نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن مقطع جديد منه، ورد فيه: (يا عالماً لا يجهل، يا صمداً لا يُطعم، يا قوياً لا يضعف، ...).
بالنسبة الى العبارة الاولى وهي: (يا عالماً لا يجهل)، نعتقد بان الموضوع لا حاجة الى القاء الاضاءة عليه، كل ما في الامر ان عبارات باكملها تضع الصفة وتنفي ضدها، حيث ان (العلم) هو الصفة المثبتة، وما يقابله هو الصفة السلبية، بمعنى ان العبارة تستهدف الاشارة الى ان علم الله تعالى كسائر صفاته لا حدود لتصورها، انها مطلقة لا نسبية فيها.
واما العبارة الثانية، وهي (يا صمداً لا يُطعم)، لذلك نقول: بالنسبة الى كلمة (صمد) تختزن عدة دلالات اهمها هي: انها من اسماء الله تعالى، وتجئ بمعنى (السيد) المطاع الذي لا ينفذ امر بدونه، وهي صفة دلالة مع عظمة الله تعالى، حيث يهيمن على الوجود وبيده الامر كله لا يتخلف عن ارادته.
لكن ورد في احد النصوص عن المعصوين عليهم السلام، ان (الصمد) كلمة تشرحها الآيات الواردة بعدها في سورة التوحيد، وهي(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ). وهذا يعني ان النص يستهدف الاشارة الى ازلية الله تعالى، والى عدم مثيل له البتة، وهذا لا يتعارض مع التعبير اللغوي للصمد، والمهم، ان الصفة المضادة التي تنفي النقص، متمثلة في كلمة او عبارة (لا يُطعم)، تعني انه تعالى لا يتناول الطعام، وهو امر يتسق مع الازلية التي تنفي ما هو حادث كالطعام ونحوه، يبقى ان نشير ما هي النكات التي نحتمل وجودها وراء الصلة بين (الصمد) وبين عدم الطعام.
في تصورنا او احتمالنا بما ان الولادة للشخصية تقترن باطعامه لاستمرارية حياته، لذلك فان النص المفسر لكلمة (الصمد) انه لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، عندئذ فان نفي الاطعام يتساوق مع عدم الاستيلاد بمعنى انه تعالى ازلي لا حدوث يقترن بوجوده.
بعد ذلك نتجه الى العبارة الاخيرة التي يُختم بها مقطع الدعاء، وهي (يا قوياً لا يضعف)، فماذا نستخلص منها؟
من البين، ان الله تعالى يتسم بالقدرة المطلقة، بحيث اذا قال للشيء كن فيكون لذلك، فان نفي ما هو مضاد للقوة، وهو (الضعف) يظل حاملاً مسوغاته الدلالية.
بعدها نتجه الى مقطع جديد، ورد فيه: (اللهم اني اسألك باسمك يا احد، يا واحد، يا شاهد، يا ماجد، يا حامد،...).
ترى ماذا نستلهم من العبارة الاولى، وهي (يا احد)، ايضاً يتعين علينا ان نتحدث ايضاً عن كلمة (يا واحد)، والسؤال المهم جداً هو مالفارق بين كلمة او صفة (احد)، وبين كلمة او صفة (واحد)؟
يشير اللغويون الى ان كلمة (احد)، يضاف اليها العدد مثل اثنين، ثلاثة.
والفارق هنا، ان النص عندما يتحدث عن الاحد والواحد، انما يتحدث عن نمطين من الواحدانية، الاول هو: انه تعالى لا ثاني له، وانه تعالى يتنزه عن مجانسة مخلوقاته، والسرّ هو: ان صفة (احد) تنسحب على مفهوم عدم المجانسة للمخلوقات، لانه لا عدد وراء الاحد، واما الواحد فيتسق مع عدم وجود الثاني.
*******