البث المباشر

الكعبة

السبت 26 يونيو 2021 - 16:30 بتوقيت طهران
الكعبة

إن الكعبة المشرفة تتمتع بقداسة عظيمة ولها مكانة كبيرة في الإسلام وفي قلوب ‏المسلمين أجمعين لما تمثله من قداسة.

لأنها بيت الله المحرم وقبلة المسلمين ولقد ‏خرج الاسلام من جوارها الى أنحاء‌ الدنيا ومن حولها ولد افضل الكائنات جميعاً ‏النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولد في جوفيها خليفته الامام علي بن ابي ‏طالب (عليه السلام) وهي حج ومطاف ومزار الملائكة والنبيين والمسلمين وتتمتع ‏ببعد تاريخي تجلا في ان جعلها الله البقعة الطاهرة لبيته المعمور الذي تتوجه اليه ‏القلوب والوجوه كل يوم وساعة لتكون خط نور مقدس وطريق يوصل العبد الى ‏ربه، ليكمل التوحيد ويتم الدين وتتوحد النفوس في صفوف دون تمايز بين المسلمين ‏لافي اعراقهم ولا الوانهم في خطٍ سوا ولباس واحدعند جوار بيت رب العباد ولما لا ‏تكون هكذا وهي المحج الاول لكل بني ومرسل من لدن آدم الى الخاتم محمد (صلى ‏الله عليه وآله وسلم) ولقد أسست بأيدي الانبياء والمرسلين وبنيت بيد النبي ابراهيم ‏الخليل واسماعيل (عليهم السلام اجمعين).‏
اقول: ذهب البعض من المخبرين والعلماء ومنه صاحب تفسير المنار ان اول من ‏بني البيت هو النبي ابراهيم (عليه السلام).‏
اقول: يرد على هذا الكلام ايضاح وبيان كمايلي:
اقول: جائت في القرآن آيات تدلل ‏وتشير الى وجود بناء للبيت قبل بناء النبي ابراهيم (عليه السلام) وهي جاءت في ‏سورة الحج آية (۲٦): «واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت».‏
وكذلك جاء في سورة‌ ابراهيم آية (۳۷): «ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي ‏زرع عند بيتك المحرم».‏
كذلك جاء في سورة‌ البقرة آية (۱۲۷): «واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت ‏واسماعيل».‏
اقول: وهذه الآيات كلها قرينة وتدل وتكشف على ان البيت كان موجوداً وأسس قبل ‏بناء النبي ابراهيم (عليه السلام) وآثاره كانت موجوده كما اشارت وصورة‌ الأيات ‏سابقاً ولكن النبي ابراهيم (عليه السلام) بنى على تلك الأسس وعلى ذلك الأثر الذي ‏كان موجود والذي عرفه ودله عليه الله سبحانه وتعالى كما جاء في ظاهر الأيات ‏السابقة اذ تفيدنا وبتعبير اصح انه كان موجود ومبني قبل بناء‌ النبي ابراهيم (عليه ‏السلام) وان كان الطوفان قد هدمه كما اسردت الاخبار عن ذلك.‏
وبتعبير آخر ان النبي ابراهيم شيد وجدد اثره الذي كاد ان يخفى عليه لولا ان اعلمه ‏الله وعرفه موضع البيت القديم فأسس عليه بناء الكعبة مجدداً كما ان العرف يفهم ‏من ظهور سياق الأيات السابقة انه لم يحدث ولم يوجد ولم يؤسس شيء غير موجود ‏الأثر بل هو موجود واشارت وصرحت به الأيات المتقدمة وانما اقام بناءه على ‏البناء القديم كما تفيد الأخبار ايضاً ‌ان اول من بناه هو آدم وفي قول أخر بنته ‏الملائكة قبل آدم (عليه السلام) فلما هاجر ابراهيم وجاء مكة دله وعرفه الله على ‏موضع اثر البيت. توجد ادلة‌ واخبار عن ائمة‌ اهل البيت (عليه السلام) توفيد ان ‏البناء كان موجوداً قبل النبي ابراهيم (عليه السلام) نذكر بعض منها.‏
فعن الامام علي بن أبى طالب (عليه السلام) قال في احد خطبه: (الا ترون ان الله ‏جل ثنائه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه الى الآخرين من هذا العالم ‏بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذى جعله للناس ‏قياماً ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً واقل نتائف الدنيا مدراً واضيق بطون ‏الأودية ‌قطراً بين جبال خشنة ورمال دمثة وعيون وشلة وقرى منقطعة لا يزكوبها ‏خف ولاحافر ولاظلف ثم امر آدم (س) وولده ان يثنوا اعطافهم نحوه فصار مثابة ‏لمنتجع اسفارهم وغآية لملقي رحالهم تهوى اليه) (۱).‏
أقول: تفيدنا وتعلمنا الأخبار ان اول من طاف بالبيت هم الملائكة ثم آدم وحواء ‏‏(عليهما السلام) واول من اذن بالحج واقام مراسم الحج بكيفية مرتبة وسنها للناس ‏هو النبي ابراهيم الخليل وابنه النبي اسماعيل (عليهما السلام).‏
قال الله تعالى في سورة‌ الحج آية (۲٦-۲۷)‏: ‏«واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئاً ‌وطهر بيتي للطائفين والقائمين ‏والركع السجود / واذن في الناس بالحج ياتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل ‏فج عميق».‏
أقول: ورد اسم مكة عند عدة‌ من الرحالة القدماء منهم بطليموس الاسكندري بأسم ‏مكورابا.‏
اقول: الذي يظهر من المطالع والمراجع لكتب التاريخ والحديث يجد ان ذكر مكه ‏والبيت ذكر قبل هؤلاء الرحالة بزمن وعصور طويلة جداً وهذا ان دل انما يدل ‏على قدم هذه الأرض المقدسة عبر تاريخ البشرية ولعل هذا السرد والنقل ما يؤكد ‏ويشير الى هذا المكان الى عظمة‌ هذه البقعة وقدسيتها لما لها من علاقة بالانبياء ‏واديانهم السماوية‌ وهذا ما ذكره التاريخ من علاقة هذا البيت بآدم ونوح وابراهيم ‏واسماعيل وموسى وهارون ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).‏
اقول: جاء في كتاب عظماء الاسلام لمحمد كامل حسن المحامي في ص ٥۲ ينقل ‏عن المؤرخ الطبري انه قال: كان معروفاً ان الناس استحلو حرمة الكعبة للدرجة‌ ‏التي جعلت الرجل منهم اذا لم يجد مكاناً يزني فيه يدخل الكعبة ليزني فيها.‏
اقول: هذا الكلام مرفوض ومدفوع جملة وتفصياً ولنا عليه تعليق وهو كمايلي: ان ‏الله تعالى قد حفظ بيته وطهره من كل دنس وان المتعارف في التاريخ ان العرب في ‏الجاهلية كانت تعظم الكعبة وتهدي لها النذور والهدايا والدليل عليه قصة ملك اليمن ‏تبع الذي كسا الكعبة وكانت قريش في الجاهلية تفتخر بالكعبة وبجوارها لانها كانت ‏بيت رب ابراهيم (عليه السلام) واسماعيل فالله قدافع عن شرف قدسية بيته لما اراد ‏ابرهة الحبشي هدمها فمن الامر الضروري ان الله تعالى لا يمكن لفاسق ان يدنس ‏بيته الطاهر بالفاحشة وذلك تعظيماً لشأنها وتكريماً لقد سيتها وايضاً لانها قبلة ‏المسلمين ومطاف الزائرين بل ازيد منزهاً عن الكعبة المشرفة'>الكعبة المشرفة بل جاء في التاريخ ‏ان العرب في الجاهلية كانوا يقسمون بالبيت المعمور لمار اوا عنده وسمعوه عن ‏الكعبة من كراماة ومعاجز بل كان بعض رجال قبائل العرب في الجاهلية اذا جاء ‏مكة والبيت كان يأخذ من التراب الذي حول الكعبة فيصنع منه وثناً، فاذا عاد الى ‏بلده نصبه في بيته فيتمسح به كل يوم).‏
اتفق المأرخون على ان اول من كسا الكعبة هو الملك تبع اليماني، وكان قصي بن ‏كلاب يكسي الكعبة سنة وقريش سنة‌ فلمامات سمي بالعدل.‏
اقول: توجد ادلة وقرائن تفيد ان بناء الكعبة الحالي وطولها ليس على هيئة بناء ‏النبي ابراهيم واسماعيل (عليهما السلام).‏
جاء في كتاب العتبات المقدسة قال: (في ايام جرهم داهم السيل البيت وكان سيلاً ‏جارفاً فهدم البيت فقامت جرهم واعادة‌ البناء على الأسس التي اقامها ابراهيم (عليه ‏السلام) (۲).‏
جاء في اخبار مكة: فأمر ابن الزبير بهدمها فيما اجترأ أحد على ذلك فلما رأى ذلك ‏علاها هو بنفسه فأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمي بحجارتها فلما رأوا أنه لم ‏يصيبه شيء اجتر أوا فصعدوا يهدموها وارقى ابن الزبير فوقها عبيداً من الحبش ‏يهدمونها فلم هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالارض كشف عن اساس ابراهيم ‏فوجدوه داخلاً في الحجر نحوا من ستة اذر وشبر فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا ثم ‏وضع البناء على ذلك الأساس وعمد الي ما كان في الكعبة من حلية فوضعها في ‏خزانة‌ الكعبة وكانت الكعبة يوم هدمها ابن الزبير ثمانية عشر ذراعاً في السماء فلما ‏ان بلغ ابن الزبير بالبناء ثمانية عشر ذراعاً قصرت بحال الزيادة التي زاد من ‏الحجر فيها واستسمج ذلك اذ صارت عريضة لا طول لها فقال: قد كانت قبل قريش ‏تسعة اذرع حتى زادت قريش فيها تسعة اذرع طولاً في السماء فانا ازيد تسعة ‏اذرع اخرى فبناها سبعة وعشرون وعرض جدارها ذراعان جعل فيها ثلاث دعائم ‏وكانت قريش في الجاهلية جعلت فيها ست دعائم وجعل الباب الأخر الذي في ‏ظهرها بازائه على الشاذر وان الذي على الاساس مثله وجعل ميزابها يسكب في ‏الحجر وجعل لها درجة في بطنها في الركن الشامي من خشب(۳).
روي في الكافي عن ابى الله (عليه السلام) قال: (كان طول الكعبة يومئذ تسعة اذرع ‏ولم يكن لها سقف فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعاً فلم تزل ثم كسرها الحجاج على ‏ابن الزبير فبناها وجعلها سبعة وعشرين ذراعاً) (٤).‏
اقول: فلما ضرب الحصين بن نمير وهو قائد جيش يزيد بن معاوية (لعنهم الله) ‏الكعبة بالمنجنيق.‏
قال الأزرقي في كتابه اخبار مكة في ج ۱ ص ۲۰٤: (دعا ابن الزبير وجوه الناس ‏واشرافهم وشاورهم في هدم الكعبة فاشار عليه ناس غير كثير بهدمها وأبى اكثر ‏الناس هدمها وكان اشدهم عليه اباء عبد الله ابن عباس وقال له دعها على ما اقرها ‏عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاني اخشى ان يأتي بعدك من يهدمها فلا تزل ‏تهدم وتبنى فيتهاون الناس في حرمتها ولكن رقعها، فقال ابن الزبير: والله ما ‏يرضى احدكم ان يرقع بيت ابيه وامه فكيف ارقع بيت الله سبحانه وانا انظر اليه ‏ينقض من اعلاه الى اسفله ثم سأل رجالاً من اهل العلم من اهل مكة من اين اخذت ‏قريش حجارتها فأخبروه بمقلعها فنقل له من الحجارة قدر ما يحتاج اليه فلما ‏اجتمعت الحجارة واراد هدمها خرج اهل مكة منها الى منى فقاموابها ثلاثاً فرقاً من ‏ان ينزل عليهم عذاب لهدمها وجعل لها معرجة يصد فيها الى ظهرها فلما فرغ ابن ‏الزبير من بناء الكعبة خلقها من داخلها وخارجها من اعلاها الى اسفلها وكساها ‏القباطي).‏
اقول: حينما فتح رسول الله (صلى‌ الله عليه وآله) مكة واراد تكسير الاصنام من ‏على ظهر الكعبة صعد الامام علي (عليه السلام) على كتفي النبي (صلى ‌الله عليه ‏وآله) وكسر الاصنام من على الكعبة وكانت الاصنام التى في وحول وفوق الكعبة ‏اكثر من اربعة‌ مائة صنم، اذ يظهر من هذه الحادثة ان طول الكعبة كان لا يتجاوز ‏طول الرجلين.‏
اقول: وللكعبة اربعة اركان لكل ركن اسم وهم ركن الحجر الاسود والركن اليماني ‏والركن العراقي والركن الشامي.‏
وكانت الكعبة غير مسقفة الى ان سقفتها قريش في الجاهلية كما ورد في الروآية ‏السابقة في الكافي المروية عن الامام الصادق (عليه السلام).‏
‏(عن الحسن بن نعمان قال سألت ابا عبد الله عمازادوا في المسجد الحرام؟
فقال: ان ‏ابراهيم واسماعيل (عليهما السلام) حدا المسجد الحرام بين الصفا والمروة) (٥).‏
‏(وفي علل الشرايع روى الصدوق عن معاوية بن عمار، سألت ابا عبد الله عن ‏الحطيم فقال: (هو ما بين الحجر الأسود وباب البيت).‏
وسألته لم سمي الحطيم؟
قال: لان الناس يحطم بعضهم بعضاً هنالك (٦).‏
وفي علل الشرايع روى‌ عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (سمي الأبطح لأن ‏آدم امر ان ينبطح في بطحاء جمع فانبطح حتى انفجر الصبح ثم امر ان يصعد ‏الجبل جمع وامر اذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك آدم فأرسل الله تعالى ‏ناراً من السماء فقبضت قربان آدم) (۷).‏
جاء في كتاب الاصطلاحات في الرسائل العملية للعاملي ص ٤٤.‏
‏(والحل ما جاوز الحرم).‏
اقول: اما حدود الحرم الخارجية للداخل مكة هي:‏
‏۱) يحد مكة شمالاً: الجعرانة.‏
‏۲) ويحدها من الشمال ايضاً مع ميل قليل الى الغرب التنعيم.‏
‏۳) وتحدها من الغرب الحديبية.‏
‏٤) ومن الشرق الجعرانة مع ميل الى الشمال.‏
‏٥) ومن الشرق ايضاً مع ميل الى الجنوب اول حدود جبل عرفات.‏
‏٦) ويحدها من الجنوب ايضاءة لبن.‏
اقول: جائت احاديث في فضل ثواب مكة المكرمة روي عن الامام جعفر بن محمد ‏الصادق (عليه السلام).
قال: (النظر الى الكعبة عبادة).‏
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (ان للكعبة لحظة في كل يوم يغفر ‏لمن طاف بها اوحن قلبه اليها او حبسه عنها عذر).‏
وروي عن الامام ابي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (من نظر الى ‏الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر الله ‏له ذنوبه وكفاه هم الدنيا والأخرة) (۸).‏

*******



(۱) الفروع ج ۲ ص ۱۹۸ ونهج البلاغه ج ٤ ص ۷۹٤.‏
(۲) العتبات المقدسة الخليلي ج ۲ ص ۳٦ قسم مكة.‏
(۳) اخبار مكة الازرقي ج ۱ ص ۲۰٥.‏
(٤) الكافي: الكليني ج ٤ ص ۲۰٦ باب الحج.‏
(٥) الفروع الكافي ج ٤ ص ۲۰۹.‏
(٦) علل الشرايع الصدوق ج ۲ ص ۱۰۳.‏
(۷) علل الشرايع ج ۲ ص ۱٥۲.‏
(۸) الكافي: الكليني ج ٤ ص ۲۳۸.‏
(۹) شجرة طوبى المازندراني ص ٦۱٦.‏

*******


المصدر: فجر الاسلام في تاريخ والمشاعر الحرام، المؤلف: الشيخ عبد العزيز صالح المدني

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة