لا نزال نحدثكم عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة فائقة ودلالة غنية ونكات متنوعة ومن ذلك دعاء الغيبة وهو احد ادعية يوم الجمعة، ويتلى عصراً، ويتميز بخصوصية يكشف استهلال الدعاء منها حينما يقول: (اللهم عرفني نفسك، فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) ... وهكذا يربط الدعاء بين معرفة الله تعالى وامتداد ذلك عبر رسوله ثم حجة العصر، حيث ان عدم توفيق الشخص لمعرفة حجة زمانه (الامام(ع)) يموت ميتة جاهلية ...المهم لقد حدثناكم عن هذا الاستهلال وتسلسلنا في الحديث عن مقاطع الدعاء، وانتهينا الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان يقوينا على طاعة الامام ويثبتنا على ذلك ويجعلنا من حزبه وانصاره واعوانه والراضين بفعاله، بصفة ان اللحوق بموكب الامام(ع) لابد وان يقترن برضانا عن كل ممارساته المتصلة برسالته الاصلاحية، أي من الممكن ان تكون الشخصية ملتحقة بالامام(ع) ونصرته ولكنها لا تستسلم تماماً لافعاله، وهذا ما نبهنا الدعاء اليه كما لاحظنا...
المهم ايضاً ان مقطع الدعاء الذي حدثناكم عنه توسل بالله تعالى بان لا يسلبنا هذه الهداية لا في حياتنا ولا في مماتنا، أي سواءاً كنا ممن ادرك الظهور او عند الموت، ولذلك عندما يصل الدعاء الى هذه النقطة أي: عدم سلبه تعالى ايانا من التوفيق المذكور ثم يقول: (حتى تتوفانا ونحن على ذلك، لا شاكين ولا ناكثين، ولا مرتابين، ولا مكذبين)...
وهذه الفقرات الاخيرة أي الا يجعلنا الله تعالى شاكين او ناكثين او مرتابين او مكذبين تحتاج الى اضاءات خاصة وهو ما نبدأ بتوضيح ذلك ...
لدينا اربعة مواقف ذكرها مقطع الدعاء وهي: الشك، النكث، الريب، التكذيب، أي لدينا تحذيرات من هذه المواقف، وهي مواقف من الممكن ان يصدر عنها الشخص ولذلك توسل الدعاء بالله تعالى بالا يجعلنا ممن يصدر عن الشك، والنكث، والريب، والتكذيب.
والآن مع اقرارنا بان هذه المواقف واضحة الدلالة ولكنها تحتاج الى انارة فقد يخيل الى قارئ الدعاء بان البعض منها منطوٍ على معنى واحد مثل "الشك" و"الريب"، ولكن الواقع ليس كذلك، بل لكل دلالته المشتركة والمستقلة ايضاً، وهذا ما نبدأ بتوضيحه اولاً ...
ان البشر العادي من كتاب او غيرهم طالما يستخدمون كلمة الشك والريب بمعنى واحد، ولكن ـ كما كررنا ـ بما ان الشرع لا يتحدث الا وفق العبارة البلاغية حينئذ لا يستخدم كلمتين بمعنى واحد لان ذلك يعتبر من العبث الذي يتنزه المعصوم(ع) عنه.
والحق: ان "الشك" وهذا ما ينبغي عليك ان تنتبه عليه عبر قراءتك لهذا الدعاء وسواه هو (تردد الذهن بين شيئين) كما يقول علماء اللغة ولكن "الريب" يزيد على ذلك بكونه مصحوباً بالتهمة، كشك الكفار مثلاً بالقرآن من جانب واتهام النبي(ص) بانه قد اختلقه من جانب آخر.
واذا نقلنا الحقيقة المتقدمة الى ما نحن بصدده ونعني توسلنا بالله تعالى بالا يجعلنا من الشاكين والمرتابين والناكثين، والمكذبين، حينئذ يمكننا ان نقرر بان امكانية ان يصدر البشر عن هذه المواقف تعني اما ان يشكو في شخصية الامام المهدي(ع) ويضاف الى ذلك اتهامه مثلاً بتقمصه شخصية الامام(ع) او يقتنعون به ولكنهم ينكثون العهد عندما يواجهون الواقع ويحرجون بدعوتهم الى المشاركة العسكرية، او اساساً يكذبون بالامام(ع) وبذلك يخسرون دون ادنى شك.
اذن امكننا ان نتبين معنى كل من عبارة "الشاكين" و"الناكثين" و"المرتابين" و"المكذبين" ...
والأهم من ذلك ان نرفع ايدينا بالدعاء الى الله تعالى بالا يجعلنا من هؤلاء بل يوفقنا الى الايمان به، واطاعته، والمشاركة في حركته الاصلاحية والاستشهاد بين يديه ومن ثم التوفيق بعامة الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******