ينقل سماحة السيد عبد الحميد الاصفهاني حفيد المرجع الكبير آية الله العظمى السيد ابي الحسن الاصفهاني رحمه الله نقلاً عن آية الله حجت رحمه الله قال: كان في كربلاء طالب اسمه (السيد علي الاصفهاني) يذهب الى النجف الاشرف للزيارة ولكنه يتأخر شهرين او ثلاثة اشهر فسألته مرة: لماذا تتأخر؟ الا تفكر في دروسك؟
قال: يجذبني حب السيد ابي الحسن الاصفهاني، هذا المجتهد الورع الكبير، وما تدري كم هذا الرجل عظيم!؟
قلت: وهل وجدت منه ما يدعوك لهذا الاعجاب؟
قال: كنت مجذوباً لهيبته المعنوية، فقد كان يخرج عند بدآية الفجر الى حرم الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ليصلي الصبح في الحرم، ولم يكن احد من مرافقيه ايضاً قد حضر، وربما كان السيد اخبرهم من قبل ان لا يأتوا وانا ما كنت اعلم بذلك لأني لست من مرافقيه المقربين الثابتين. وفي احد الاسحار انتظرته طويلاً وكاد اليأس يتسرب الى كياني ويأمرني بالانصراف، فهممت بالذهاب الى الحرم وحدي، واذا بالسيد خرج يمشي وحيداً، فمشيت خلفه بمسافة ولم يكن يدري او يتوقع ان احداً يمشي ورائه، وكانت السماء مظلمة واذ ان الصبح لم يحن بعد.. مشى هذا المرجع العظيم حتى رأيته ادخل ظرفاً ويبدو فيه نقود من طرف باب منزل احد الفقراء، ثم واصل مشيه.
هنالك اطلعت على صدقة السر التي يمارسها الاولياء بعيداً عن الرياء. فازددت انجذاباً لشخصية هذا المرجع الكريم.
*******
في عام 1980م تعرض المسلمون الشيعة في الباكستان الى الاعتداءات من قبل مسلحين من اشرار مدعومين من قبل بعض مراكز القوى في حكومة ضياء الحق الباكستانية وكالمتوقع لم يتفوه احد في الدفاع عن المظلومين في هذه الواقعة الدامية، فقام العلامة الشهيد السيد عارف حسين الحسيني العالم الباكستاني الشجاع بحركة رائدة، اذ اعلن يوم عيد الفطر يوم حزن للمسلمين الشيعة في الباكستان. فدعاهم الى اجتماع منظم يعربون فيه عن تنديدهم للظلم الذي يمارس بحقهم هناك، فعطلت الاسواق وامتنع الطلاب من الذهاب الى المدارس، وبكلمة واحدة اعلنت الجماهير طاعتها للبيان الذي اصدره زعيمهم السيد عارف الحسيني والذي اعلن استعداده الجريء لكل ما يترتب على موقفه الجهادي الحق.
فألقت الحكومة الباكستانية القبض على هذا العالم المجاهد، فخرجت الناس معترضة على اعتقال السيد، واستمرت في المظاهرات السلمية مدة 22 وكان شعارهم: «كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء». والحكومة الباكستانية واصلت اعتقال المتظاهرين واخيراً وصل عدد المعتقلين الى 416. فلما رأت الحكومة هذا الاصرار من الناس أعلنت في اليوم الثاني والعشرين اطلاق سراح المعتقلين وفيهم السيد عارف الحسيني. ولكن الحكومة اصطدمت بقرار السيد الذي امتنع عن الخروج من السجن حيث قال: «انني في السجن هذه المدة بدأت أدرس المعتقلين الآخرين سلسلة دروس مترابطة حول تفسير القرآن: فلا زالت هذه الدروس لم تنته، فلن اخرج من السجن الا بعد انهائها»!
وهكذا بقي السيد مقيماً في السجن بارادته أياماً يدرس فيها المعتقلين تفسير القرآن ويكمل معهم البحوث التي بدأها لهم.
بهذا الموقف البطولي سجل هذا العالم صفحة مشرقة اخرى في تاريخ المسلمين الشيعة المضطهدين هناك.
ومثل هذا المجاهد لا يسمح له الظالمون ان يبقى طويلاً بين المظلومين خشية ان يوصلهم الى شاطيء النجاة ويسحب البساط من تحت اقدام الطغاة. لذلك اغتالته رصاصة الاجرام الذين هاجموه بعد صلاة الصبح مباشرة في اليوم الخامس من الشهر الثامن سنة 1988 م واردوه قتيلاً فرحل الى ربه شاهداً وشهيداً.
*******