لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الذي يقرأ في غيبة أمام العصر(عج) حيث حدثناك عن البداية التي تضمنت هذه العبارة (اللهم عرفني نفسك).. ثم عبارة (فأنك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك) ...هاتان العبارتان حدثناك عنهما في لقاءات سابقة، اما الان فنحدثك عن العبارة الثالثة وهي (اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك)... من الواضح ان بداية الدعاء تتوسل بالله تعالى ان يعرفنا نفسه، وقلنا ان الله تعالى عرف نفسه من خلال قناتين احداهما الفطرة التوحيدية الهام الفجور والتقوى، تحبب الايمان وتزيينه في القلوب، وكره المعصية والفسوق، واما القناة الاخرى فهي الرسل الذين اضطلعوا بتوصيل مبادئ الله تعالى ومنها التعرف على صفات الله تعالى وعظمته …، بعد ذلك توسل الدعاء ان يعرفنا الله تعالى رسوله، وقد عرفنا فعلاً من خلال القرآن والحديث اللذين القيا اضاءات على شخصية الرسول(ص)، ولكن ليس المعرفة التامة، لان ذلك يختص بالله تعالى ورسوله وخليفة رسوله ...، بل المعرفة المتمثلة في توصيل المبادئ التي رسمها الله تعالى هنا نذهب الى ساحة جديدة هي: التوسل الآتي "فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك" ... والسؤال المهم هو: البحث عن علاقة الرسول(ص)بالحجة حجة الله تعالى. الدعاء يقول: ان لم يعرفنا الله تعالى رسوله لم نعرف حجته، هذا يعني ان للرسول(ص) مهمة هي ان يعرفنا حجة الله تعالى والسؤال من جديد: اليس الرسول(ص) تفسر حجة الله تعالى بصفته الرسول الذي بلغ الى الآخرين ما انزل عليه؟ صحيح ان الرسول(ص) هو الحجة على الخلق في نبوته(ص)، لكن الرسول رسم لنا خلفاءه الذين يخلفونه ويكونون حجة على الخلق ... واننا جميعاً نسمع مقولة تردد على الالسنة دائماً (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية)... وها نحن الآن في زمن الغيبة، وامام العصر(عج) حيٌّ وهو ينتظر الامر للقيام بمهمته الاصلاحية في العالم ... لكن المهم الان هو معرفته(ع) من طرف المخلوقين ترى هل ان البشر على سبيل المثال عارفون جميعاً امام زمانهم؟ النكتة المهمة هنا هي ان المعرفة الحقة بالحجة(ع)ليست متحققة عند من انحرف عن خط الله تعالى ورسوله واولي الامر ...
الم يأمرنا الله تعالى باطاعته واطاعة رسوله، واطاعة اولي الامر بصريح الآية القرآنية الكريمة؟ ان الامر لكذلك لكن هل اطاع المنحرف عن خط اولي الامر اطاع الله ورسوله واولي الامر؟ لا الامر ليس كذلك ... اذن ما هو المطلوب او اذن ماذا يترتب على الانحراف عن خط اولي الامر او الانحراف عن معرفة الحجة(ع)؟
العبارة التالية للكلام السابق توضح ذلك وتقول (فانك ان لم تعرفني حجتك ظللت عن ديني) هنا يقف قارئ الدعاء مذهولاً لسبب واضح هو ان الدعاء المذكور يقرر بان الشخصية التي لم تعرف حجة الله تعالى تضل عن دينها أي لا دين لها وهل هناك خسارة اشد من الخسارة المتقدمة.
ان من يضل عن دينه معناه لا دين له وهذا ما يتنافى تماماً وما قرره الله تعالى عند خلقه للمخلوقات من ان الهدف هو عبادة الله تعالى (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)، معنى هذا ـ كما قلنا ـ ان الضال عن دينه، هو المنحرف عن الله تعالى وما رسمه، ومن ثم خسارة الشخصية لموقعها الاخروي وهذا مما يؤسف له بطبيعة الحال.
والان اذا عرفنا ان خطوات المعرفة المطلوبة من الانسان هي معرفة الله تعالى ورسوله، وحجته فان عدم الفصل بين سلسلة هذه الرتب أي عدم الفصل بين الله تعالى ورسوله وعدم الفصل بين رسول الله والحجة وعدم الفصل بين الله تعالى والحجة بل كل منهم يجسد معرفة متظافرة متواشجة لا تنفصل خيوطها من النسيج العام المأمورين بطاعتهم وهم الله تعالى الرسول، او اولي الامر ... او الحجج.
بعد ذلك يتجه الدعاء الى فقرة مهمة جداً هي التوسل بالله تعالى بالا يميت الله تعالى قارئ الدعاء ميتة جاهلية مما يعني ان ثمة جملة نكات وراء التعبير المذكور وهي ان الميت ميتة جاهلية هو الذي لا يعرف امام زمانه او الحجة في زمانه، وهذا نمط من التعبير البلاغي الجميل الذي يختصر مسافة التعبير لكي يوجز ويختصر ويعبر عن المعاني الرقيقة والشاملة بعبارة مضغوطة كل المعاني جميعاً ونعني بها عبارة (اللهم لا تمتني ميتة جاهلية)... هذه العبارة نحدثك عنها لاحقاً ان شاء الله تعالى ولكننا الآن نذكر انفسنا بضرورة ان نتوفر على معرفة الحجة وما يترتب على ذلك من السلوك العبادي ومن ثم ما تعرضه المعرفة بالحجة ليس الشخصية فحسب بل المبادئ وهذا ما المح الدعاء اليه مما يحملنا على الالتزام بالمبادئ مبادئ الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******