يعتبر المثنوي المعنوي، أهمّ عمل أدبي وعرفاني للشاعر العارف جلال الدين محمد البلخي. وعلى رغم مرور ما يقرب من 800 عام فانّ هذا الكتاب القيّم ما يزال يلمع كالدّرة الثمينة على جبين الثقافة والادب في العالم. ويرى الكثير من الباحثين ان المثنوي كتاب للتعليم والهداية والارشاد، وان مولانا هو حامل لواء هذه التعاليم الّثّرة.
ولابد من القول هنا ان الكثير من فلاسفة الشرق والغرب من امثال محمد اقبال اللاهوري وهيغل قد استلهموا في نظرياتهم الفلسفية من فكر المولوي. كما ان الكثير من كبار العرفاء الايرانيين كانوا قد ارتشفوا من نمير المثنوي واستنشقوا عبيره المعنوي.
وفي الوقت الحاضر الّفت الكثير من الكتب وكتبت العديد من الرسائل حول مولانا جلال الدين محمد البلخي وحول المثنوي المعنوي. له ومع هذا فما يزال الكثير ممّا لم يقال حول المولوي والمثنوي وما تزال الكثير من النقاط من المثنوي وصاحبه غامضة غير مكشوفة.
متابعي كتابات المولوي وفكره، انه المرحوم بديع الزمان فروزانفر ومن مؤلفاته كتاب من بلخ الى قونيه، يقول المرحوم فروزانفر: بعد قرن من وفاة مولانا جلال الدين الرومي التي وقعت أواسط النصف الثاني من القرن السابع الهجري، كتب الكثير من الشروح على المثنوي، إلاّ ان بعض هذه الشروح لم تكن العلاج الناجع فحسب، بل انها كانت سبيلاً للضلال كذلك، ويعلل المرحوم فروزانفر هذا بقوله: في الحقيقة ان هولاء الشارحين لم يعرفوا مولانا على حقيقته، ومن هنا لم ينجحوا في شرح مثنويه ولو درسنا المثنوي بأجزائه الستة لرأينا ان مولانا قد تأثّر في كتابه هذا باسلوب القرآن الكريم وفي القرآن نلاحظ انتقالاَ لو صحّ التعبير من حكاية أو قصة الى قصة أخرى، وفي المثنوي استخدم مولانا اسلوب القصة في القصة ايضاً.
لكن كل من يسمّي المثنوي قرآن العجم فإنه مخطئ، ولعل العارف نورالدين عبد الرحمن جامي الذي عاش قبل ما يقار الخمسة قرون، هو الذي اثار مثل هذا الأمر الغريب وهذه ترجمته للعربية.
ماذا أقول في وصف هذا الشخص الجليل
انه ليس نبي لكن له كتاب
المثنوي المعنوي المولوي
هو قرآن الكلام البهلوي
هنا أراد عبد الرحمن الجامي بالشخص الجليل، مولانا المولوي ويريد من الكلام البهلوي، اللغة الفارسية القديمة وهي لغة المثنوي. وسيأتي توضيح آخر بعد قليل.
نعم، ان جلال الدين الرومي المولوي باعتباره مسلماً كان ملتزماً أيما التزام بالقرآن الكريم والعقيدة الاسلامية السماوية واستنادا الى البحوث التي اجريت حول المثنوي المعنوي فإنّ مولانا وفي هذا الكتاب القيّم قد اشار الى 2200 آية من آيات القرآن المجيد، كما وانه وباسلوب الشعر قد فسّر العديد من آيات الذكر الحكيم.
وبشكل عام فإنّ المولوي قد استفاد في مثنويه من ما يقرب من ثلثي آيات القرآن بشكل صريح أو غير صريح. أي انه كان ينقل الآية القرآنية بذاتها في بعض الأحيان، وفي أحيان آخر يشير ويومي اليها.
عمق الفكر المولوي واتّساع بحر المثنوي لا يزال يفسح المجال لصيد الكثير من اللئالي من هذا البحر الموّاج الزاخر.
وانّ توّجه واهتمام العالم المعاصر لا سيّما العالم الغربي بنتاجات مولانا الادبية ما بين منظومها ومنثورها خير شهادة على ما نقول.
ولسنا نبالغ اذا ما قلنا ان المثنويّ المعنويّ لجلال الدين الرومي له الجدارة ان يصبح سلّم ترقّي الانسان المعاصر، ذلك ان المولويّ يريد تحرّر الانسان من كل ما يقيّده مع هذه الدنيا وبالتالي الوصول الى العشق الإلهي والوصال الابدي.
وقد يسأل سائل فيقول يخاطب من المثنوي؟ وإلى من يوجّه مولانا كلامه وأفكاره؟ وللاجابة عن هذا السؤال يمكن القول: ان من يخاطبهم المثنوي يمكن ان نقسمهم الى ثلاث جماعات.
الاولى: عوام الناس
الثانية: الخواص منهم
والثالثة: من سلكوا للعشق طريقا
واذا كان مولانا يخاطب العامّ والخاصّ والعاشق الولهان في طريق الله، فهل فهم كل هؤلاء خطابه؟ الاجابة على هذا السؤال نتركها لأحد ومن هنا فإنّ المرحوم ملا هادي السبزواري المعروف بالحكيم السبزواري صاحب المنظومة المشهورة في الفلسفة وقد كان شاعراً وعارفاً في القرن الثالث عشر الهجري، يعتبر المثنوي المعنوي تفسيراً للقرآن وينظر الى المولوي على انه مفسّر للقرآن.
ولعلّ فيما ذكرناه في هذه الحلقة وسابقاتها من الحلقات ما يعدّ كافياً لدرء شبهة قرآن العجم التي تشدّق بها المستشرق البريطاني ادوارد براون ومن بعده سار على هذا الخط المعوجّ لشديد الاسف بعض الكّتاب المعاصرين.
ولنا عودة واياكم الى رحاب المثنوي ورحاب العرفان في لقاء آخر مع جلال الدين محمد شاعر العرفان.
*******