بسم الله وله الحمد والثناء والشكر اذ من علينا متفضلاً بالتعبد له باتباع مناري هداه ونبعي رحمته كتابه القرآن المبين واهل بيت نبيه المبعوث رحمة للعالمين المصطفى محمد –صلى الله عليه وآله الطاهرين-.
السلام عليكم مستمعينا الاكارم ورحمة الله وبركاته، اهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج لنا فيه وقفة اخيرة عنه المقطع الثاني من الدعاء المبارك الذي أمرنا مولانا الامام جعفر الصادق –عليه السلام- بأن نتوجه به الى الله عزوجل بعد الفراغ من تلاوة ما تيسر من كتابه العزيز، جاء في هذا المقطع قوله –صلوات الله عليه-:
"اللهم اجعلني ممن يحل حلالك، ويحرم حرامك، ويجتنب معاصيك، ويؤمن بمحكمه- أي القرآن- ومتشابهه و ناسخه ومنسوخه، واجعله لي شفاءً ورحمة، وحرزاً وذخرا".
ايها الافاضل، حديثنا في هذا اللقاء عن معنى الطلب من الله تبارك وتعالى ان يجعل القرآن ذخراً لمن تلا ما وفقه الله له من آياته الكريمة:
في نهاية الحلقة الماضية من هذا البرنامج اشرنا الى احد معاني ان يكون القرآن ذخراً للمؤمن، فقلنا بان المراد هو أن يدخر الله تبارك وتعالى للمؤمن ثواب تلاوته لكتابه العزيز لكي ينتفع بهذا الثواب عند حاجته اليه في حياته الأخروية.
وهذا المعنى هو أحد مصاديق معنى الذخر، فقد جاء في كتاب اللغة، ان معنى الذخر هو ما أدخر لوقت الحاجة وهو المؤونة المخزونة كما جاء في كتاب (معجم الفاظ الفقه الجعفري) وغيره، وادخار المال جعله ذخيرة ليوم الحاجة كما في شرح اصول الكافي، وقال العلامة المجلسي في كتاب البحار في بيان معنى دعاء قنوت صلاة العيد حيث يقول المصلي: "اللهم بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد –صلى الله عليه وآله- ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيدا"، قال: الذخر بالضم ما يدخره الانسان ويختاره لنفسه ومزيداً اي محلاً لزياده الرحمات والبركات عليه وعلى أمته –صلى الله عليه وآله-.
اعزاءنا المستمعين، من التعريفات المتقدمة نفهم أن معنى (الذخر) يشمل جميع الامور التي تنفع الانسان فيدخرها لكي يستفيد منها في وقت حاجته اليها، وأمسى مصاديقه اجر الاعمال الصالحة الذي يحتاجه الانسان في الآخرة قال السيد علي خان المدني الحسيني الشيرازي في شرحه للصحيفة السجادية:
"الذخر بالضم، هو ما ينفع اذا اعددته لوقت الحاجة اليه... كالذخيره وهو المراد هنا وعنى به الاعمال الصالحة التي تعد ليوم الفاقة اليها، واستعار لها لفظ الذخر باعتبار ان تحصيلها في الدنيا لغاية الانتفاع بها في العقبى كالذخيرة".
واضافة لذلك فان المستفاد من الاحاديث الشريفة مصداق اخر ينبغي ان يطلبه تالي القرآن من تلاوته ليكون ذخراً له عند الحاجة، هذا المصداق هو الذي يشير اليه مولانا امير المؤمنين الامام علي –صلوات الله عليه- في المروي عنه في كتاب (عيون الحكم والمواعظ) انه قال:
"احسن اللباس الورع وخير الذخر التقوى"
وعلى ضوء هذا الحديث نفهم ان مولانا الامام الصادق –عليه السلام- يعلمنا في هذا الدعاء ان نطلب من الله عزوجل ان يجعل ما نتلوه من كتابه ذخراً لنا بمعنى ان نستزيد به من التقوى التي هي خير الزاد، ويتحقق ذلك بأن نستعين بالآيات الكريمة للتحلي بالتقوى في كل موقف نمر به ونحتاج فيه اليها كذخيرة مقدسة نفوز بها بمحل الكرامة عندالله عزوجل.
ايها الاخوة والاخوات، ونقرأ في كتاب (عيون الحكم والمواعظ) حكمة علوية ثانية تهدينا الى مصداق ثالث لجعل القرآن ذخراً لقارئه، فقد جاء في هذا الكتاب عن الوصي المرتضى –صلوات الله عليه- أنه قال:
"أفضل الذخر الهدى ".
ومن هذه الحكمة العلوية نفهم أن على تالي القرآن ان يدخر ما يستفيده من الآيات الكريمة التي يتلوها لكي يستهدي به في مختلف شؤون حياته عندما تظهر حاجته الى الهداية القرآنية، وهذا المعنى مستفادٌ ايضاً من نظائر قوله عزوجل في الآية السادسة من سورة الأعلى "سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى".
اي ان على تالي القرآن أن يجتهد في حفظ مضامين الآيات الكريمة وما تشتمل عليه من هدايات للحق ويدخرها لكي يستفيد منها عند الحاجة اليها في مختلف شؤونه الحياتية، وبذلك يتضاعف الأجر الذي يطلب من الله ان يدخره له لكي ينتفع منه في حياته الأخروية أيضاً، فيكون القرآن بذلك ذخراً ومزيداً له في الدنيا والآخرة.
وبهذا نصل احباءنا بفضل الله وعونه الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله اعمالكم ودمتم في أمان الله.