لقد تجسد الانتاج الشعري لمولانا جلال الدين المولوي في كتابين شهيرين هما المثنوي المعنوي وديوان شمس تبريزي.
وديوان شمس تبريزي هذا او كليات شمس تبريزي تضم ثلاثة واربعين ألف بيت من الغزليات وتضم سبعة وثلاثين وتسعمائة وألف رباعية، او ألف وتسع مئة وثلاثة وثمانين رباعية حسبما يذكر المرحوم بديع الزمان فرزوانفر.
ومهما كان عدد رباعيات مولانا، فان البعض يشكون في صحة نسب كل هذه الرباعيات لجلال الدين اذ ان بعضها منسوب الي غيره من الشعراء كذلك. وقد مرَّ بنا تعريف معني الغزل ومعني الرباعي اي مكونات ديوان شمس تبريزي الذي حظي باهتمام المستشرقين ومنهم البروفسور ادوارد براون المستشرق البريطاني الشهير الذي كان مهتما بشؤون الادب الفارسي واللغة الفارسية ويقول براون بخصوص هذا الديوان:
واهل الشرق لا يقراون ديوان جلال الدين الرومي او يدرسونه كثيراً كما يفعلون بالمثنوي، ولكن بعض المستشرقين الاوروبين يجعلون الديوان اعلا مرتبة من المثنوي، من ناحية صياغته الشعرية ومعانيه المبتكرة، وقد كان هذا راي جماعة من اكبر الادباء الذين عاصروا جلال الدين نفسه، ويدخل في عدادهم الشاعر الكبير سعدي الشيرازي صاحب البوستان والكلستان. انتهي كلام المستشرق براون.
ويتضمن ديوان شمس تبريزي اشعار جلال الدين الغنائية او الغزلية، ويقال ان جلال الدين انشاها في فقرة غياب شمس تبريز في مدينة دمشق، بينما يري آخرون ان جلال الدين كتبها رثاء له بعد موته اي بعد موت شمس ولنقل بعد مقتله وازاء هذين الرايين، هناك رأي ثالث للباحث نيكلسون لعله وقف موقف الوسط حينما اعتبر ان جزءا من هذا الديوان كتب في حياة شمس تبريز، ولكن اكثره تم بعد موته، والي هذا الرأي الاخير يميل المستشرق الانجيليزي براون.
وياتي وزن الرباعي علي وزن (مفعول مفاعيل، مفاعيل فعل)، ويذهب البعض الي ان الرباعي ذو منشأ تركي، وانه وجد طريقه من آسيا الوسطي الي ايران.
ويري الدكتور عيسي علي العاكوب في مقدمة كتابه رباعيات مولانا جلال الدين الرومي الذي تضمن ترجمة لرباعيات هذا الشاعر الي اللغة العربية ان هذا الاحتمال اي كون الرباعي من اصل تركي لم يجد تاييدا له في اي مصدر موثوق في الادوار السابقة.
واذا كان الرباعي من حيث القافية يقسم الي نوعيين اي الرباعي الكامل او المصرع والرباعي الخصي فان من صنوف الرباعي في الادب الفارسي صنفين هما:
اولاً: الرباعي العشقي او الرباعيات القديمة.
ثانياً: الرباعي الصوفي.
والي الصنف الثاني تنتمي رباعيات مولانا جلال الدين الرومي وجاء مجموع رباعيات مولانا الرومي في آخر ديوانه الكبير كليات شمس تبريزي، ورباعيات مولانا من أولها الي آخرها تتحدث عن رحلة الانسان الي الحق سبحانه وما يتقدم ذلك ويكتنفه ويعقبه وطيف الموضوعات والفكر الـتي تعالجها هذه الرباعيات واسع جداً، يشمل آفاق التجربة الروحية الواسعة جدا والملمح العام البارز في رباعيات مولانا من جهة الموضوع هو حال العاشق مع المعشوق وما يكتنف الصلة بينهما من وصال وهجر، وقبول وصد وغم واشتياق، وعلي الجملة كل ما يكتنف سير السالك في طريق الحق سبحانه.
وبودنا ان نسمعكم في هذا البرنامج نموذجاً من رباعيات مولانا في ديوان شمس تبريزي. يقول الرومي:
ياران، ياران، زهم جدائي مكنيد
در سر هوس گريز پائي مكنيد
چون جمله يگيد، دو هوائي مكنيد
فرمود وفا، كه بي وفائي مكنيد
واما ترجمة هذا الرباعي فهي:
ايها الاحبة، ايها الاحبة، لا تجنحوا الي الفراق
ولا تولوا الادبار امتثالا للهوي والعجب
ان كنتم علي وفاق واتحاد، فلا تكونوا مفترقي الأهواء
لقد امرنا بالوفاء، فلا تكونوا عديمي الوفاء
كانت هذه درة من محيط جلال الدين الرومي اثرنا ان يبصر بها القراء لعلها تغريهم علي الاندفاع الي الاعماق. اما نحن فسنبقي واياكم في رحاب جلال الدين المولوي نتناول حياته ومماته ونتاجاته الادبية والعرفانية فهو قد سلك الطريق الي الرحمن وهو شاعر العرفان.
*******