لا زلنا نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة التي يتسلح بها قارئ الدعاء في تعميق وعيه العبادي ومن جملة ذلك دعاء الغيبة غيبة الامام المهدي(ع) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان ينصر الامام المهدي(ع) في معركته الاصلاحية للعالم وذلك بان يجهز على الاعداء ويعذبهم في الدنيا والاخرة ثم يقول عنهم (فانهم اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات واضلوا عبادك واخربوا بلادك) هذا المقطع من الدعاء يتحدث عن الانحرافات التي تطيع سلوك الاعداء حيث عرض لاربعة انماط من الافساد والانحرافات وهي اضاعة الصلاة واتباع الشهوات واضلال العباد وتخريب البلاد.
هنا يتعين علينا ان نحدثك عن كل واحدة من المفردات المتقدمة ونقف اولاً مع مفردة اضافة الصلاة فماذا نستخلص منها؟
يقول الدعاء عن المنحرفين والمفسدين بانهم اضاعوا الصلاة والسؤال هو ما المقصود من الاضاعة؟
طبيعياً تتفاوت الاجابة عن السؤال المتقدم فاضاعة الصلاة قد تشمل عدم اقامتها اصلاً او تعني عدم اكسابها ما تستحقه من الاهتمام او تعني عدم اقامتها في اوقاتها او تعني انحرافها عما رسمه رسول الله(ص) من الصلاة المشفوعة باركان خاصة.
طبيعياً ايضاً ان كل واحدة من الاجابات المتقدمة لا يستبعدها قارئ الدعاء ما دمنا نعرف تماماً ان مجتمعاتنا معرضة للغزو الفكري العلماني مثلاً او ان في داخل الاتجاه الاسلامي من حرف مبادئ الصلاة وابتعد بها عن مبادئها التي رسمها النبي(ص) وأهل البيت عليهم السلام بيد ان ما نستهدف الاشارة اليه هو ان اضاعة الصلاة تظل هي المفتاح لابواب الفساد الاخرى ما دامت النصوص الشرعية طالما تشير الى انها لو قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها أي ان القبول والرد مترتب على اقامتها بالشكل المطلوب او العكس.
واذا كانت الصلاة قد اضاعها المنحرفون فان الابواب الاخرى من الانحراف كما اشرنا تبدأ منعكسة على الساحة وهذا ما اشار الدعاء اليه في بعض من مفردات الانحراف التي يستهدف هنا الاشارة اليها وفي مقدمتها الانحراف العام حيث عبر عنه بعبارة(واتبعوا الشهوات) وحينئذ نتساءل جديداً ما المقصود من الشهوات؟ ان مصطلح "الشهوة" في النصوص الاسلامية يقف مقابلاً لمصطلح "العقل" وان كلاً منهما يعني مصطلحاً شرعياً يرمز الى دلالة خاصة هي قطبا السلوك الخير والشرير او لنقل الاستواء والانحراف او ...الخ، لذلك فان الدعاء حينما يقول عن اعداء الله تعالى بانهم اتبعوا الشهوات فمعناه انهم مارسوا السلوك الشرير او المعصية او المرض النفسي دون ان يخضع لمبادئ او قوانين شرعية وحتى انسانية عامة انها الذاتية او العدوان بصفتهما السلوك الشرير العام الذي تخضع له البشرية المنحرفة عن مبادئ الله تعالى حيث ان الذاتية او البحث عن الاشباع للمصالح الذاتية اذا لم يتحقق بنحوه الذي يطمح اليه الشخص يضطره حينئذ الى العدوان على الاخرين لتحقيق الاشباع وهذا ما يفسر لنا شيوع الانحراف الذي اشار الدعاء اليه.
والان مع ملاحظة ان الدعاء عرض لنا عنواناً عاماً هو اتباع الشهوات ركز بعدها على مستويين من السلوك الاجتماعي وليس الفردي وهما اضلال العباد وتخريب البلاد... وهاتان المفردتان من السلوك الاجتماعي تحتاجان الى القاء الاضاءة عليهما وهو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
اما الان فحسبنا ان نذكر انفسنا بضرورة ان نستثمر تلاوتنا لهذا الدعاء وذلك بان نعنى باقامة الصلاة وفق شروطها التي رسمها الاسلام حتى لا تضيع وان نتبع مبادئ الاسلام بعامة وفق ما رسمها الله تعالى ورسوله والائمة عليهم السلام ونبتعد عن اتباع شهواتنا ومن ثم ندرب ذواتنا على ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******