وهي انبعاث ونبع الماء وتفجره من تحت قدمي النبي اسماعيل (عليه السلام) في واد غير ذي زرع جاف مجحف لاماء ولا نبات فيه، وتقع في المسجد الحرام.
وأقول: والأصح ان يقال: عين زمزم لا بئر زمزم لان المتعارف ان البئر تحفر لأخراج الماء، اما العين فعادةً ينبع او يفجر الماء منها فيسيل. اما قصة كيفية تفجير عين زمزم فهو المروي في الكافي عن الامام ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في روايات اخذت منها الشاهد على القصة.
قال الامام الصادق (عليه السلام): (لما ولد اسماعيل حمله ابراهيم وامه على حمار واقبل معه جبرئيل حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شيء من زاد وسقاء فيه شيء من ماء والبيت يومئذ ربوة حمراء من مدر قال الامام: فلما ولي ابراهيم قالت هاجر: يا ابراهيم الى من تدعنا؟
قال: ادعكما الى رب هذه البنية.
قال: فلما نفد الماء وعطش الغلام خرجت حتى صعدت على الصفا فنادت هل بالبوادى من انيس ثم انحدرت حتى المروة فنادت مثل ذلك، وقال الامام: وكان الناس يجتنبون الممر الى مكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعث زمزم قال.
فرجعت من المروة الى الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة ان يسيح الماء ولو تركته لكان سيحاً) (۱).
(وفي معجم البلدان قال يا قوت الحموي: قيل سميت زمزم لزمزمة جبرائيل (عليه السلام) وكلامه عليها، وقال ابن هشام: الزمزمة عند العرب والكثرة والاجتماع.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: روى عن جعفر الصادق رضي الله عنه انه قال: كانت زمزم من اطيب المياه واعذبها والذها وابردها فبغت على المياه فأنبط الله فيها عيناً من الصفا فافسدتها) (۲).
اقول: أما كيفية غياب ماء زمزم في الجاهلية فقد ذكر في ذلك في الكافي عن علي ابن ابراهيم وغيره رفعوه قال: (كان في الكعبة غزالان من ذهب وخمسة اسياف فلما غلبت خزاعة جرهم على الحرم القت جرهم الأسياف والغزالين في بئر زمزم والقوا فيها الحجارة وطموها وعموا اثرها فلما غلب قصي على خزاعة لم يعرفوا موضع زمزم وعمي عليهم موضعها فلما غلب عبد المطلب وكان يفرش له في فناء الكعبة ولم يكن يفرش لأحد هناك غيره فبينا هو نائم في ظل الكعبة فرأى في منامه اتاه أت فقال له: احفر برة، قال: وما برة؟ ثم اتاه في اليوم الثاني فقال: احفر طيبة، ثم اتاه في اليوم الثالث، فقال: احضر المصونة، قال: وما المصونة؟ ثم اتاه في اليوم الرابع، فقال: احفر زمزم لا تنزح ولا تذم تسقي الحجيج الأعظم عند الغراب الأعصم عند قرية النمل وكان عند زمزم حجر يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب الأعصم في كل يوم يلتقط النمل فلما رأى عبد المطلب هذا عرف موضع زمزم، فقال لقريش: اني امرت في اربع ليالي في حفر زمزم وهي مأثرتنا وعزنا فهلموا نحفرها فلم يجيبوه الى ذلك فأقبل يحفرها هو بنفسه وكان له ابن واحد وهو الحارث وكان يعينه على الحفر فلما صعب ذلك عليه تقدم الى باب الكعبة ثم رفع يديه ودعا الله عزوجل ونذرله ان رزقه عشربنين ان ينحرا احبهم اليه تقرباً الى الله عزوجل، فلما حفر وبلغ الطوى طوى اسماعيل وعلم انه قد وقع الماء كبر وكبرت قريش وقالوا: ابا الحارث هذه مأثرتنا ولنا فيها نصيب قال لهم لم تعينوني على حفرها هي لي ولولدي الى آخر الابد) (۳).
وفي مكارم الاخلاق قال الطبرسي: (لما حفر زمزم سماها سقاية الحاج فأنزل الله تبارك وتعالى الاية «اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الآخر».
وسن في القتل مائة من الابل فأجرى الله عزوجل ذلك في الاسلام ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة اشواط فأجرى الله عزوجل ذلك في الاسلام قال النبي: يا علي ان عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام ولا يعبد الاصنام ولا يأكل ما ذبح على النصب ويقول: انا على دين ابى ابراهيم (عليه السلام) (٤).
اقول: وهذه الحوادث والكلام المتقدم تدلل كلها على توحيد عبد المطلب وسيره على خط حنفية دين النبي ابراهيم (عليه السلام) ومما يؤيد وقوي ذلك قرائن عديدة منها كقوله لابرهة الحبشي ان للبيت رب يحميه وكذلك توسله برب الكعبة ليعود اليه ماء زمزم وايضاً نذره لله حين نذر ان يذبح احد الولاده ان عاد ماء زمزم وكذلك خدمتهم واهتمامهم البالغ على الدوام للكعبة المشرفة وهذه الأمور كلها لتكشف وتشير ان اجداد النبي كانوا يسيرون على هذا الحظ المرسوم ولعل السرفيه انهم الحجور والظهور التي ينتقل منها نور نسب الرسول (صلى الله عليه وآله) من صلب الى صلب ومن جد الى جد موحد مع انه من معتقدات المذهب عندنا: ان المعصوم (نبي او امام) لا يولد الا من ابوين موحدين مؤمنين بالله وهذا الكلام كله يصب في صالح ابي طالب بن عبد المطلب المظلوم في تاريخ الاسلام مع كل ماقدمه من حمآية وخدمة لرسول الله وللمسلمين والاسلام.
نعم قد يشذ واحد عن هذا الخط المرسوم فيكشفه ويخصصه ويشير اليه الدليل لسوء عاقبته مثل ما اشار القرآن الى ابي لهب في سورة ابي لهب ولكن هذا كالشاذ النادر غير المحسوب الا ان اجداد المعصومين لابد ان يكونوا على العموم موحدين ولعل المصحلة في ذلك انهم الحجور التي اعدها الله لينتقل فيها النبي او الامام وكذلك ايضاً ليحصنها ويطهرها من دنس ورجس الجاهلية ومبقاتها لان المعصومين هم قدوة واسوة البشر.
اقول: وورد في استحباب ماء زمزم وفضله الكثير نذكر بعض ما جاء فيه (ففي الجواهر في صحيح حفص وعبيد الله الحلبي روى عن الامام الكاظم (عليه السلام) قال: يستحب ان يستقي من ماء زمزم دلواً او دلوين فتشرب منه وتصب على رأسك وجسدك وليكن ذلك من الدلو الذي بحذا الحجر).
(وفي خبر ابن سنان المشتمل على حج النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (فلما طاف بالبيت صلى ركعتين خلف مقام ابراهيم (عليه السلام) ودخل زمزم فشرب منها وقال: اللهم اني اسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاء من كل داء وسقم) (٥).
روى: في الفقيه القمي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (ماء زمزم شفاء لما شرب له) (٦).
*******
(۱) الكافي الفروع: ج ٤ ص ۲۰۱ باب الحج.
(۲) معجم البلدان ياقوت الحموي ج ۳ ص ۱٤۸.
(۳) الكافي الكليني ج ٤ ص ۲۱۸ باب الحج.
(٤) مكارم الاخلاق الطبرسي ص ٤٤۰.
(٥) الجواهر: النجفي ج ۱۹ ص ٤۱۲ باب الحج.
(٦) الفقيه القمي ج ۲ ص ۱٦۱ باب الحج.
*******
المصدر: فجر الاسلام في تاريخ والمشاعر الحرام، المؤلف: الشيخ عبد العزيز صالح المدني