هذا البرنامج الذي اعددناه حول الشاعر والعارف الايراني جلال الدين محمد مولوي الذي اسمت منظمة التربية والثقافة والعلوم اليونسكو التابعة لمنظمة الامم المتحدة العام 2007 للميلاد باسمه بمناسبة مرور 800 عام على ولادته.
وسننقل لكم بالاسلوب الوصفي، صورة من صور الماضي البعيد، حيث ما بعد ولادة الشاعر مولوي وسني صباه هذه الصورة، سنعيش احداثها عبر امواج الاثير بعد قليل.
كثرة الناس قد سدت عليه طريقه، لكن سلطان العلماء والد الشاعر جلال الدين مولوي نزل في منبره، همهمة الحاضرين في المجلس واسئلة الشباب من المريدين قد شغلته بعض الوقت، انه يريد ان يصل الى بيته باسرع ما امكنه لكي يؤدي صلواته ويناجي ربه ويرى كيف يناجي الوالد ربه الطفل جلال الدين محمد ذو الخمسة اعوام.
بالنسبة لوالده كان جلال الدين مولوي يجسّد كل امانيه ومناه، من زوجته الاخرى كان لسلطان العلماء ابن وعدة بنات، الا ان الوالد كان ينظر لجلال الدين وامه علوية من فقهاء وسادات سرحنْس في خراسان نظرة اخرى.
بصعوبة بالغة انفرط عقد الناس ليفسح المجال لسلطان العلماء كي يتخذ الى بيته سبيلاً الالم كان يعصر قلب الرجل وهو خارج بيته حيث يرى ويسمع ظلم الحاكمين واجحافهم لعل بيته كان له ملجأً آمناً يمارس فيه رياضاته الروحية وسيره وسلوكه في عالم الملكوت، كان سلطان العلماء دائم الذكر لله.
سلطان العلماء الذي كان من احفاد عبد الرحمن بن ابي بكر قد اهتم بتربية ولده جلال الدين حتى جاء الولد على سرّ ابيه غارقاً في عوالم الروحانيات، كل الاحداث من حوله قد شدته الى آيات الله وآلائه، مناجات اهل بيته جعلته يشعر بالعالم الوضاء ودنيا ماوراء المحسوسات، كان حج البيت الحرام امنيته والعبادات الرجبية كانت تملأ قلبه الصغير بالسرور والمرح.
برهان الترمذي كان معلماً للمولوي وتلميذاً لأبيه، هذا الاب وهذا الوالد جعلا جلال الدين غارقاً ليل نهار في دنيا الروحانيات.
سلطان العلماء والد مولوي كان يقضي اكثر اوقاته خارج البيت في مجادلة علماء البلاط والحكام، لقد كان فقيهاً ومدرساً وواعظاً واشتغل بالتدريس والافتاء، كان يسافر الى مدن خراسان المختلفة ومدن ماوراء النهر وتركستان من اجل الوعظ والارشاد، كانت مجالس وعظه ساخنة وحلقات دروسه مفعمة بالمعنويات.
في مثل هذه الاجواء اخذ جلال الدين مولوي ينظر الى الحياة نظرة عرفانية، وآن الاوان لان يذهب جلال الدين مولوي الى الكتاتيب يتعلم الى جانب الاطفال القرآن والحديث ومقدمات العلوم، كان يأنس بالحكايات والمشاهد الخيالية التي يسمعها من اقرانه في الكتاتيب ومحلّ سكناه.
ويمكن القول ان معلمه خارج البيت هي الحياة اما معلمه في البيت فكان والده واجواء القدسية والطهارة التي كانت تلقي ظلالها عليه.
لقد علّم الوالد ولده ان عليه ان يبحث وراء كل شيء عن الله، وان الصلاة هي طريق لقاء الله وعليه ان يؤديها بحضور قلب وسكينة، وجرب جلال الدين الطفل الصغير البكاء العرفاني ما بين صلاته ودعائه لربه.
كان يقضي اياماً طويلة في الصيام واكثر اوقاته في القراءة والتفكر في ذات الله، وفي العابه ابان طفولته وصباه كان كالرجل يفكر في الرموز الخفية وراء تلك الالعاب.
*******