ماذا أطل عوالم التكوين
فتجلببت أقمارها بشجون
هل قامت الأخرى فأظلم وجهها
ودهى الزمان وأهله بمنون
أم غاب عنها بدرها أو ما مضى
شمس الهداية من بني ياسين
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله الخالق العظيم والصلاة والسلام على حبيبه، حبيبنا المصطفى الأمين الصادق محمد وآله الطاهرين الأطيبين.
مستمعينا الكرام.. مستمعاتنا الكريمات.. السلام عليكم أينما كنتم ورحمة الله وبركاته، تحية لكم مع تقديم التعازي بمناسبة ذكرى استشهاد نجل الإمام الكاظم، الإمام الرضا عليهما السلام.. أعظم الباري تعالى لكم الأجر، تابعونا والحلقة الخاصة للمناسبة الأليمة هذه وبرنامج أعلام الهدى.
الإمام الرؤوف علي بن موسى (عليه السلام) هو الثامن من أئمة أهل البيت صلوات ربي عليهم، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وهم الثقل الذي لا يفارق القرآن الكريم، ولا يضل المتمسك بهما معاً وهم سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
مطهرون نقيات ثيابهم
تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا
اولئك القوم أهل البيت عندهم
علم الكتاب وما جاءت به السور
أجل.. أحبة أهل البيت، كانت شخصية ثامن الحجج ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلا وهي من صفاته وقد وهبه العزيز الحكيم جل شأنه ما وهب آباءه الطاهرين وزينه بكل مكرمة وحباه بكل شرف وجعله علماً لأمة جده يهتدي به الحائر ويسترشد به الضال وتستنير به العقول.
إن مكارم أخلاق الإمام الهمام الرضا (ع) نفحة من أخلاق جده الرسول الأكرم (ص) وهذا إبراهيم بن العباس يقول عن مكارم أخلاقه فيما يقول: (.. ما جفا أحداً قط ولا قطع على أحد كلامه ولا ردّ أحداً عن حاجة وما مد رجليه بين جليسه، ولا اتكأ قبله ولا شتم مواليه ومماليكه ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة وأكثر ذلك في الليالي المظلمة)
أجل مستمعينا الأفاضل..
لم يكن شيء في الدنيا أحب إلى الإمام الرضا (ع) من الإحسان إلى الناس والبر بالفقراء، وقد ذكرت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه، منها إنفاقه جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان، وذلك يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل قائلاً: إن هذا لمغرم.. فأجابه ثامن أئمة الحق المطهرة: "بل هو المغنم لا تعدن مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرما"
أيها الإخوة والأخوات.. قبسة من تجليات الأخلاق الإلهية والسجايا المحمدية في مولانا الإمام الصديق الشهيد علي الرضا ودوره في حفظ الدين الحق نستنير بها من خلال الإستماع معاً لحديث ضيفنا الكريم سماحة الشيخ نبيل الحلباوي كونوا معنا.
الحلباوي: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
لابد لنا بداية أن نقول إن الأئمة عليهم السلام إنما كانوا يقومون بدور عظيم في متابعة ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحفاظ عليه. من هنا فأنهم تخلقوا كما تخلق جدهم بأخلاق القرآن الكريم وإكتفوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول عنه ربه "وإنك لعلى خلق عظيم" وهذا هو روح عصمتهم، عصمتهم هو أنهم لم يصدر عنهم شيء إلا لله عزوجل. من هنا نجد أن الامام الرضا عليه السلام إتسم كجده وآباءه وأبناءه من الأئمة جميعاً بالشجاعة، وقد يقول قائل الشجاعة وهو قد قبل بولاية العهد؟ نقول نعم الشجاعة إن لم تتح لها أن تتجلى في ميادين القتال فإن تجلياتها في الميادين المعنوية لاتقل اهمية مما يوظفه من ولاية العهد المفروضة عليه كان قمة الشجاعة، فقد قبل ليثبت أنه له حقاً وخرج ليدل على امامته وعدم رغبته في الحكم ولم يتخذ قراراً لأن لايعطي شرعية لذلك الحكم القائم ولكنه كان دائماً وأبداً يعترض وينصح ويعظ وكان يكثر وعظ المأمون ويخوفه بالله مما يرتكبه من خلاف.
المحاورة: ما زلنا معكم مستمعينا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وبرنامج اعلام الهدى ونتقدم بالتعازي الى سيدنا ومولانا الحجة بن الحسن صلوات الله عليه بمناسبة ذكرى إستشهاد جده الامام الرضا عليه السلام شمس الرأفة والعطاء وشكراً لفضيلة الشيخ نبيل الحلباوي الباحث الاسلامي من سوريا شاركنا في هذه المشاركة التي استمعتم اليها.
لله يوم لإبن موسى زلزل
السبع الطباق فاعولت برنين
لله رزؤ هد أركان الهدى
من بعده قل للرزايا هوني
يوم به أضحى الرضا متجرعاً
سماً بكأس عداوة وضعون
أيها الأكارم، لقد كان الإمام الرضا (ع) يعلم بأنه سوف يقتل وذلك لروايات وردت عن آبائه الطاهرين عن الرسول (ص) إضافة إلى الإلهام الإلهي لشخصه الكريم، وذلك لوصوله إلى قمة السمو والإرتقاء الروحي، وحينما أراد المأمون إشخاص الإمام الرضا شمس الشموس إلى خراسان، جمع الإمام عياله وقال: (.. إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع، ثم فرقت فيهم إثني عشر ألف دينار، ثم قلت: أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدا)
وحينما أنشده دعبل الخزاعي قصيدته وانتهى إلى قوله:
وقبر ببغداد لنفس زكية
تضمنها الرحمن في الغرفات
فقال له الإمام: أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين فيهما تمام قصيدتك؟
فقال: بلى يا ابن رسول الله.. فقرأ (ع) البيتين واحدهما:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة
توقد في الأحشاء بالحرقات
فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟
فقال الإمام: قبري، ولا تنمضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري ...)
السلام عليك يا مولاي يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك الإمام الهادي والولي المرشد، أبرأ إلى الله من أعدائك وأتقرب إلى الله بولايتك صلى الله عليك ورحمة الله وبركاته.. ما زلنا معكم أيها المستمعون الأماجد ضمن برنامج أعلام الهدى والذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
لقد كان المأمون يخطط للتخلص من ثامن الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) حيث قال المأمون لبني العباس: (..فليس يجوز التهاون في أمره ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلا، حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه..) وذكر أن من الأسباب التي دعت المأمون إلى سم الإمام أنه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد.
روى احمد بن علي الأنصاري عن أبي الصلت الهروي قوله ضمن حديث عن إستشهاد الرضا – عليه السلام - : (.. وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا؛ فيسقط محله في نفوسهم، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم ومحلاً في نفوسهم، ثم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة، وكان الإمام الرضا (ع) لا يحابي المأمون في حق وكان يجيبه بما يكره في أكثر أحواله فيغيظه ذلك ويحقد عليه ولا يظهره له، فلما أعيته الحيلة في أمره إغتاله فقتله بالسم).
ختاماً نقرأ لحضراتكم، أيها الإخوة، الصلوات الخاصة بشمس الهداية الإمام الرضا (ع)؛ "اللهم صل على علي بن موسى الرضا المرتضى الإمام التقي النقي وحجتك على من فوق الأرض ومن تحت الثرى الصديق الشهيد صلاة كثيرة تامة زاكية متواصلة متواترة مترادفة كأفضل ما صليت على أحد من أوليائك".
نشكركم أيها المستمعون الأعزاء على متابعتكم هذه الحلقة الخاصة من أعلام الهدى والتي أعدت لحضراتكم بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام الرضا (ع).
أعظم الله تعالى لكم الأجر وتقبل سبحانه أعمالكم وذكركم لآل النبي محمد (ص) ولكم منا خالص الدعاء نترككم في أمان الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.