البث المباشر

استعمال السواد في قضية مأساة الامام الحسين (عليه السلام)

الأحد 23 يونيو 2019 - 11:18 بتوقيت طهران

أعاتب عيني إذا قصرت

وأفني دموعي إذا ما جرت

لذكراكم يا بني المصطفي

دموعي علي الخدّ قد سطّرت

لكم وعليكم جفت غمضها

جفوني عن النوم واستشعرت

أمثـّل أجسادكم بالعراق

و فيها الأسنّة قد كسرت

أمثلكم في عراص الطّفوف

بدوراً تكسّف إذ أقمرت

غدت أرض يثرب من جمعكم

كخطّ الصحيفة إذ أقفرت

و أضحت بكم كربلا مشرقاً

لزهر النجوم إذا غوّرت

وللسّبط فوق الثـّري شيبة

بفيض دم النحر قد عفـّرت

و رأس الحسين أمام الجموع

كغرّة صبح إذا أسفرت

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأعظم الله تعالي أجوركم وأنتم تديمون ذكر أهل البيت النبويّ، وتحيون أمر محمد وآل محمد صلوات الله عليه وعليهم من خلال مجالسكم ومآتمكم، كما كان رسول الله (صلي الله عليه وآله) يديم ذكره في تمجيد أهل بيته وأوصيائه (سلام الله عليهم)، وكما كان يديم أحزانه عليهم لما سيصيبهم من الفجائع العظمي والنكبات الكبري، لا بدّ للمؤمنين من مواساة رسولهم ونبيّهم في أحزانه الدائمة التي لم تفارقه طيلة حياته وهي مقرونة بالصبر، وكذلك مصائب آل رسول الله كانت مقرونة أيضاً بالصبر.
روي الكراجكيّ في مؤلّفه (كنز الفوائد) عن الإمام موسي بن جعفر عن أبيه جعفر الصادق عليهما السلام أنّه قال: جمع رسول الله (صلي الله عليه وآله) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين، وأغلق عليه وعليهم الباب وقال: إن الله عزوجل يقرأ عليكم السلام، وهذا جبرئيل معكم في البيت يقول: إنّي قد جعلت عدوّكم لكم فتنة، فما تقولون؟
قالوا: نصبر يا رسول الله لأمر الله وما نزل من قضائه حتـّي نقدم علي الله عزّوجلّ، ونستكمل جزيل ثوابه، فقد سمعناه يعد الصابرين الخير كلّه.
فبكي رسول الله (صلي الله عليه وآله) حتـّي سمع نحيبه من خارج البيت، فنزلت هذه الآية: «وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا».
ثمّ قال الإمام الصادق (عليه السلام) في توضيح الكلمة الشريفة «بصيراً»: أنّهم سيصبرون، أي سيصبرون كما قالوا (صلوات الله عليهم).

*******

من المظاهر الواضحة في المجالس الحسينية قضية انتشار لبس السواد من قبل المشاركين فيها وكذلك نصبه في الاماكن التي تقام فيها وهنا يطرح البعض السؤال التالي: كيف ينسجم مع ما ذكرته بعض الاحاديث الشريفة من كراهة لبس السواد؟ عن هذا السؤال يجيبنا مشكوراً سماحة الشيخ حسن التريكي مدير مركز الثقلين والباحث الاسلامي من لندن:
الشيخ حسن التريكي: بسم الله الرحمن الرحيم عظم الله اجورنا واجوركم بمصابنا بأمامنا الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه واصحابه الابرار واهل بيته الاطهار (عليهم السلام) جميعاً.
نعم وردت الروايات الفقهية التي تبين كراهة لبس السواد بشكل عام وهذا في الفقه يعرف بالحكم الاولي للموضوع ولكن هناك مسألة فقهية اخرى انه هناك حالات استثنائية عندما يأتي حكم لموضوع معين فأن هذا الحكم يشمل كل افراد الموضوع الاما خرج بدليل خاص ومن هذا القبيل استعمال السواد في قضية مأساة الامام الحسين (عليه السلام) واظهار الحزن على الامام الحسين (عليه السلام)، معلوم ان السواد هو من مظاهر الحزن حتى في ثقافات الشعوب غير الاسلامية، كثير من الشعوب تلجأ الى هذا التعبير بلبس السواد في حالة الاحزان ولأظهار الالم والحزن واستعماله كشعار للحزن للانسان لفقد عزيز وفي المصاب وفي الملمات، ولهذا لما جاءت الشريعة الاسلامية كما بينا حكمت انه كأستعمال للسواد بشكل عام حكمه الكراهة في الاسلام ولكن جاء الاستثناء وورد الاستثناء عن الائمة في الروايات الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) بخصوص قضية الامام الحسين هناك امور كثيرة لها احكام شرعية ولكنها تستثنى في قضية الامام الحسين (عليه السلام) ولهذا ورد في الحديث الشريف عن الائمة الاطهار (عليهم السلام) انه: (كل جزع مذموم ومكروه ما خلى الجزع على الامام الحسين (عليه السلام)) الجزع واظهار التألم على المصيبة في الحالات الاعتيادية هو من الامور الغير مرغوب فيها، الانسان مدعو لأظهار التصبر والرضى بقضاء الله وقدره حتى يحتسب وحتى يأتيه الاجر من الله سبحانه وتعالى في حين انه في قضية الامام الحسين (عليه السلام) فأن اظهار الالم واظهار التجزع على ما اصاب الامام الحسين من الامور المحببة والتي ندبت اليها الروايات الشريفة الواردة عن اهل البيت (عليهم السلام) لما للحسين صلوات الله وسلامه عليه من مكانة في تاريخ الانسانية وليس فقط في تاريخ الاسلام بحيث ان هذا المصاب الذي اصاب الامة بفقد الامام الحسين واستشهاده بتلك الطريقة الشنيعة والجريمة البشعة التي ارتكبتها السلطات الاموية في ذلك الوقت هي جريمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من حيث شخصية الشهيد ومن حيث الزمان ومن حيث المكان ومن حيث الرمزية فهو ابن بنت نبي الاسلام وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ما اشار اليه الامام الحسين (عليه السلام) انه سألهم: (هل يوجد على وجه الارض ابن بنت نبي غيري فيكم او في غيركم؟) واراد الامام من هذه الكلمة ان يشير الى عظم الجريمة التي كانوا يقومون بها ولكن طبع الله على قلوبهم فأقدموا على تلك الجريمة البشعة ولهذا قضية الامام الحسين واظهار الحزن والجزع على الامام الحسين فيه استثناءات ومن تلك الاستثناءات اولاً استحباب اظهار الالم والجزع على الامام الحسين ومن تلك الاستثناءات استحباب لبس السواد حزناً على الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ولهذا صحيح ان كان حكم لبس السواد الحكم الاولي هو الكراهة ولكن في قضية الامام الحسين (عليه السلام) بعنوان ثانوي وبدليل خاص يتحول الى استحباب، ان يظهر الحزن ويلبس السواد ويعم السواد في هذه الايام، ايام محرم الحرام مواساة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومواساة للصديقة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ولأمير المؤمنين وللائمة الطاهرين (عليهم السلام) ولهذا الحكم في هذه المرحلة وفي هذا الوقت هو استحباب اظهار السواد ولبس السواد على خلاف الحكم الاولي الذي يكره استعمال السواد في الحالات الاعتيادية.

*******

كتب المفكر الفرنسيّ "دي موسيه": ليس هنا لك مربّ للإنسان ومهذّب كالألم والحزن. وكأنّ هذا الرجل يريد أن يقول بأنّ الإنسان لا تتكامل شخصيّته الأخلاقية إلّا من خلال المشاعر الطيّبة والنبيلة، فيتفاعل مع القيم ومع أحاسيس الآخرين، ويشارك أصحاب المصائب مشاركة وجدانية لا تخلو من الحزن والأسف والعطف وحبّ الإحسان، فبهذه الحالات القلبيّة يرتقي المرء نحو إنسانيّته وبشريّته المكرّمة، فالله تعالي يقول في محكم تنزيله الكريم: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» )الإسراء، ۷۰(، وليس من الإنسانيّة البشريّة أنّ الإنسان لا يتعاطف مع فاجعة عظمي لا شبيه لها في التاريخ كفاجعة سيٍّد الشهداء أبي عبد الله الحسين، أو لا يتأثر بما جري علي آل الرسول من إحراق خيمهم في صحراء كربلاء، ومطاردة أطفالهم اليتامي وهم مذعورون، وأسر النساء الثاكلات المرمّلات، إلي الكوفة ثمّ إلي الشام!
إنّ الحزن ليفرض نفسه علي قلب كلّ مؤمن غيور، بل علي نفس كلّ إنسان ذي شعور، فواقعة كربلاء لوحة مأساويّة لا نظير لها، ومشاهد رهيبة وغريبة، وكذلك عجيبة، لم يحدّثنا التاريخ بمثلها فضلاً عن أبشع منها وأفضع منها!
فكيف لا يكتئب الإنسان المسلم لمصائب أهل بيت المصطفي (صلي الله عليه وآله) وقد ذهب لها اليهود والنصاري، وبقي الناس من هولها حياري!
أجل، فالبكاء لتلك المصائب أمر حاكم تقتضي الروح البشريّة مهما قست، إلّا أن يمسخ الإنسان - والعياذ بالله - فيخرج حتـّي عن الطبيعة الحيوانيّة! إنّ للبكاء أسبابه الكثيرة، منها علقة الباكي علي المصاب، وصاحب المصيبة العظمي هو الحسين، والحسين (سلام الله عليه) هو حبيب رسول الله، وسبطه وريحانته، ومنه، إذ هو القائل (صلي الله عليه وآله): (حسين منيّ وأنا من حسين). وهذا يعني أنّ من ضرورات محبّة النبيّ ومصاديق مودّته، محبّة الحسين ومودّته، كذلك يعني أنّ من مقتضيات محبّة النبيّ، الحزن علي من حزن عليه النبيّ، (صلي الله عليه وآله)، كذا يعني أنّ مو موجبات الإيمان بالله ورسوله، محبّة آل رسوله.
أجل، ألم يرو المتّقي الهنديّ - وهو من كبار محدّثي أهل السنّة وعلمائهم - في كتابه الشهير (كنز العمّال) أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: (لا يؤمن أحدكم حتـّي أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذرّيّتي أحبّ إليه من ذرّيّته).
الم يروي الشيخ المجلسيّ - وهو من كبار محدّثي الشيعة وعلمائهم - في كتابه الكبير (بحار الأنوار ) - عن: ( أمالي) الشيخ الصدوق، و(علل الشرائع) - وهو أيضاً للشيخ الصدوق -، و(أمالي الطوسيّ)، و(بشارة المصطفي) للطبريّ الإماميّ محمّد بن أبي القاسم، أنّ النبي (صلي الله عليه وآله) قال امراً ومرشداً: (أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمة، وأحبّوني لحبّ الله عزّوجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي).
والآن نتساءل: أيّة نعمة في هذه الدنيا أعظم من نعمتنا برسول الله (صلي الله عليه وآله)؟! وأي حبيب أحبّ إلي الله تعالي من المصطفي نبي الله (صلي الله عليه وآله)!؟ وأيّة عترة أعزّ وأحبّ إلي الله ورسوله من عترة سيّد رسله محمّد ابن عبد الله (صلي الله عليه وآله)؟! وقد أصيبت تلك العترة الطاهرة بأعظم النكبات والفجائع، أفلا تستحقّ العزاء، والحزن والبكاء، محبّةً لرسول الله (صلي الله عليه وآله)؟!
ومن دواعي البكاء رقة القلب وشفّافيّة الروح، لاسيّما علي المألوم المصاب، والمظلوم المكتئب، فكيف إذا كان صاحب المصيبة المصيبة إماماً طاهراً من نسل مقدّس طاهر، قد فجع بأهله وبنيه وإخوته، وبني عمومته، والخيرة من أصحابه، وكان أقدم علي أمر فيه طاعة الله ومرضاته، وفيه نصرة المظلومين، والانتصار للفضيلة والكرامة والحقّ والعدالة؟! أليس ذلك مدعاة للحزن والبكاء؟! وسبباً للجلوس لمأتم عزاء؟
وقد أظهر تأريخ المجالس الحسينية التي كان يقيمها رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته وسائر أولياء الله والمؤمنين، أن أسمي هذه المجالس هي التي تجتمع فيها العوامل المتقدمة - من المودة لأهل الحق ونصرتهم وغيرها - فتكون بركاتها أعظم في الدنيا والأخرة، وفقنا الله وإياكم لذلك.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة