لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقلطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا عادل، يا غالب، يا طالب، يا واهب) وبهذه العبارات يختم مقطع الدعاء.
نقف اولاً عند صفة او مظهر (يا عادل)، هنا لا نحسب ان احداً منا لا يعرف دلالة (يا عادل) نظراً لوضوحها، حتي انها عدت في التقسيم الكلامي او العقائدي من اصول الدين: كما هو واضح.
لكن ما ينبغي الحديث عنه هو: ليس عن عدله تعالي، فان وضوح ذلك لا يحتاج الي تعليق، ولكننا نتحدث عن العدل من حيث آثاره، ثم ما يتداعي الذهن منه، الي مقولة هي في غاية الأهمية، وهي: ان الأدعية او النصوص الشرعية طالما تشير الي توسلنا بالله تعالي: ليس من خلال تعامله بالعدل مع عباده الداعين بل من خلال رحمته تعالي.
تري ما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
اي، اللهم لا تعاملنا بعدلك بل بعفوك، او برحمتك؟
من الواضح ان الله تعالي كامل مطلقاً، ولقد لحظنا في هذا المقطع من الدعاء (في لقاءات سابقة) هذه الصفة وهي (يا كامل)، حيث جاءت العبارات اللاحقة بها مصاديق لكماله تعالي ولكن الموضوع الذي نشير إليه الآن هو: لماذا نطلب من الله تعالي ان يعاملنا برحمته وليس بعدله؟
الجواب هو: اننا مذنبون ولا شك، والمذنب يستحق العقاب لان العدل هو: ترتيب العقاب علي ما هو منحرف من السلوك.
اذن ما دام العدل يعني: ترتيب الاثر علي الشيء بما هو طبيعي: كالعقاب علي المعصية، والثواب علي الطاعة فهذا يعني: العدل بوضوحه، ولكن عندما نطلب من الله تعالي ان يعاملنا بالرحمة وليس بالعدل فلآن الرحمة هي: التجاوز عن العقاب، وعدم ترتيب الاثر علي الذنب، وهذا هو ما نطمح اليه جميعاً: طالما نعرف بان الرحمة هي: لا حدود لها عند الله تعالي. اللهم عاملنا برحمتك بحق محمد وآله الطاهرين.
بعد ذلك نواجه كلمة او صفة (يا غالب). تري ماذا نستلهم منها؟
تشير النصوص الواردة في تفسير قوله تعالي: «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ» الي ان المقصود من ذلك هو: ان الله تعالي غَالِبٌ عَلَى أَمْرِنفسه لا يعجزه شيء عن تدبيره وافعاله، فهو الفاعل لما يشاء كَيْفَ يَشَاء.
وقد وردت عبارة «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ» في سورة يوسف (عليه السلام) حيث عقـّب النص التفسيري علي ذلك بان الله تعالي حفظ يوسف (عليه السلام) حتي يبلغه ما قدّر له من الملك والنبّوة (عليه السلام).
بعد ذلك نواجه عبارة (يا طالب) وعبارة (يا واهب) وهما عبارتان متقابلتان اي: ان الطلب هو: الأخذ، بينما الهبة هي الاعطاء، ولذلك نفي النص جملة نكات يمكننا بان نستخلصها في التصور الشخصي علي النحو الأتي:
ان الله تعالي طلب منّا عمل الخير، وما هو في صالحنا، وفي نفس الوقت فان الله تعالي - وهو من ليس لرحمته حدود - يهبنا - من طرف آخر - معطياته الخيرة وهي ان يهب لنا الذنوب التي ارتكبناها.
اننا مقصّرون في ما طلب منا اي: ان شرنا صاعد، وخير الله تعالي نازل الينا: فكم هي سعة رحمته تعالي، وكم هو تقصيرنا؟
طبيعياً، ثمة كلام كثير حول هذه السمة من الله تعالي، ولكننا نكتفي بما اوضحناه.
*******