البث المباشر

ليلة المبيت

الثلاثاء 28 مايو 2019 - 10:13 بتوقيت طهران

من عاضد المختار من دون الورى

من آزر المختار من آخاه

من بات فوق فراشه متنكراً

لما أظل فراشه أعداه

من خصه جبريل من رب العلا

بتحية من ربه وحباه


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد البشر محمد وآله الأطهرين. السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته.
نحييكم أينما كنتم خلال حلقة أخرى من برنامجكم أعلام الهدى... وفي مناسبة جديدة... ألا وهي ذكرى هجرة النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – الى المدينة المنورة في الأول من ربيع الأول وليلتها المعطاء ليلة المبيت نرجو متابعتكم الكريمة...
أيها المستمعون الأفاضل... أيتها المستمعات الفاضلات..
كان الإنفتاح الرسالي العظيم الذي قام به النبي – صلى الله عليه وآله – إثر المعاهدة التي أبرمها مع الأوس والخزرج في بيعة العقبة الثانية والذي كان نقطة انطلاق الدعوة الإسلامية الى العالم الأوسع، والخطوة الكبيرة لبناء المجتمع الرسالي المؤمن، بعد أن انتشر الإسلام في يثرب بجهود الصفوة من الدعاة المخلصين والمضحين من أجل الباري سبحانه ونشر تعاليم الإسلام، وبذا أصبح للمسلمين بقعة آمنة تمثل محطة مركزية ومهمة لبلورة العمل الثقافي والتربوي والدعوة الإلهية في مجتمع الجزيرة العربية.
وحين تمادى طغاة قريش في ايذاء المسلمين والضغط عليهم لإرغامهم على ترك الدين الإسلامي الحنيف وصرفهم عن نصرة سيد الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وآله – وحين كثر عتوهم واضطهادهم، أمر النبي – صلى الله عليه وآله – أصحابه بالهجرة الى يثرب، فقال: "إن الله قد جعل لكم داراً تأمنون بها وإخواناً"
فخرجوا على شكل مجاميع صغيرة وبدفعات متفرقة خفية عن أنظار قريش.
ومع كل المعاناة التي لاقاها النبي – صلى الله عليه وآله – من القريب والبعيد والضغوط والتكذيب والتهديد حتى قال – صلى الله عليه وآله - : "ما أوذي أحد مثل ما أوذيت في الله" فإن أمله بالنصر على الأعداء والنجاح من تبليغ الدعوة الإسلامية لم يضعف، وثقته المطلقة بالله عزوجل كانت أقوى من قريش ومؤامراتها، وقد عرفت قريش فيه – صلى الله عليه وآله – ذلك وتجسدت لديها الأخطار التي ستكشف عنها السنون المقبلة إذا تسنى لمحمد – صلى الله عليه وآله – أن يلتحق بأصحابه ويتخذ من يثرب مستقراً ومنطلقاً لنشر دعوته، فأخذوا يعدون العدة ويخططون للقضاء عليه قبل فوات الأوان على شرط أن لا يتحمل مسؤولية قتله شخص معين أو قبيلة لوحدها، فلا تستطيع بنوهاشم وبنوعبدالمطلب مناهضة القبائل جميعاً في دم صاحبهم فيرضون حينئذ بأخذ الدية.
أجل، كان القرار بعد اجتماع قريش في دار الندوة وقد كثرت الآراء بينهم أن يندبوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً معروفاً في قبيلته، ويعطى كل منهم سيفاً صارماً ثم يجمعون على النبي – صلى الله عليه وآله – في داره ويضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه، واتفقوا على ليلة تنفيذ الخطة، فأتى جبرئيل الى رسول الله – صلى الله عليه وآله – وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت في فراشه، وأذن له بالهجرة، فعند ذلك أخبر الإمام علياً بأمورهم وأمره أن ينام في مضجعه الذي كان ينام فيه، ووصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته، وقال له أيضاً: "إذا أبرمت ما أمرتك به فكن على أهبة الإستعداد للهجرة الى الله ورسوله، وسر لقدوم كتابي عليك" وهنا تتجلى صفحة من صفحات شخصية الإمام أميرالمؤمنين علي – عليه السلام – إذ استقبل أمر الرسول – صلى الله عليه وآله – بنفس مؤمنة صابرة مطمئنة، فرسم لنا أكمل صورة للطاعة المطلقة في أداء المهمات استسلاماً واعياً للقائد وتضحية عظيمة من أجل العقيدة والمبدأ، فما كان جوابه – عليه السلام – إلا أن قال للرسول – صلى الله عليه وآله – : "أو تسلم يا رسول الله إن فديتك نفسي؟"
فقال – صلى الله عليه وآله - : "نعم بذلك وعدني ربي" فتبسم الإمام علي – عليه السلام – ضاحكاً، وأهوى الى الأرض ساجداً، شكراً لما أنبأه به رسول الله – صلى الله عليه وآله – من سلامته.
ثم ضمه النبي – صلى الله عليه وآله – الى صدره وبكى وجداً، فبكى الإمام علي – عليه السلام – لفراق رسول الله – صلى الله عليه وآله -.

وأنت أنت الذي للقبلتين مع النـ

بيّ أول من صلى ومن ركعا

وأنت أنت الذي في نفس مضجعه

في ليل هجرته قد بات مضطجعاً

من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران مرة أخرى نحييكم أحبة الحق خلال هذه الحلقة الخاصة بليلة المبيت والهجرة النبوية المباركة... من برنامج أعلام الهدى ...
وقد يتبادر الى الأذهان هذا التساؤل ما هي الأسباب التي دعت أميرالمؤمنين علياً – عليه السلام – بأن يصبح أول فدائي في الإسلام وذلك بمبيته على فراش رسول الله – صلى الله عليه وآله -؟
يجيبنا عن هذا السؤال الدكتور وجيه فانوس المكفر الإسلامي من لبنان.
فانوس: اذا أردنا أن نعطي جواباً لهذا التساؤل فنحن نعيد قراءة الحدث ونجد أن امير المؤمنين سلام الله عليه علي بن أبي طالب كان هو اول فتى يؤمن بالاسلام ويتبع رسول الله وقبل هذا كان هو الولد الصغير الذي تربى في كنف رسول الله وفي عنايته ورعايته. من هنا فأن العلاقة بين ايمان الامام عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علاقة حميمة من عدة نواحي، من النواحي الشخصية، من النواحي العقائدية. هذا الأمران هما كما يمكن أن نقرأ الحدث وإنضم اليهما امر آخر عندما أصبح علي شاباً يحمل المسؤولية الايمانية والدينية بإعتناقه هذه العقيدة أراد أن يدافع عن الاسلام بدفاعه عن شخص نبي الاسلام، اذن هي علاقة التربية وعلاقة الايمان وعلاقة وعي المسؤولية. كل هذه الأمور جعلت من موقف الامام عليه السلام موقفاً مثالياً في الدفاع عن الاسلام وهو في طور البدأ بالدعوة وفي ضرورة حماية شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. هذا ما دفع الامام علي أن يكون الفدائي الأول، الاستشهادي الأول والدفاعي الأول في الاسلام وفي تاريخ الاسلام ولكن لم يكن موقف الامام سلام الله عليه من المبيت في فراش رسول الله الموقف الوحيد بل تبعته مواقف عديدة ومستمرة ولازالت منهاجية هذه المواقف موجودة في حياتنا حتى اليوم.
تحية طيبة لتواصلكم مستمعينا. كما نشكر الدكتور وجيه فانوس المفكر الاسلامي من لبنان على المشاركة القيمة.
أجل أحبة الخير والطيب.. عندما جاء الليل اتشح الإمام علي – عليه السلام – ببرد رسول الله – صلى الله عليه وآله – الذي اعتاد أن يتشح به، واضطجع في فراش النبي مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الجنان مبتهجاً بما أوكل إليه فرحاً مسروراً بنجاة الصادق الأمين، وجاء فتيان قريش والشر يملأ نفوسهم ويعلو سيوفهم، وأحاطوا ببيت رسول الله – صلى الله عليه وآله – فلما كان الثلث الأخير من الليل خرج النبي – صلى الله عليه وآله – من الدار وقد كان مختبئاً في مكان منها، ولما حانت ساعة تنفيذ خطتهم، هجموا على الدار، وكان في مقدمتهم خالد بن الوليد، فوثب الإمام علي – عليه السلام – من فراشه فأخذ منه السيف وشد عليهم فأجفلوا أمامه وفروا الى الخارج.
وبذلك كتب الله القادر السلامة لنبيه – صلى الله عليه وآله – والإنتشار لدعوته.. نعم.. بهذا الموقف الرائع والإقدام الشجاع والمنهج الفريد سن الإمام علي بن أبي طالب – عليه السلام – سنة التضحية والفداء لكل الثائرين من أجل التغيير والإصلاح والسائرين في دروب العقيدة والجهاد. لم يكن هم الأمير إلا رضا الله جلت قدرته وسلامة نبيه وانتشار دعوته – صلى الله عليه وآله – الكريمة فنزلت في حق الإمام – عليه السلام – الآية المباركة الشريفة:
"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ"
(صدق الله العلي العظيم)
كان مبيت الإمام علي – عليه السلام – على فراش حبيب اله العالمين – صلى الله عليه وآله – خذلاناً سافراً لقريش المعتدية، فقد خابت آمالهم وفشلت خططهم في قتل المصطفى – صلى الله عليه وآله – وكان فيها إرغام الشيطان وعلو شأن الإيمان... وقد باهى الله القدير الجليل بهذه التضحية ملائكته..
ها قد وصلنا مستمعينا الأماجد الى مرفأ الختام...
طيب الإستماع ورائعه هو من فضلكم... ولطف الباري شملكم... حياة طيبة نقية في انتظاركم... بعون الخالق الكريم وكرمه وهو المنعم علينا وعليكم، لكم منا أسمى وأصدق دعاء... والى اللقاء...

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة