لأنها بيت الله المحرم وقبلة المسلمين ولقد خرج الاسلام من جوارها الى أنحاء الدنيا ومن حولها ولد افضل الكائنات جميعاً النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وولد في جوفيها خليفته الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) وهي حج ومطاف ومزار الملائكة والنبيين والمسلمين وتتمتع ببعد تاريخي تجلا في ان جعلها الله البقعة الطاهرة لبيته المعمور الذي تتوجه اليه القلوب والوجوه كل يوم وساعة لتكون خط نور مقدس وطريق يوصل العبد الى ربه، ليكمل التوحيد ويتم الدين وتتوحد النفوس في صفوف دون تمايز بين المسلمين لافي اعراقهم ولا الوانهم في خطٍ سوا ولباس واحدعند جوار بيت رب العباد ولما لا تكون هكذا وهي المحج الاول لكل بني ومرسل من لدن آدم الى الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولقد أسست بأيدي الانبياء والمرسلين وبنيت بيد النبي ابراهيم الخليل واسماعيل (عليهم السلام اجمعين).
اقول: ذهب البعض من المخبرين والعلماء ومنه صاحب تفسير المنار ان اول من بني البيت هو النبي ابراهيم (عليه السلام).
اقول: يرد على هذا الكلام ايضاح وبيان كمايلي:
اقول: جائت في القرآن آيات تدلل وتشير الى وجود بناء للبيت قبل بناء النبي ابراهيم (عليه السلام) وهي جاءت في سورة الحج آية (۲٦): «واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت».
وكذلك جاء في سورة ابراهيم آية (۳۷): «ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم».
كذلك جاء في سورة البقرة آية (۱۲۷): «واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل».
اقول: وهذه الآيات كلها قرينة وتدل وتكشف على ان البيت كان موجوداً وأسس قبل بناء النبي ابراهيم (عليه السلام) وآثاره كانت موجوده كما اشارت وصورة الأيات سابقاً ولكن النبي ابراهيم (عليه السلام) بنى على تلك الأسس وعلى ذلك الأثر الذي كان موجود والذي عرفه ودله عليه الله سبحانه وتعالى كما جاء في ظاهر الأيات السابقة اذ تفيدنا وبتعبير اصح انه كان موجود ومبني قبل بناء النبي ابراهيم (عليه السلام) وان كان الطوفان قد هدمه كما اسردت الاخبار عن ذلك.
وبتعبير آخر ان النبي ابراهيم شيد وجدد اثره الذي كاد ان يخفى عليه لولا ان اعلمه الله وعرفه موضع البيت القديم فأسس عليه بناء الكعبة مجدداً كما ان العرف يفهم من ظهور سياق الأيات السابقة انه لم يحدث ولم يوجد ولم يؤسس شيء غير موجود الأثر بل هو موجود واشارت وصرحت به الأيات المتقدمة وانما اقام بناءه على البناء القديم كما تفيد الأخبار ايضاً ان اول من بناه هو آدم وفي قول أخر بنته الملائكة قبل آدم (عليه السلام) فلما هاجر ابراهيم وجاء مكة دله وعرفه الله على موضع اثر البيت. توجد ادلة واخبار عن ائمة اهل البيت (عليه السلام) توفيد ان البناء كان موجوداً قبل النبي ابراهيم (عليه السلام) نذكر بعض منها.
فعن الامام علي بن أبى طالب (عليه السلام) قال في احد خطبه: (الا ترون ان الله جل ثنائه اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه الى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذى جعله للناس قياماً ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً واقل نتائف الدنيا مدراً واضيق بطون الأودية قطراً بين جبال خشنة ورمال دمثة وعيون وشلة وقرى منقطعة لا يزكوبها خف ولاحافر ولاظلف ثم امر آدم (س) وولده ان يثنوا اعطافهم نحوه فصار مثابة لمنتجع اسفارهم وغآية لملقي رحالهم تهوى اليه) (۱).
أقول: تفيدنا وتعلمنا الأخبار ان اول من طاف بالبيت هم الملائكة ثم آدم وحواء (عليهما السلام) واول من اذن بالحج واقام مراسم الحج بكيفية مرتبة وسنها للناس هو النبي ابراهيم الخليل وابنه النبي اسماعيل (عليهما السلام).
قال الله تعالى في سورة الحج آية (۲٦-۲۷): «واذ بوأنا لابراهيم مكان البيت ان لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود / واذن في الناس بالحج ياتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق».
أقول: ورد اسم مكة عند عدة من الرحالة القدماء منهم بطليموس الاسكندري بأسم مكورابا.
اقول: الذي يظهر من المطالع والمراجع لكتب التاريخ والحديث يجد ان ذكر مكه والبيت ذكر قبل هؤلاء الرحالة بزمن وعصور طويلة جداً وهذا ان دل انما يدل على قدم هذه الأرض المقدسة عبر تاريخ البشرية ولعل هذا السرد والنقل ما يؤكد ويشير الى هذا المكان الى عظمة هذه البقعة وقدسيتها لما لها من علاقة بالانبياء واديانهم السماوية وهذا ما ذكره التاريخ من علاقة هذا البيت بآدم ونوح وابراهيم واسماعيل وموسى وهارون ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
اقول: جاء في كتاب عظماء الاسلام لمحمد كامل حسن المحامي في ص ٥۲ ينقل عن المؤرخ الطبري انه قال: كان معروفاً ان الناس استحلو حرمة الكعبة للدرجة التي جعلت الرجل منهم اذا لم يجد مكاناً يزني فيه يدخل الكعبة ليزني فيها.
اقول: هذا الكلام مرفوض ومدفوع جملة وتفصياً ولنا عليه تعليق وهو كمايلي: ان الله تعالى قد حفظ بيته وطهره من كل دنس وان المتعارف في التاريخ ان العرب في الجاهلية كانت تعظم الكعبة وتهدي لها النذور والهدايا والدليل عليه قصة ملك اليمن تبع الذي كسا الكعبة وكانت قريش في الجاهلية تفتخر بالكعبة وبجوارها لانها كانت بيت رب ابراهيم (عليه السلام) واسماعيل فالله قدافع عن شرف قدسية بيته لما اراد ابرهة الحبشي هدمها فمن الامر الضروري ان الله تعالى لا يمكن لفاسق ان يدنس بيته الطاهر بالفاحشة وذلك تعظيماً لشأنها وتكريماً لقد سيتها وايضاً لانها قبلة المسلمين ومطاف الزائرين بل ازيد منزهاً عن الكعبة المشرفة'>الكعبة المشرفة بل جاء في التاريخ ان العرب في الجاهلية كانوا يقسمون بالبيت المعمور لمار اوا عنده وسمعوه عن الكعبة من كراماة ومعاجز بل كان بعض رجال قبائل العرب في الجاهلية اذا جاء مكة والبيت كان يأخذ من التراب الذي حول الكعبة فيصنع منه وثناً، فاذا عاد الى بلده نصبه في بيته فيتمسح به كل يوم).
اتفق المأرخون على ان اول من كسا الكعبة هو الملك تبع اليماني، وكان قصي بن كلاب يكسي الكعبة سنة وقريش سنة فلمامات سمي بالعدل.
اقول: توجد ادلة وقرائن تفيد ان بناء الكعبة الحالي وطولها ليس على هيئة بناء النبي ابراهيم واسماعيل (عليهما السلام).
جاء في كتاب العتبات المقدسة قال: (في ايام جرهم داهم السيل البيت وكان سيلاً جارفاً فهدم البيت فقامت جرهم واعادة البناء على الأسس التي اقامها ابراهيم (عليه السلام) (۲).
جاء في اخبار مكة: فأمر ابن الزبير بهدمها فيما اجترأ أحد على ذلك فلما رأى ذلك علاها هو بنفسه فأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمي بحجارتها فلما رأوا أنه لم يصيبه شيء اجتر أوا فصعدوا يهدموها وارقى ابن الزبير فوقها عبيداً من الحبش يهدمونها فلم هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالارض كشف عن اساس ابراهيم فوجدوه داخلاً في الحجر نحوا من ستة اذر وشبر فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا ثم وضع البناء على ذلك الأساس وعمد الي ما كان في الكعبة من حلية فوضعها في خزانة الكعبة وكانت الكعبة يوم هدمها ابن الزبير ثمانية عشر ذراعاً في السماء فلما ان بلغ ابن الزبير بالبناء ثمانية عشر ذراعاً قصرت بحال الزيادة التي زاد من الحجر فيها واستسمج ذلك اذ صارت عريضة لا طول لها فقال: قد كانت قبل قريش تسعة اذرع حتى زادت قريش فيها تسعة اذرع طولاً في السماء فانا ازيد تسعة اذرع اخرى فبناها سبعة وعشرون وعرض جدارها ذراعان جعل فيها ثلاث دعائم وكانت قريش في الجاهلية جعلت فيها ست دعائم وجعل الباب الأخر الذي في ظهرها بازائه على الشاذر وان الذي على الاساس مثله وجعل ميزابها يسكب في الحجر وجعل لها درجة في بطنها في الركن الشامي من خشب(۳).
روي في الكافي عن ابى الله (عليه السلام) قال: (كان طول الكعبة يومئذ تسعة اذرع ولم يكن لها سقف فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعاً فلم تزل ثم كسرها الحجاج على ابن الزبير فبناها وجعلها سبعة وعشرين ذراعاً) (٤).
اقول: فلما ضرب الحصين بن نمير وهو قائد جيش يزيد بن معاوية (لعنهم الله) الكعبة بالمنجنيق.
قال الأزرقي في كتابه اخبار مكة في ج ۱ ص ۲۰٤: (دعا ابن الزبير وجوه الناس واشرافهم وشاورهم في هدم الكعبة فاشار عليه ناس غير كثير بهدمها وأبى اكثر الناس هدمها وكان اشدهم عليه اباء عبد الله ابن عباس وقال له دعها على ما اقرها عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاني اخشى ان يأتي بعدك من يهدمها فلا تزل تهدم وتبنى فيتهاون الناس في حرمتها ولكن رقعها، فقال ابن الزبير: والله ما يرضى احدكم ان يرقع بيت ابيه وامه فكيف ارقع بيت الله سبحانه وانا انظر اليه ينقض من اعلاه الى اسفله ثم سأل رجالاً من اهل العلم من اهل مكة من اين اخذت قريش حجارتها فأخبروه بمقلعها فنقل له من الحجارة قدر ما يحتاج اليه فلما اجتمعت الحجارة واراد هدمها خرج اهل مكة منها الى منى فقاموابها ثلاثاً فرقاً من ان ينزل عليهم عذاب لهدمها وجعل لها معرجة يصد فيها الى ظهرها فلما فرغ ابن الزبير من بناء الكعبة خلقها من داخلها وخارجها من اعلاها الى اسفلها وكساها القباطي).
اقول: حينما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة واراد تكسير الاصنام من على ظهر الكعبة صعد الامام علي (عليه السلام) على كتفي النبي (صلى الله عليه وآله) وكسر الاصنام من على الكعبة وكانت الاصنام التى في وحول وفوق الكعبة اكثر من اربعة مائة صنم، اذ يظهر من هذه الحادثة ان طول الكعبة كان لا يتجاوز طول الرجلين.
اقول: وللكعبة اربعة اركان لكل ركن اسم وهم ركن الحجر الاسود والركن اليماني والركن العراقي والركن الشامي.
وكانت الكعبة غير مسقفة الى ان سقفتها قريش في الجاهلية كما ورد في الروآية السابقة في الكافي المروية عن الامام الصادق (عليه السلام).
(عن الحسن بن نعمان قال سألت ابا عبد الله عمازادوا في المسجد الحرام؟
فقال: ان ابراهيم واسماعيل (عليهما السلام) حدا المسجد الحرام بين الصفا والمروة) (٥).
(وفي علل الشرايع روى الصدوق عن معاوية بن عمار، سألت ابا عبد الله عن الحطيم فقال: (هو ما بين الحجر الأسود وباب البيت).
وسألته لم سمي الحطيم؟
قال: لان الناس يحطم بعضهم بعضاً هنالك (٦).
وفي علل الشرايع روى عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (سمي الأبطح لأن آدم امر ان ينبطح في بطحاء جمع فانبطح حتى انفجر الصبح ثم امر ان يصعد الجبل جمع وامر اذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك آدم فأرسل الله تعالى ناراً من السماء فقبضت قربان آدم) (۷).
جاء في كتاب الاصطلاحات في الرسائل العملية للعاملي ص ٤٤.
(والحل ما جاوز الحرم).
اقول: اما حدود الحرم الخارجية للداخل مكة هي:
۱) يحد مكة شمالاً: الجعرانة.
۲) ويحدها من الشمال ايضاً مع ميل قليل الى الغرب التنعيم.
۳) وتحدها من الغرب الحديبية.
٤) ومن الشرق الجعرانة مع ميل الى الشمال.
٥) ومن الشرق ايضاً مع ميل الى الجنوب اول حدود جبل عرفات.
٦) ويحدها من الجنوب ايضاءة لبن.
اقول: جائت احاديث في فضل ثواب مكة المكرمة روي عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
قال: (النظر الى الكعبة عبادة).
وروي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (ان للكعبة لحظة في كل يوم يغفر لمن طاف بها اوحن قلبه اليها او حبسه عنها عذر).
وروي عن الامام ابي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (من نظر الى الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر الله له ذنوبه وكفاه هم الدنيا والأخرة) (۸).
*******
(۱) الفروع ج ۲ ص ۱۹۸ ونهج البلاغه ج ٤ ص ۷۹٤.
(۲) العتبات المقدسة الخليلي ج ۲ ص ۳٦ قسم مكة.
(۳) اخبار مكة الازرقي ج ۱ ص ۲۰٥.
(٤) الكافي: الكليني ج ٤ ص ۲۰٦ باب الحج.
(٥) الفروع الكافي ج ٤ ص ۲۰۹.
(٦) علل الشرايع الصدوق ج ۲ ص ۱۰۳.
(۷) علل الشرايع ج ۲ ص ۱٥۲.
(۸) الكافي: الكليني ج ٤ ص ۲۳۸.
(۹) شجرة طوبى المازندراني ص ٦۱٦.
*******
المصدر: فجر الاسلام في تاريخ والمشاعر الحرام، المؤلف: الشيخ عبد العزيز صالح المدني