لك فيها ناصر وثارت قريش بالنبي (صلى الله عليه وآله) فخرج هارباً حتى جاء الى جبل بمكة يقال له الحجون فصار اليه) (٤).
*******
(۱) معجم البلدان ياقوت الحموي ج ۳ ص ۳٤۷.
(۲) لسان العرب ابن منظور ج ۷ ص ۱۲۸.
(۳) البحار المجلسي ج ۱۹ ص ۱.
(٤) اصول الكافي الكليني ج ۱ ص ٤٤۹.
*******
المصدر: فجر الاسلام في تاريخ والمشاعر الحرام، المؤلف: الشيخ عبد العزيز صالح المدني