بسم الله والحمدلله خالصاً اذ هدانا لمناري هداه الى الحياة الطيبة ونبعي رحمته الكبرى للعالمين قرآنه الكتاب المبين واهل بيت صفوته حبيبنا الهادي المختار صلوات الله عليه وآله آناء الليل واطراف النهار السلام عليكم مستمعينا الاطياب، طابت اوقاتكم بكل خير و رحمة وبركات، بتوفيق الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نستضيء فيها بفقرات الدعاء الذي علمنا مولانا الامام جعفر الصادق –عليه السلام- أن نتوجه به الى الله عزوجل بعد الفراغ من تلاوة ما تيسر من القرآن الكريم طلباً لاستكمال ثمارها وبركاتها من الله عزوجل، جاء في المقطع الثاني من هذا الدعاء المبارك قوله –صلوات الله عليه-:
"اللهم اجعلني ممن يحل حلالك، ويحرم حرامك، ويجتنب معاصيك، ويؤمن بمحكمه- أي القرآن- ومتشابهه و ناسخه ومنسوخه، واجعله لي شفاءً ورحمة، وحرزاً وذخرا".
ايها الاخوة والاخوات، نتابع معاً تاملنا في قول الامام الصادق –عليه السلام-: "وأجعله لي شفاءً ورحمة وحرزاً وذخرا"؛
وقد عرفنا في الحلقة السابقة، ان القسم الاول من هذه العبارة مقتبس من كلام الله تبارك وتعالى حيث اخبرنا بانه تبارك اسمه قد انزل في القرآن الكريم ما فيه شفاءٌ ورحمة للمؤمنين، شفاء لما في الصدور من الأمراض النفسية والروحية بل وشفاءٌ لمطلق الأمراض حتى البدنية لمن اخلص النية في الاستشفاء منها بالآيات الكريمة وهو مؤمن بذلك كما صرحت بذلك كثيرٌ من الاحاديث الشريفة المروية في المصادر المعتبرة عند مختلف فرق المسلمين. وقد نقلنا بعض نماذجها في الحلقة السابقة.
وهذا الشفاء الالهي المنزل في القرآن الكريم هو احد مصاديق الرحمة الالهية التي جعلها الله عزوجل في كتابه المنزل على نبيه المبعوث رحمة للعالمين –صلى الله عليه وآله الطاهرين-.
من هنا فان ذكر الدعاء الشريف للشفاء قبل الرحمة تبعاً للآيات الكريمة هو من باب ذكر أهم مصاديق الرحمة الخاصة قبل ذكر الرحمة العامة، وهذه الرحمة المنزلة في القرآن الكريم جاءت بصيغة التنكير حيث قال –عليه السلام- "اجعله لي شفاءً ورحمة" للاشارة الى شمولها لجميع مصاديق الرحمة الالهية، مثلما ان ذكر الشفاء بصيغة التنكير يشير الى أن الاستشفاء بالقرآن يشمل المعافاة من جميع الأمراض المادية والمعنوية اي البدنية والنفسية والروحية؛ فالشفاء منها جميعاً ترحم الله به على المؤمنين بلطفه وكرمه وهو أرحم الراحمين.
مستمعينا الافاضل، أما بالنسبة لمعنى طلب الامام –عليه السلام- من الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن حرزاً وذخراً له، فان معنى الحرز كما جاء في كتب اللغة هو (الموضع الحصين) الذي لا يمكن لاحد أن يصله، وعليه يكون معني جعل القرآن حرزاً للمؤمن هو أن يدفع به عنه كل شر بمختلف مصاديقه.
وقد امرتنا كثيرٌ من الاحاديث الشريفة بأتخاذ الاحراز التي تدفع انواع الشرور وكان النبي الاكرم –صلى الله عليه وآله- يعلم اصحابه اتخاذ الاحراز نظير ما علمه لابي دجانة الانصاري وأمر وصيه الامام علي –عليه السلام- ان يكتبه له كما جاء في الرواية المشهورة، وجاء في كتاب قرب الاسناد عن امير المؤمنين الامام علي –عليه السلام- انه سئل عن التعويذ فقال: "علقوا ما شئتم اذا كان فيه ذكر الله" كما كانت لرسول الله –صلى الله عليه وآله- أحراز نزل بها اليه جبرئيل –عليه السلام- وكانت لاهل بيته –عليهم السلام- احراز مماثلة مروية نصوصها في المجاميع المعتبرة.
وتصرح النصوص الشريفة ان افضل الاحراز ما كانت من القرآن الكريم فقد روي في كتاب طب الائمة عن ابن سنان انه سئل الامام الصادق عن رقية العقرب والحية والنشرة، ورقية المجنون والمسحور الذي يعذب فقال –صلوات الله عليه-:
(يا ابن سنان لا بأس بالرقية والعوذة والنشر، اذا كانت من القرآن، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، وهل شئ ابلغ في هذه الأشياء من القرآن، أليس الله تعالى يقول: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" أليس الله يقول تعالى ذكره وجل ثناؤه: "لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" سلونا نعلمكم ونوقفكم على قوارع القرآن لكل داء.
اعزاءنا المستمعين وعلى ضوء ما تقدم يتضح أن من آداب الطريقة الفضلى لتلاوة القرآن الكريم هو ان نطلب من الله عزوجل بعد كل تلاوة لكتابه المجيد ان يجعل ما تلوناه شفاءً لنا ورحمة وحرزاً وذخراً –أي ذخيرة لأخرانا في ثوابه- أي أن نستعين به جل جلاله لكي نستشفي بالآيات الكريمة ونسعى للفوز بالرحمات العامة والخاصة التي تشتمل عليها وندفع بها كل شر يمكن ان يتهددنا ويتقبل هذه التلاوة منا ليكون ثوابها ذخيرة لنا في حياتنا الاخروية الخالدة تفيض علينا بكل رحمة وبركة.
وبهذه النتيجة والخلاصة نختم أيها الاحبة حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.