نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة وهو دعاء وردت التوصية بقراءته بعد فريضة عصر الجمعة ومطلق الزمن ... وقد حدثناكم في لقاءات سابقة عن مقاطع متسلسلة منه، ووصلنا الى مقطع يتحدث عن امام العصر من حيث معركته الاصلاحية للمجتمعات ومحاربته للانحراف، حيث يتوسل الدعاء بالله تعالى بان ينصر الامام(ع) وكذلك انصاره وان يخذل خاذليه، ثم يتابع ذلك بقوله: (واظهر به الحق، وامت به الجور، واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذل، وانعش به البلاد...)... هذا المقطع من الدعاء امتداد لسابقه وهو مقطع مطول، يحوم على ثلاثة محاور هي: التوسل بالله تعالى لازالة الانحراف، ونصرة المؤمنين وانعاش المجتمعات ... وسنتحدث عن هذه المحاور بحسب تسلسلها، ونبدأ ذلك بالحديث اولاً عن فقرة "واظهر به الحق" ... لا نتصور ان احداً منا يجهل العبارة المتوسلة بالله تعالى بان يظهر الحق على يد امام العصر(ع)، بصفة ان الحق مصطلح يتناول كل ما هو صادر عن الله تعالى من المبادئ التي امرنا بان نلتزم بها، حيث ان الغالبية من المجتمعات والافراد قد انحرفوا عنها، واخذ الباطل باختراقهم، وهو امر يشير الدعاء اليه من خلال اشارته الى انتشار الجور، والمهم ان التوسل بالله تعالى بان يظهر على يد الامام(ع)الحق يفصح عن الحقيقة المتقدمة، حيث توسل من جانب بان يظهر الله الحق على يد الامام(ع) ومن جانب آخر ان يميت به الجور حيث قال "وأمت به الجور".
وبما ان فقرة الدعاء المذكورة أي عبارة "وامت به الجور" قد تضمنت صياغة استعارية لذلك يحسن بنا ان نتبين النكتة البلاغية في الفقرة المذكورة.
لابد انك لاحظت بان الدعاء يتوسل بالله تعالى اظهاراً للحق، وامامتةً للجور ولكن اذا كان الدعاء يتوسل بالله تعالى بان يظهر الحق فان قارئ الدعاء قد يتوقع من الدعاء ان يقول مقابل اظهار الحق اخفاء الجور، ولكنه قال باماتة الجور وليس باخفائه، فما هو سر ذلك؟
في تصورنا بان الجور اذا قدر له بان يختفي فان احتمال ظهوره بعد خفائه امر قابل للتحقيق، وهذا بعكس ما اذا قلنا: "امت به الجور" حيث ان الميت من الباطل لا امل بعودته حياًً، وهذا ما يفسر لنا انتخاب الدعاء استعارة الموت بالنسبة الى الجور مقابل الاظهار لما هو حق.
بعد ذلك نواجه عبارة ثالثة: (واستنقذ به عبادك المؤمنين من الذل)... وهذه العبارة في الواقع لها دلالتها وعمقها وطرافها وحرارتها لانها تتحدث عن "المؤمنين" حيث قال الدعاء: (واستنقذ به عبادك المؤمنين) ولانها تتحدث عن "الذل" حيث اشارت بوضوح الى هذه الظاهرة والسؤال هو: ماذا نستخلص من النكات الكامنة وراء الفقرة المتقدمة؟
من الواضح ان النصوص الشرعية طالما تشير الى ان المؤمن قد فوض اليه الله تعالى كل شيء الا اذلال نفسه، أي لايدفع نفسه الى الذل ... بينما نرى هنا بان الدعاء يتوسل بالله تعالى ان ينقذنا من "الذل" فهل هذا يعني ان المؤمنين قد عرضّوا انفسهم الى "الذل"؟ ... كلا ... اذن: ما المقصود من الفقرة المذكورة؟
لا نطيل التأمل حتى ندرك سريعاً بان انحراف المجتمعات يلحق اذاه بالمؤمنين، وقد يتطلب الاختبار الالهي ذلك، أي: اختبار المؤمنين بشدائد الحياة، حيث وردت التوصيات بالصبر على ذلك، وهو امر يختلف بطبيعة الحال عن اذلال المؤمنين انفسهم من خلال الاشباع لحاجات شخصية، وهو على العكس من الذل الناتج من اذى المنحرفين للشخصيات المؤمنة بسبب ايمانهم ... لذلك فان التوسل بالله تعالى ينقذ المؤمنين من الذل انما يعني اماتةَ اهلِ الباطل، بحيث يترتب عليه انقاذ المؤمنين من اذلال المنحرفين لهم.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من العبارة المتوسلة بالله تعالى بانقاذ المؤمنين من الذل والمهم هو ان ندعوا الله تعالى بتعجيل ظهورالامام(ع) وان نلتزم بالطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******