بسم الله وله خالص الحمد والثناء إذ هدانا لابتغاء مرضاته بالتمسك بعروته الوثقى وحبله المتين قرآنه الكتاب المبين وأهل بيت حبيبه المبعوث رحمة للعالمين المصطفى الأمين -صلى الله عليه وآله الطاهرين-.
السلام عليكم احبتنا ورحمة الله وبركاته، معكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، ووقفة أخرى عند المقطع الختامي من دعاء مولانا الامام جعفر الصادق –عليه السلام- عند الفراغ من تلاوة ما تيسر من الذكر الحكيم وفيه بقول:
"اللهم صل على محمد نبيك وصفيك ونجيك ودليلك والداعي الى سبيلك، وعلى أميرالمؤمنين وليك وخليفتك بعد رسولك، وعلى أوصيائهما المستحفظين دينك، المستودعين حقك، والمسترعين خلقك، وعليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته".
بلغ بنا الحديث أعزاءنا الى عبارة "وعليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته".
وضمير (عليهم) كما هو واضحٌ يرجع الى النبي المصطفى وخليفته الولي المرتضى وأوصيائهما الأحد عشر عليهم جميعاً صلوات الله.
وفي هذه العبارة يعلمنا مولانا الصادق –عليه السلام- ان نختم دعاء الفراغ من تلاوة القرآن بالسلام عليهم مع طلب نزول الرحمة والبركات عليهم من الله جل جلاله؛ فما الذي نستفيده من ذلك؟ وما معنى أولاً السلام عليهم؟
لا يخفى عليكم أيها الافاضل، ان هذه الصيغة هي صيغة التحية الالهية الطيبة المباركة التي حبا الله عزوجل بها الأمة المحمدية، فقال في الآية ٦۱ من سورة النور:
"فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً".
والسلام هو تحية اهل الجنة كما يصرح بذلك قوله جل جلاله في الآية العاشرة من سورة يونس "دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ".
كما أنها تحية الملائكة المقربين والأنبياء –عليهم السلام- كما اشار لذلك القرآن الكريم في مواضع عدة وهو يحكي قصة دخول الملائكة الذين أرسلوا الى قوم لوط على ابراهيم الخليل –عليه السلام-؛ قال العلامة الطباطبائي في الجزء العاشر من تفسير الميزان:
"والأصل في معنى السلام على ما ذكره الراغب في المفردات هو التعري عن الآفات الظاهرة والباطنة، واليه يرجع معناه في جميع مشتقاته... والظاهر أن السلام والأمن متقاربان معنىً... والسلام من أسمائه تعالى لأن ذاته المتعالية نفس الخير الذي لاشرفيه وتسمى الجنة دار السلام حيث لاشر فيها ولاضر".
أيها الاخوة والاخوات، لقد ذكر العلماء ان معنى السلام كتحية يتضمن الدعاء لمن نسلم عليه بأن يحفه الله عزوجل بالسلامة من جميع الآفات وكل مكروه وأن تكون هذه السلامة ملازمة له ببركة اسم السلام من اسمائه عزوجل وينزل عليه مع السلام الرحمة والبركات.
هذا اولاً وثانياً فان السلام على شخص يتضمن تقديم عهد له بأن لا يصله اي مكروه او اذىً ممن يسلم عليه.
وعندما نطبق هذين المعنيين على أهل بيت النبوة –عليهم السلام- يكون في معنى السلام عليهم أولاً معنى الدعاء بان يحفهم الله عزوجل برحمته وبركاته وبالأمان من كل ما يكرهون وما لا يحبون لانفسهم ولشيعتهم وهو بالطبع ما يكرهه الله عزوجل ولا يحبه لهم ولشيعتهم.
كما يتضمن السلام عليهم ثانياً تقديم العهود منا ان لا يصلهم ما يكرهون منا، أي ان في السلام عليهم عهداً بان تكون لهم شيعة صادقون لهم نلتزم بطاعتهم والتقرب الى الله عزوجل بولايتهم وبالعمل بكل ما يحبونه ويرتضونه للمؤمنين الصادقين.
مستمعينا الأفاضل، ونجد في الاحاديث الشريفة معنىً اسمى هو خاصٌ بالسلام على أهل بيت النبوة –عليهم السلام- وهذا المعنى يتضمن معنى الدعاء بتعجيل فرجهم وتحقق اهداف رسالتهم الالهيه كاملة؛ لنتأمل معاً في الحديث التالي المروي في كتابي الكافي والبصائر مسنداً عن داود الرقي أنه قال للامام الصادق –عليه السلام-: ما معنى السلام على رسول الله –صلى الله عليه وآله-؟
فأجاب –صلوات الله عليه- قائلاً:
"ان الله تبارك وتعالى لما خلق نبيه ووصيه وابنته وابنيه وجميع الائمة، وخلق شيعتهم اخذ عليهم الميثاق- أي في عالم الذر قبل عالم الدنيا-، وان يصبروا ويصابروا ويرابطوا وان يتقوا الله ووعدهم ان يسلم لهم الارض المباركة والحرم الآمن وان ينزل لهم البيت المعمور، ويطهر لهم السقف المرفوع ويريحهم من عدوهم... وان يكون لهم فيها ما يحبون، واخذ رسول الله –صلى الله عليه وآله- على جميع الائمة وشيعتهم الميثاق بذلك، وانما السلام عليه –صلى الله عليه وآله- تذكرة نفس الميثاق وتجديد له على الله لعله ان لعجله عزوجل ويعجل السلام لكم بجميع ما فيه".
ولذلك ورد في الأحاديث الشريفة ان زيارتهم –عليهم السلام- والسلام عليهم تجديد للميثاق والعهد كما ورد عن الامام الصادق والامام الرضا –عليهما السلام- في المروي عنهما في ابواب المزار من كتاب الوسائل.
وعليه يكون معنى الرحمة والبركات التي نطلب من الله عزوجل ان يحفهم بها هي مظاهر تحقق الوعد الالهي بأقامة دولتهم العادلة التي يملأ بها الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
وعلى ضوء ما تقدم نفهم أيها الاطائب ان من آداب تلاوة القرآن الكريم ان نختم كل تلاوة بالدعاء بتعجيل الفرج المحمدي لكي تتحقق في ظل الدولة الالهية أهداف كتاب الله كاملة.
وبهذه النتيجة ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) شاكرين لكم طيب المتابعة، ولكم دوماً أصدق الدعوات من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم في أمان الله.