نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة (غيبة امام العصر(ع)) حيث حدثناك عن جملة مقاطع منها، ومن ذلك المقاطع التي تتحدث عن شخصية الامام المهدي(ع) حيث وصفه الدعاء بانه(ع) (الهادي المهدي المهتدي الطاهر، التقي، النقي ...)، ثم ختم احد المقاطع بسمة "المجتهد" حيث قال: (الصابر الشكور المجتهد)...
وقد حدثناك عن السمات المذكورة عدا السمة الاخيرة ونقصد بها "المجتهد" فماذا تعني هذه السمة؟
الاجتهاد في الشيء هو بذل ما وسعه الانسان من جهة لاداء مهمة ما، وهو عادة يقترن بالتعب لانه مأخوذ من الجهد، والمهم، ان هذه الكلمة لها سياقات متنوعة يختلف استخدامها في السابق مثلاً عن الحاضر فالمجتهد في اللغة الحوزوية المعاصرة هو الشخصية الفقهية القادرة على استخلاص الحكم الشرعي ... اما المجتهد في اللغة بعامة، وفي العرف الاجتماعي فانه الشخصية التي تبذل اوسع ما تطيقه من الجهد كما قلنا وحينها ننقل كلمة "المجتهد" الى السياق الذي نحن بصدده وهو السمات الشخصية للامام المهدي(ع) نجد ان المقصود من ذلك هو ان الامام يبذل جهوده جميعاً من اجل ممارسة وظيفته العبادية على المستوى الفردي والاجتماعي اما المستوى الفردي فواضح واما المستوى الاجتماعي فهو اضطلاعه(ع) بالامامة وتقلده المهمة الاصلاحية التي تنتظر لتغيير خارطة العالم، بالاضافة الى امامته الغائبة ظاهراً والحاضرة جوهراً حيث ان الاضطلاع بالمهمة على شتى مستوياتها غيابياً وحضوراً واستقبالاً تقترن بلا شك بجهد كبير وهو جهة تفسر لنا نعته(ع) بالمجتهد كما هو واضح...
نتجه بعد ذلك الى مقطع جديد من الدعاء وهو: (اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الامد في غيبته وانقطاع خبره عنا ...) ...
هذه الفقرات من المقطع الجديد تتحدث عن اليقين، وهو ما يتصل بنا نحن القراء للدعاء حيث يطالبنا النص بالا نفقد يقيننا والسؤال هو: ما هو السياق الذي يرد فيه الحديث عن اليقين؟
واضح، ان ظاهرة اليقين ترتبط بالامام المهدي(ع) من حيث كونه اماماً مفترض الطاعة ومن حيث كونه اماماً ننتظر ظهوره، لكن بما ان عملية الظهور تقترن بما هو مجهول عندنا حينئذ فان المجهولية من الممكن ان تحمل ضعاف الايمان على التشكيك بحقيقة وهذا ما يحذرنا الدعاء منه عندما يربط ذلك بطول الزمان، حيث يقول (ولا تسلبنا اليقين لطول الامد) اذن طول الامد يقف وراء امكانية ذهاب اليقين "لا سمح الله بذلك" ... لكن يجب ان نستعيد تحذير الدعاء الذي نحن بصدده بالنسبة الى طول الامد او قصره، او توقيت الظهور بنحو عام والتساؤل عن ذلك بقوله: (ولا اقول لمَ وكيف وما بال ولي الامر لا يظهر وقد امتلأت الارض من الجور ...).
نقول ان مثل هذا التحذير ينبغي ان يضعه قارئ الدعاء في الاعتبار بحيث يحتفظ بيقينه حيال الامام(ع) وظهوره، وحقيقته...الخ، لكن بما ان الانسان بنحو عام تنتابه لحظات الضعف بالاضافة الى محدودية يقينه لذلك نجد ان فقرات الدعاء التي قرأناها الان وهي "ولا تسلبنا اليقين لطول الامد" ... تحوم على الدلالة المتقدمة الا وهي محدودية اليقين لدى الاشخاص بعامة، وامكانية الجزع من الانتظار مثلاً ...الخ، من هنا فان المطلوب هو ثبات الشخصية والحرص على تثبيت يقينها بظهور الامام(ع) مهما طال الامد وهذا ما يكفل به مقطع الدعاء بالنحو الذي لاحظناه.
اخيراً: يتعين علينا ان نثبت على توصيات المعصومين (عليهم السلام) وان نسأله تعالى بان يوفقنا لمهمة الانتظار كما هو مطلوب فضلاً عن التدريب لذواتنا على ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******