البث المباشر

الأمثال في نهج البلاغة – القسم ۲

الأربعاء 25 سبتمبر 2019 - 13:16 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- على خطى النهج: الحلقة 28

إخوتنا المستمعين الأكارم في كلّ مكان !
يسرّنا أن نعاود اللقاء بكم عبر جولة أخري بين رحاب نهج البلاغة من خلال برنامجكم علي خطي النهج حيث سنواصل في هذه الحلقة استعراض حديثنا الذي بدأناه في الحلقة الماضية بشأن توظيف الإمام علي عليه السلام للأمثال بأنواعها في كلامه ، ندعوكم للمتابعـــة ....
مستمعينا الأفاضل !
حَنَّ قِدْحٌ لَيْس مِنْها . هو واحد من الأمثال السائرة الأخري التي تمثّل بها أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، حيث ذكره في في جواب كتاب معاوية في قوله (ع) "... وما لِلطُّلَقَاءِ وأَبْناءِ الطُّلَقاءِ! وَالتَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وتَرْتِيبَ دَرَجاتِهِمْ، وتَعْرِيفَ طَبَقاتِهِمْ؟! هَيْهاتَ! لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْها، وطَفِقَ يَحْكُمُ فِيها مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَها.
و(حنّ) من الحنين، وهو نوع من الصوت. وقِدْح: أصله من القداح، من عود واحد يجعل فيها قِدحٌ من غير ذلك الخشب فيصوّت ، فذلك الصوت هو حنينه. وهو مَثَل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم ، أو لمن يفتخر بقوم ليس منهم، أو يمتدح بما لا يوجد فيه.
والقِدْح السهمُ من أقداح الميسر، وعند إجالتها يخالف صوتُ القِدح الذي ليس من مادّة بقية القداح صوتَها، فيعرف أنّه ليس من جملتها.
ومن كلام الإمام (عليه السّلام) الجاري مجرى الأمثال: "الدَّهْرُ يَوْمَانِ: يَوْمٌ لَكَ، ويَوْمٌ عَلَيْكَ. فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلاَ تَبْطَرْ، وإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ.
وقديماً قيل هذا المعنى: الدّهر يومان: يوم بلاء ويوم رخاء ، و الدّهر: ضربان: حبرة وعبرة ، و الدّهر وقتان: وقت سرور ووقت ثبور. ويُحمَل ذمُّ البطر هاهنا على محملين: أحدهما البطر بمعنى الأشر وشدّة المرح. بَطِر الرجل يبطر وقد أبطره المال، وقالوا: بطر فلان معيشتَه، كما قالوا: رشد فلان أمرَه. والثاني البطر بمعنى الحيرة والدّهش، أي إذا كان الوقت لك فلا تقطعنّ زمانك بالحيرة والدّهش عن شكر الله، ومكافأة النعمة بالطّاعة والعبادة، والمحمل الأوّل أوضح .
والدّهر هو ما سوى الله جلّ جلاله برمّته، الممتدّ من البداية ‌إلى النهاية. وربّما يتخيّل أنّه المنتزع من الحدّين، وواقع المنتزع هو المجزوم، ولامتداده ظُنّ قِدَمُه حتّى زعم الدّهريّون أنّه منشأ الحياة والهلاك كما حكى عنهم الله (جلّ جلاله): "وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ.
ويريد (عليه السّلام) أنّ للدّنيا إقبالاً وإدباراً، فإن أقبلت عليك فلا تغترّ بها فتنسى كلّ شيء، وإن أدبرت فاصبر. وقد جاء في الحديث القدسي: " يا موسى، إن أقبلت الدّنيا فعقوبة عُجِّلت، وإن أدبرت فقل مرحباً بشعار الصّالحين .
المحاور: احبتنا المستمعين حياكم الله فضلاً عن الامثال النثرية التي تمثل بها امير المؤمنين سلام الله عليه في نهجه فإن هناك بعض الأبيات الشعرية التي غدت مضرباً للمثل واستشهد بها الامام عليه السلام في كلامه، بعض من هذه الأشعار ذكرها لنا خبير البرنامج على الهاتف فضيلة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق في الحديث التالي، نستمع
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم في الحقيقة زخرت في الخطب التي قالها امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في نهج البلاغة والتي جمعت في هذا الكتاب القيم طبعت بالكثير من الأمور التي تبني روحية الانسان ومن ضمنها أنه تمثل بمجموعة من الأبيات التي فيها حكمة وفيها موعظة وفيها خلق ونبل وفيها تربية عملية لهذا الانسان. طبعاً ويقيناً المعصومون عليهم السلام يعلمون بما تؤول اليه الأمور في الكثير من مفاصل الحياة في تقادم أزمانها فهو يشير فيما اذا استعرضنا بيتاً واحداً من الشعر فهو يشير الى حقيقة هذا الانسان والى التمايز والتفاضل ما بينه بإعتبار أن الله سبحانه وتعالى خلقنا على حد سواء ولا يميز بين اصنافنا كبشر من أننا واحد وأننا متساوون لذلك يقول:
الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
بالتالي يوضح لنا هذه الحقيقة أنه أيها الناس أنتم من أب واحد وأم واحدة فلا تختلفوا لأنا نرى اليوم المجتمعات البشرية بالتمايز بين الاسود والابيض والتمايز في النوعيات والفصائل واقسام واصناف البشر وهذا واحد من الأمور التي ذكرها امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ولعله في نص خطبة اخرى، "الناس صنفان أما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق" هذا بالتالي في أصل الخلقة، أصل الفطرة، أصل التوجه الذي اراده الله سبحانه وتعالى للبشرية إنما اراد أن يكون واحداً في مختلف توجهاتهم او اشكالهم او اصنافهم او الوانهم هذا واحد. فيما اذا اردنا أن نضرب مثالاً آخر يتحدث به امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يتحدث فيه عن قيمة وأفضلية مكانة وشرفية العلم فيقول " ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن إستهدى أدلاء" بالتالي يشير الى فضل العلم ومكانة العلم وقيمة العلم واهمية العلم في حياة الانسان ودوره الاجتماعي ودوره التربوي والتوعوي. اذن مسئلة إمتثال الامام علي بن أبي طالب سلام الله عليه بجملة من الأبيات لا لأجل الشعر بذاته وإنما لإيصال فكرة فيما اذا فهمنا أنه آنذاك اشياء مكتوبة او لم تكن هناك اقلام وإنما كانوا يتشافهون ويتحدثون فيما بينهم بالتالي أراد من قوله الشعر وامتثاله بالأبيات الشعرية أراد أن ينقل مجموعة من العظات والعبر والحكم من خلال هذه الأبيات.
مستمعينا الأكارم !
ومن تمثيلات الإمام (عليه السّلام) قولُه : "صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الأسَدِ يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ وهُوأَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ.
وقد جاء في صحبة السلطان أمثال حكميّة مستحسنة تناسب هذا المعنى أو تجري مجراه، نحو قولهم: "صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس وهو لمركوبه أهيبُ . وجاء التحذير البالغ في أحاديث الأئمة (عليهم السّلام) من الدخول إلى دواوين الظلمة والسلاطين وإعانتهم ولو بقطّ قلم. ففي الحديث النبويّ: "إذا كان يوم القيامة‌ نادى منادٍ: أين أعوان الظلمة ومن لاق لهم دواتاً أو ربط كيساً أو مّدّ لهم قلماً فاحشروهم معهم ؛ إذ لا يُؤمَن معهم من المعاصي وقتل النفس المحترمة واغتصاب أموال الناس، بل وترك جميع ما أوجبه الله (عزّ وجلّ) وركوب ما نهاه. ولا فرق بين العامل بالظلم والمعين والراضي به كما في الحديث .
ثمّ إن الإمام (عليه السّلام) أراد من التمثيل براكب الأسد خطورةَ الأمر، حيث لا يأمن راكبه من الهلاك؛ ولعلّه يعمّ كلّ متسلّط لم يقيّده الإيمان ومقتدر وإن لم يكن بسلطان.
  ومن الأقوال السائرة التي وردت في الشعر وتمثّل بها الإمام عليه السلام في النهج ، قولُهم : " عِنْدَ الصَّباحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرى . حيث ورد هذا القول في خطبة آخرها: "واللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا. ولَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلا تَنْبِذُهَا عَنْكَ؟! فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى.
أي إذا أصبح الذين قاسوا كدَّ السّرى وقد خلّفوا تبجّحوا بذلك وحمدوا ما فعلوا، يضرب في الحّث على مزاولة الأمر بالصبر وتوطين النفس حتّى تُحمَد عاقبته .
وأمّا تمثّل الإمام (عليه السّلام) به عند ترقيع مدرعته التي تعدل جببَ السلاطين وألبستهم المزيّفة، بل لا قياس بينها وجميع ما في الدنيا، فلهوان المادّة وصغرها في عينه ولاقتداء الفقراء به قال ذلك، قيل له لِمَ ترقّع قميصك؟! قال (عليه السّلام): "ليخشع القلب ويقتدي به المؤمنون .
إخوتنا ، أخواتنا المستمعين والمستمعات !
المحاورة: ختام حلقتنا لهذا الاسبوع من برنامجكم على خطى النهج إجابة تفضل بها خبير البرنامج سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق رداً على سؤال توجهنا به اليه حول تمثل الامام عليه السلام بقول الشاعر:
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا ياسعد تورد الابل
حيث طلبنا منه أن يذكر لنا قصة هذا المثل وسبب تمثل الامام به فأجاب سماحته قائلاً:
العقيلي: الابيات التي تفضل بها امير المؤمنين وتمثل بها لاتخلو من الحكمة ولاتخلو من الموعظة ولاتخلو من الفائدة واصبحت بعضها مضرباً للأمثال مثلاً "ما هكذا ياسعد تورد الابل" يعني القصة شهيرة وفائدتها ورمزيتها هي أنه لاينطلق الانسان الى شيء ذو فائدة بمقدمات غير صحيحة بمعنى لايمكن أن أنتقل الى أمر ضار لأجل أن أتي بأمر نافع، اضرب مثالاً من حياتنا الاجتماعية بأنه لايمكن للأنسان أن يسرق مالاً ويتصدق به حتى يحصل على الاجر والثواب لأنه إنما يتقبل الله سبحانه وتعالى من المتقين، من الصلحاء ومن الآية الكريمة واضح جداً وبالتالي إمتثال الامام علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه وتمثله بهذين البيتين في قصته مع سعد واضحة جداً وإنما فائدتها ورمزيتها وهدفها إنما يأتي من مقدمة صحيحة، نفترض أن الانسان ونحن في الايام الأولى إستقبالنا لشهر الله الأعظم شهر رمضان المبارك بإعتبار أن بعض الناس او القليل من الناس يعتقد أن في افضل الشهور عند الله سبحانه وتعالى هو يمكن أن يصوم ويصلي فيه العبد المؤمن ويترك بقية الشهور فنقول لا إنما يتقبل الله من المتقين، أن يكون الانسان ملتزماً، أن يكون طائعاً، أن يكون صائماً، أن يكون الانسان طيباً ، أن يكون الانسان مخلصاً في عمله لله سبحانه وتعالى في مختلف الشهور ومن بينها طبعاً شهر رمضان المبارك فبالتالي لايمتثل للصوم والصلاة وباقي العبادات في هذ الشهر ويتركها في باقي الشهور. هذا المعنى العام الذي اراده امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أنه أيها الناس إنما يتقبل الله سبحانه وتعالى من المتقين والخطوات التي تؤدي الى التقوى إنما يجب أن تكون خطوات صحيحة نحو الطريق السليم والطريق الذي اراده الله سبحانه وتعالى.
المحاور: شكراً جزيلاً للشيخ هادي العقيلي الاحث الاسلامي من جمهورية العراق. شكراً لطيب متابعتكم أنتم على موعد معنا في الحلقة المقبلة من برنامج على خطى النهج حيث سنتطرق بإذن الله الى فن آخر من الفنون البيانية التي وظفها الامام علي عليه السلام في نهجه. شكراً لطيب المتابعة وفي امان الله.
مستمعينا الأعزّة !
أنتم علي موعد معنا في الحلقة المقبلة من برنامج علي خطي النهج حيث سنتطرّق إلي فنّ آخر من الفنون البيانية التي وظّفها الإمام علي سلام الله عليه في نهجه ، حتي ذلك الحين نستودعكم العلي القدير ، وإلي الملتقي .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة