البث المباشر

استشهاد مسلم بن عقيل

الأحد 26 مايو 2019 - 14:00 بتوقيت طهران

لو أن دموعي استهلت دما

لما أنصفت بالبكا (مسلما)

قتيل أذاب الصفا رزؤه

وأحزن تذكاره (زمزما)

وأورى الحجون بنار الشجون

وأبكى المقام وأشجى الحمى

بسم الله الرحمن الرحيم...
مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله...
نقدم لكم تعازينا بمناسبة ذكرى استشهاد مسلم بن عقيل سفير الإباء والولاء للإمام الحسين عليه السلام في ملحمته الخالدة...
معكم وهذه الحلقة الخاصة بهذه المناسبة الأليمة من برنامج أعلام الهدى...

إن كنت تحزن لادّكار قتيل

فاحزن لذكرى (مسلم بن عقيل)

شهم تحدر من شلالة هاشم

خير البيوت علاً وخير قبيل


نعم مستمعينا الأفاضل، ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب في المدينة المنورة وترعرع في بيوت الوحي والتنزيل فغذاه عمه الإمام أميرالمؤمنين باب مدينة علم النبي (ص) بمواهبه وعبقرياته، وقد لازم السبطين ريحانتي رسول الله (ص) وانطبعت مُثُلهما في أعماق نفسه ودخائل ذاته، وتمتع سلام الله عليه بالصفات الفاضلة ومنها الإيمان بالله تعالى والشجاعة والإباء والصبر.
من العناصر النفسية التي تحلى بها الشهيد البطل مسلم، أنه كان من الرعيل الأول من أباة الضيم، فقد آثر العزة والكرامة وأبى الخضوع الى الذل والعبودية وتسلح بالصبر، فلم يحفل بما ألم به من مكاره الدنيا وخطوب الأيام، فقد أحاطت به أقسى المحن فلم يجزع منها، وقابلها بمنتهى الرضا وطمأنينة النفس.
فهو التلميذ المتربي في مدرسة أبي الأحرار وأبي الضيم ريحانة رسول الله (ص) الإمام الحسين (ع) القائل: "هيهات منا الذلة" وكذلك: " لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما".
لقد قام مسلم بن عقيل عليه السلام بدوره المبارك في إبلاغ رسالة سيد الشهداء، الإمام الحسين (ع) إلى جماهير الكوفة وأخذ البيعة منهم، ولكن مما يؤسف له، سرعان ما انقلبوا وانهزموا عنه بعد ما قام الطاغية إبن زياد، بنشر الخوف والإرهاب وإشاعة الذعر بين صفوفهم. فصمد، سلام الله عليه، في الميدان وحده يقاوم الظالمين والطغاة المستبدين حتى استشهاده مدوناً بذلك صورة مشرقة في البطولة والشرف والجهاد، وصفحة تأريخية خالدة في سماء الشهادة والعزة والكرامة، فهو الحي الذي يرزق عند ربه الرحيم.
قال تعالى: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" صدق الله العلي العظيم.
إخوة الإيمان..
لقد جلى مولانا الشهيد الخالد مسلم بن عقيل سلام الله عليه، أزكى القيم الإلهية في مواقفه وملحمته الخالدة التي سطرها في الكوفة وهو يواجه تخاذل المتخاذلين وشراسة عتاة الطغيان الأموي.
عن بعض ما جلاه هذا البطل الحسيني الخالد يحدثنا ضيفنا الكريم سماحة الشيخ جعفر العساف فلنستمع لما يقوله:
العساف: بسم الله الرحمن الرحيم عظم الله أجورنا وأجوركم وأجور المسلمين بذكرى شهادة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه. حقيقة مسلم بن عقيل ظهرت منه ملامح انسانية وربانية متعددة ومتنوعة، أشار اليه الامام الحسين عليه السلام ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك عندما بعثه الى اهل الكوفة بعد أن طالبوا الحسين عليه السلام بالقدوم اليهم فأرسل مسلم بن عقيل فعبر عنه بتعابير مهمة جداً تبين مكانة مسلم بن عقيل عندما عبر عنه الحسين عليه السلام "إني باعث اليكم أخي وإبن عمي وثقتي من اهل بيتي" ونحن نعلم اليوم الوزراء او الزعماء او حتى الدول عندما تبعث مبعوثاً وسفيراً لها إنما تختار من يمثلها بكفاءة ويعطي الإنطباع والصورة الحسنة عن الانسان الذي يكون ممثلاً به. لذلك مسلم بن عقيل رضوان الله عليه عندما يعبر الحسين عليه السلام عنه بأنه اخوه ويعبر عنه بأنه سفيره "وإني بتعث فيكم اخي وإبن عمي وثقتي" فعلاً هذه الثقة من الحسين عليه السلام كان بمحلها من مسلم بن عقيل لذلك كان يذكر في سيرته العطرة أنه حتى عندما دخل إبن زياد الى دار هاني بن عروة ليعوده وكان مريضاً، كانت حادثة جداً مفصلية في سيرة مسلم بن عقيل وفي وجوده في الكوفة حيث إمتنع عن الغدر بإبن زياد مع أنه كان قادراً على قتله والتخلص منه ولعل المعركة كانت قد يتغير مجراها بشدة ولكن يقال إن مسلم بن عقيل رضوان الله عليه وهذه من القيم الربانية لمسلم بن عقيل أنه إمتنع من الغدر بخصمه وعدوه. هو كان بحاجة شديدة الى مثل هذا الأمر في التوازن العسكري لذلك مسلم بن عقيل رضوان الله عليه عندما سئل عن هذا الأمر من إمتناعه عن الغدر قال إني سمعت أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول لعلي بن أبي طالب "أن الغدر والفتك ليس من الايمان". لذلك كان يقول عمه أبي طالب عليه السلام "والله لولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس". نستطيع القول إن من القيم الربانية لمسلم بن عقيل رضوان الله عليه تعامله مع تلك المرأة التي كانت تسمى طوعة، هذه الموالية لأهل البيت عليهم السلام، عندما جاء الى دارها كيف تجلت القيم الربانية عند جلوسه على باب دارها طلباً للماء، وكيف أراد أن يخرج من دارها عندما طلبت منه المغادرة ولكنها هي أبقته فيما بعد وأدخلته الى دارها عندما علمت بأنه مسلم بن عقيل سفير الحسين. الحقيقة أستطيع القول إن القيم الربانية تجلت في النصيحة، نصيحة مسلم بن عقيل للحسين عليه السلام حيث أنه كان صادقاً ومخلصاً أشد الاخلاص مع قائده وسيده الحسين عليه السلام وكذلك هناك أمر مهم جداً أن القيم الربانية دخلت أعماق قلبه بحيث أنه بقي وفياً أبن عمه الحسين عليه السلام بالرغم من أنه بقي وحيداً فريداً في أهل الكوفة وتخلى عنه أغلب اهل الكوفة وتخلوا وتخلوا حتى بقي مسلم بن عقيل وحيداً فريداً وغريباً في اهل الكوفة وبقي هو مصراً على القتال والشهادة ولم يخضع ولم يتنازل وهذا كله يدل على القيم العظيمة التي يصبر الكثير من الناس امامها عندما يسمع أن مسلم بن عقيل رضوان الله عليه بمثل هذه الصفات والأخلاق والثبات على ايمانه واخلاصه للحسين عليه السلام. الأمر الأخير الذي أحب أن أقوله من القيم الربانية لمسلم بن عقيل رضوان الله عليه في الكوفة هو امر مهم جداً تجلى عند المجيء به الى القتل، عندما جاءوا بمسلم بن عقيل رضوان الله عليه الى القتل والتخلص منه كان يبدي شغفاً وحباً بالحسين عليه السلام لذلك ينقل أن مسلم بن عقيل رضوان الله عليه كان يبكي عندما دخل على إبن زياد فسئل عن سبب بكاءه فقال "إن الذي طلب مثلما تطلب لايبكي اذا نزل به ما نزل بك" فقال "والله مالنفسي أبكي ولكن أبكي لأهلي المقبلين علي، الحسين وآل الحسين". وفعلاً كان آخر ماصدر من مسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليه أنه طلب منهم أن يصلي ركعتين ثم سلم على الحسين صلوات الله عليه، هذا قمة الاخلاق وقمة الوفاء من مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، إنها القيم الاخلاقية الربانية التي من الصعب توفرها في غير هؤلاء الذين إختارهم الله سبحانه وتعالى.
نشكر سماحة الشيخ جعفر العساف الباحث الاسلامي من لبنان على هذه المشاركة الولائية في برنامج اعلام الهدى في حلقته الخاصة بذكرى إستشهاد سفير الحسين عليه السلام الشهيد مسلم بن عقيل سلام الله عليه. نتابع تقديم هذا البرنامج من صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
بالإشارة إلى أن الشجاعة الإيمانية تجلت في مواقف السفير الحسيني الخالد، بأسمى صورها وأروع معانيها، فقد أحاطت به الوحوش الكاسرة من جيوش الأمويين، وهو وحده في أزقة الكوفة التي ليست فيها ساحة لعمليات الحرب، فاستقبلهم برباطة جأش وقوة بأس، فلم يحفل بجموعهم، وأبدى من البسالة ما يفوق كل وصف، فقد كانت كتائب ابن زياد تفر من بين يديه وقد ملأها الرعب والفزع وبهر قائد العملية الحربية، محمد بن الأشعث من بسالته، فاستنجد بسيده ابن زياد يطلب منه أن يمده بالرجال، فأنكر ابن زياد ذلك وقال له: بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به فثلم في أصحابك هذه الثلمة العظيمة.
فأجابه ابن الأشعث: هل بعثتني إلى بقال من بقاقيل الكوفة؟ وإنما بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كف بطل همام من آل خير الأنام.
فأمده بخمسمئة فارس آخرين.
وقد استعمل معه عتاة بني أمية أبشع أساليب الحرب الغادرة، فقد اعتلوا السطوح وجعلوا يرمونه بالحجارة وقذائف النار، بعد أن فشلوا في مواجهته، فقد أشاع فيهم القتل وألحق بهم خسائر فادحة وهو يضرب فيهم بسيفه ويقول متحمساً:

أقسمت لا أقتل إلا حرا

وإن رأيت الموت شيئاً نكرا


ذكر المؤرخون أن مسلماً، سلام الله عليه، لما أثخن بجراحات الحجارة والنار، أسند ظهره إلى جنب دار، فقال له ابن الأشعث: لك الأمان.
فقال مسلم: أأمن؟ قال ابن الأشعث: نعم.. فقال للقوم: ألي الأمان؟ قالوا: نعم. فأشهدهم على ذلك إتماماً للحجة عليهم وهو يعلم بعذرهم لكنه أراد أن يكشف للناس وللأجيال جميعاً حقيقة طواغيت بني أمية، فتوقف عن القتال، فأخذوه أسيراً تحف به الشرطة، وقد شهرت عليه السيوف، فلما انتهى به إلى قصر الإمارة لم يحفل بابن زياد ولم يعن به، فسلم على الناس ولم يسلم عليه.
والتاع الطاغية ابن زياد من احتقار مسلم له وتبدد جبروته، فصاح به: لا عليك سلمت ولم تسلم فإنك مقتول.
فانبرى إليه بطل عدنان قائلاً بكل ثقة واعتزاز نفس؛ " إن قتلتني فقد قتل من هو شر منك من كان خير مني".
وبهذا الكلام ألحقه مسلم بالجلادين والسفاكين من قتلة الأحرار والمصلحين. وقال ابن زياد لمسلم: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام.
فرد عليه سفير الإمام الحسين (ع): " إنك لا تدع سوء القتلة، وقبح المثلة وخبث السريرة، والله لو كان معي عشرة ممن أثق بهم وقدرت على شربة ماء لطال عليك أن تراني في هذا القصر... "
أدلى مسلم بحديث في القصر عن أسباب الثورة التي أعلنها الإمام الحسين (ع) على الحكم الأموي، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى حكم الكتاب والسنة وظل مسلم حتى الرمق الأخير من حياته عالي الهمة يجابه الأخطار ببأس شديد؛ فكان في دفاعه ومنطقه مع ابن زياد مثالاً للبطولات النادرة.
وآن للقائد العظيم أن ينتقل عن هذه الحياة بعد ما أدى رسالته بأمانة وصدق وإخلاص، وقد رزق الشهادة على يد الظالم ابن زياد فندب لقتله بكير بن حمران فقال له: خذ مسلماً واصعد به إلى أعلى القصر واضرب عنقه بيدك.
والتفت مسلم الى ابن الأشعث الذي أعطاه الأمان وقال له: " يا ابن الأشعث أما والله لو لا أنك آمنتني ما استسلمت، قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك" فلم يحفل به ابن الأشعث واستقبل مسلم الموت بصدر رحب وهو يسبح الله تعالى ويستغفره بكل طمأنينة ورضى.

وبكاه الحسين والآل لما

جاءهم نعيه بدمع همول

كان يوم على الحسين عظيماً

وعلى الآل أي يوم مهول


وكأن الشهيد مسلم بن عقيل يخاطب الإمام الحسين بالقول:

يا ابن بنت النبي إن فات نصري

يوم طعن القنا ووقع النصول

فولائي دليل أني قتيل

فيك إذ كنتُ بدء كل قتيل

باذلاً مهجتي وذاك قليل

في وداد البتول وابن البتول

مرة أخرى نعزيكم أيها المستمعين الكرام بمناسبة ذكرى استشهاد البطل الحسيني الخالد مسلم بن عقيل سلام الله عليه ونشكر لكم مرافقتنا في حلقتنا الخاصة بهذه المناسبة من برنامجكم (أعلام الهدى) تقبل الله أعمالكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة