وحذرت صحيفة "رأي اليوم" في افتتاحيتها، الأردن من مشاركة وفد بلاده في "ورشة البحرين" التي تمهد لصفقة ترامب الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، وكتبت الصحيفة:
عندما نتحدّث عن ارتباك وقلق فإنّنا نُشير إلى عدّة مُؤشّرات مُهمّة في هذا الصّدد:
أوّلًا: باستثناء السعوديّة ودولة الإمارات، لم تُعلن أي من الدول العربيّة “المُجاهرة” بمُشاركتها في مُؤتمر، أو ورشة المنامة، فالأردن قال إنّه يدرس، والمغرب نفت على استحياء ما ذكره مسؤول أمريكي عن مُشاركتها، أمّا مِصر فتلتزم الصّمت، والشّيء نفسه يُقال عن قطر أيضًا، والصين وروسيا ومُعظم الدول الأوروبيّة قرّرت الغِياب.
ثانيًا: الولايات المتحدة سرّبت العديد من التّقارير الإخباريّة التي تُؤكّد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لن تُشارك في هذا المُؤتمر لتسهيل مُشاركة حُلفائها العرب، ليخرُج علينا بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ليُكذّب هذه التّقارير ويُؤكّد أنّ دولته ستُشارك وبوفدٍ كبيرٍ، وقال الشّيء نفسه وزير خارجيّته إسرائيل كاتس.
ثالثًا: الرّد الفَلسطيني الإجماعي على هذه الخطوة الأمريكيّة لن يقتصر على المُقاطعة فقط، وإنّما الدّعوة إلى مُظاهرات غاضبة في الضفّة الغربيّة والقِطاع، قد تتحوّل إلى مُواجهاتٍ دمويّةٍ مع قوّات الأمن الإسرائيليّة، ويمتَد صداها إلى عدّة عواصم عربيّة.
لا نعرِف كيف ستنجح “ورشة المنامة” هذه في جمع المِليارات كثمن لبيع فِلسطين، والأطراف المدعوّة والمُشاركة تخشى، ولا نقول تخجَل، من إعلان مُشاركتها، والجُلوس جنبًا إلى جنب مع الشّريك الإسرائيلي الجديد على مائِدة واحدة لوضع تفاصيل عُقود البيع والرّشاوى وآليّات التّنفيذ.
موقف الدولة الأردنيّة التي ستكون الأكثر تضرّرًا، في رأينا، من هذه الصّفقة ومُؤتمرها، وطنيًّا وسياسيًّا، كان لافتًا في غرابته وغُموضه في الوقت نفسه، فالسيد أيمن الصفدي، وزير الخارجيّة، كان في قمّة الإرباك والحَرج عندما وقف الى جانب السيدة فيدريكا مورغيني، وزيرة خارجيّة الاتحاد الأوروبي، وقال إنّ حُكومته تدرس مسألة المُشاركة، وإذا حضرت مؤتمر المنامة، فستقول لا لأي طرح يتعارض مع ثوابت الأردن، وعندما ننظر إلى الجيش العرمرمي من رجال الأعمال الإسرائيليين واليهود الذين سيُشاركون في هذا المُؤتمر بدعوةٍ من جاريد كوشنر، مُهندسه ورئيسه، فإنّه سيكون واضحًا من هي الجِهة الوحيدة والأكثر استفادة منه، وكُل ما سيتمخّض عنه من مشاريع اقتصاديّة وعشرات المِليارات العربيّة التي سيتم رصدها لتمويلها.
الأطراف العربيّة المُشاركة، سواء للتّمويل أو لتقديم التّنازلات السياسيّة عن الأرض والمُقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة، ربّما تخرُج الخاسر الأكبر، لأنّ حالة الغضب التي تسود الشارع العربي، ويُمكن أن يجري ترجمتها إلى تحرّكات تُزعزع الأمن والاستقرار الدّاخلي فيها، وما يحدُث في الجزائر والسودان والأردن واليمن أحد الأدلّة.
نتمنّى أن تنتهي الدراسة لمسألة المُشاركة في المُؤتمر التي تحدّث عنها وزير خارجيّة الأردن، بقرار المُقاطعة، لأنّ تكاليف المُقاطعة ستَكون أقل كثيرًا وأهون وأكرم، من تكاليف المُشاركة الباهِظة الثّمن، رغم تفهّمنا في هذه الصّحيفة لظُروف الأردن السياسيّة والاقتصاديّة الحَرِجَة.
الأردن سيكون الضحيّة الأكبر لهذه الصّفقة ومُخرجات مُؤتمر المنامة إلى جانب أشقّائه التّوأم في فِلسطين، لأنّ الشّعب الأردني بمُختلف منابته وأعراقه، عبّر عن رفضه لها، وأظهر حسًّا وطنيًّا عالي المُستوى، وهذا ليس غريبًا عنه على أيّ حال، عندما نزلت قُواه الحيّة إلى الميادين مُعلنةً رفضها بأقوى العِبارات، ومن غير المُستبعد أن يُترجم هذا الرّفض إلى حراكٍ شعبيٍّ غير مسبوق،
عندما نقول أنّ الأردن سيكون الضحيّة فإنّنا نتحدّث هُنا دون مُواربة عن الوطن البديل وكون هذه الصّفقة هي الخطوة التي ستُنفّذ، وتُشرُع، قيامه مُقابل وعود كاذبة ومغشوشة، بل مسمومة ببعض المِليارات.
نختم بالتّذكير بأنّ مُعاهدة وادي عربة التي جرى توقيعها قبل رُبع قرن لم تُحقّق للأردن وأهله الشّرفاء الرّخاء، وإنّما 40 مِليارًا من الدّيون بفوائد تزيد مِلياريّ دولار سنويًّا، وضرائب جعلت الظّروف المعيشيّة للمُواطن الأردني النّشمي في قمّة الصّعوبة والبُؤس، ولماذا لا يكون لهذه الصّفقة والمُشاركة في مُؤتمرها في البحرين نتائج أكثر سُوءًا تصُب في مصلحة دولة الاحتلال ورِجال أعمالها مِليارات وأمنًا واستقرارًا، وتسريع قِيام إسرائيل الكُبرى؟"