الله أي دم في كربلا سفكا
لم يجر في الأرض حتى أوقف الفلكا
وقد تحكم بالإسلام طاغية
يمسي ويصبح بالفحشاء منهمكا
قد أصبح الدين منه يشتكي سقماً
وما إلى أحد غير الحسين شكى
بسم الله الرحمن الرحيم
مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أعظم الله لكم الأجر بمناسبة ذكرى أربعينية الإمام الحسين (ع) وشهداء كربلاء المعطاء.. ها أنتم وهذه الحلقة الخاصة بهذه المناسبة الأليمة ومن برنامج أعلام الهدى.
أحبة الحق، بعد أن تمت الحجة على الإمام الحسين (ع) حينما راسله أهل العراق بالتوجه إليهم، إستجاب لهم واقفاً بوجه يزيد الطاغية الفاسق، وبعد أن إستجمعت ثورة أبي الضيم وأبي الأحرار كل الشروط اللازمة لبلوغ أهدافها السامية، نهض مستنفراً كل طاقاته وقدراته التي كان أعدها وهيأها في ذلك الظرف التأريخي في صنع ملحمته الخالدة، فحرك ضمير الأمة وأعادها لتسلك مسيرة رسالتها وبعث شخصيتها العقائدية من جديد، وسلب المشروعية من الحكام الطغاة ومزق كل الأقنعة الخداعة التي كانوا قد تستروا بها، وأوضح الموقف الشرعي للأمة على مدى الأجيال ولم يستطع الطغاة أن يشوهوا معالم نهضته، كما لم يستطيعوا أن يقفوا بوجه المد الثوري الذي أحدثه (ع) على مدى العصور.. ذلك المد الذي أطاح بحكم إشعاع رسالي لكل الأمم كما كانت القيم الرسالية التي طرحها وأكد عليها معياراً لتقييم كل الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة.
بالله لا أنسى إبن فاطم والعدا
تهدي إليه بوارقاً ورعودا
غدروا به إذا جاءهم من بعدها
أسدوا إليه مواثقاً وعهودا
قتلوا به بدراً فأظلم ليلهم
فغدو قياماً في الضلال قعودا
مستمعينا.. مستمعاتنا..
إن من أهداف الثورة الحسينية محاربة الحاكم الفاسد الظالم والإستجابة لرأي الجماهير الثائرة وعدم قبول الذل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح وإحياء السنة وإماتة البدعة.
ولم تكن نهضة أبي الأحرار وثورته حركة آنية أو ردة فعل مفاجئة؛ بل كان سيد شباب أهل الجنة في الأمة يمثل بقية النبوة فهو وريث الرسالة وحامل راية القيم السامية التي أوجدها الإسلام في الأمة وأرسى قواعدها، كما أن العهد قريب برحيل النبي (ص) الذي أكثر الثناء والتوضيح لمقام الإمام الحسين (ع) وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت مقاصد الأمويين الفاسدة تجاه رسالة خاتم المرسلين (ص) وأمته المؤمنة برسالته العظيمة وقد وقف أهل البيت (عليهم السلام) بصلابة وثبات يدافعون عن الحق والعدل وإحياء الرسالة المحمدية الأصيلة والمحافظة عليها بكل وسيلة ممكنة ومشروعة.
وفي عصر ثالث أئمة الهدى (عليهم السلام) كان لتراخي وفتور الأمة عن نصرة الحق إلى جانب تسلط المنافقين ونفوذهم في أجهزة الدولة دور كبير لإيجاد حالة مرضية يمكن تسميتها بفقدان الإرادة وموت الضمير، ومن ثم تباينت المواقف تجاه أسلوب الدفاع عن العقيدة الإسلامية وصيانتها وسيادة الحق والعدل.
واتفق الأعداء يوم عاشوراء على قتل الإمام الحسين (ع) وثلة من أهل بيته الكرام وصحبه الأبرار فخسروا الدنيا والآخرة، لكنه ظل ومتبعيه مناراً يشع خالداً في درب إحقاق الحق والحقيقة ونصرة الدين الحنيف.
ونحن نعيش، أحبة الإيمان، أيام الأربعين نستذكر الدور الخالد للإمام الحسين (ع) والصفوة الطاهرة من أهل بيته وأتباعه الذين قد حققوا ما عليهم وأدوا مسؤولياتهم الرسالية على أتم وجه، بيد أن بني أمية والضالعين في ركابهم، مدركون تماماً ما للإمام (ع) وآل البيت من مكانة رفيعة في نفوس المسلمين.. ومن أجل ذلك خططوا للتعمية وبذلوا كل وسعهم لإثارة الضباب حول القضية، لكي يمتصوا أي رد فعل متوقع فسخروا أجهزة إعلامهم المتاحة يومذاك لهذا الأمر، وقد تبنى الإمام السجاد (ع) وكرائم أهل البيت، كالسيدات زينب وأم كلثوم وفاطمة، سياسة إسقاط الأقنعة التي يغطي الأمويون وجوه سياستهم الكالحة الخطيرة بها، ومن هنا فإننا نلحظ بشكل لا غبار عليه أن الخطب والتصريحات التي مارسها الإمام زين العابدين (ع) وعقائل أهل البيت قد إنصب في العراق على مخاطبة ضمائر الناس وألفتوهم إلى جسامة الخطر الذي أحاق بهم، بعد شهادة سيد الشهداء (ع) وإلى حجم الجرم الذي ارتكبه بنو أمية بحق رسالة الله تبارك وتعالى، وهذا ما نلمسه في الخطب التي ألقيت في الكتل البشرية الهائلة التي إستقبلت أسارى آل محمد (ص) وها نحن نصغي إلى بعض ما قاله الإمام السجاد (ع) وهو يخطب في جموع أهل الكوفة في العراق: ((.. أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي، أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا تراث، أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخراً...)) وقال لهم فيما قال: ((أيها الناس.. ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهود والمواثيق والبيعة وقاتلتموه!! فتباً لكم لما قدمتم لأنفسكم وسؤاة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي..))
أما في الشام فقد تغيرت خطب الإمام زين العابدين (ع) وعقائل آل البيت، حيث هدفت إلى التوعية العامة على أهداف الإمام الحسين (ع) وإظهار مظلومية آل الرسول (ص) وتكثيف الولاء لهم.. إن رابع أئمة الهدى وآل البيت أدركوا مسؤولياتهم الرسالية والدور الذي أنيط بهم، فكانت كل خطبهم ومحاوراتهم ولقاءاتهم متسمة بالعمل على رفع طوق الغموض المفروض على حدث الساعة، وهو أن الإسلام الصحيح الذي سار على نهجه ريحانة رسول الله (ص) يرفض الحكم الأموي الذي ينأى في خططه ومهماته عن الخط الإسلامي الذي أراده الباري جل شأنه لعباده، ومن أجل ذلك وقف الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في دار الحكم الأموي وبحضور يزيد بن معاوية وكل معاونيه من رؤوس التحريف والإضلال وألقى بيانه الخالد مبيناً من هم السبايا وأي مقام رفيع يمثلون في دنيا الإسلام كاشفاً سياسة الأمويين الضالة.
رب سائل يسأل: مروي أن من علامات المؤمن زيارة الأربعين.. فما السر في ذلك؟
عن هذا السؤال يجيبنا سماحة الشيخ اديب حيدر مشكوراً.
حيدر: بسم الله الرحمن الرحيم زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام هذه الزيارة التي تجسد مظهراً من مظاهرالألتفاف العالمي والانساني حول النهضة الحسينية التي شكلت علامة بارزة في مسار الاسلام والحضارة الاسلامية لأنها هي النور الذي من خلاله يستطيع الانسان أن يرسم معالم الطريق لذلك الذي يتمسك بتعاهد ثورة الامام الحسين هو تعاهد للايمان الذي مثله الامام الحسين عليه السلام لأن الحسين هو سفينة المؤمنين ونجاة المؤمنين في هذا البحر المتلاطم بالأمواج فالامام الحسين عليه السلام علامة فارقة كالميزان لمن كان في جانب الامام الحسين وفي جانب الايمان ومن كان في الجانب الآخر كان خارج اطار الايمان فعلامة المؤمن هي من هذا الباب. ماذا يعني المؤمن؟ المؤمن هي درجة أرقى من المسلم لأن الاسلام الدرجة الأولى والدرجة الثانية الأعمق والأدق هي الايمان والله سبحانه وتعالى اعتبر الايمان هي الدرجة التي تنبع من منابع معرفية والايمان هو درجة من العلم عند الانسان بحيث تصبح هذه المعارف الالهية معارف حقيقية وإلتزامية تنبع منها كل السلوكات البشرية التي تنطوي على مسار الحياة فاليوم مسار الحياة من خلال الامام الحسين هو مسار الايمان، الايمان بالله والايمان بالرسول والايمان بالاسلام بالمعنى التطبيقي لاالاسلام بالمعنى التجريدي. فالامام الحسين ليس مجرد عنوان ايمان شكلي بل هو ايمان مضموني لأنه ضحى بنفسه وبعياله وبأطفاله واخوانه وأصحابه من اجل أن يرسم لدائرة للمؤمنين بحيث عندما تختلط عليهم الأشياء وتختلط عليهم المفاهيم فمن يرجع الى دائرة الامام الحسين، الامام الحسين هو ككاشف الذهب الذي يفحص به عيار الذهب فالامام الحسين هو كاشف عيار الايمان فمن كان مع الامام الحسين في سفينته، في ثورته كان من الناجين من المؤمنين حيث عبر الامام الراحل الخميني قدس سره الشريف بأن كل مالدينا هو من عاشوراء وكل ما لدى المؤمنين هو من عاشوراء لأن عاشوراء هي الطريق الفاصل والصراط الذي فصل بين كل الخطوط الذي حاول الكثير أن يزينوها بالكثير من المزينات ولكن الامام الحسين عليه السلام كان كاشفاً لهذه الألوان المزيفة ورسم الطريق الصحيح المنير للمؤمنين. فمن سلك درب الامام الحسين كان مؤمناً. كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، كربلاء الامام الحسين كربلاء الايمان فالذي يزور قبر الامام الحسين في الأربعين يكون شريكاً للإلتزام بالنهضة الحسينية لأن زيارة الأربعين شكلت في السنة التي اعقبت شهادة الامام الحسين عليه السلام شكلت رمزاً سنوياً ومساراً سنوياً وحاول الظلام أن يمنعوا هذه المسيرة وهذه المظاهرة ولكن بقيت هذه المظاهرة عنوان تحدي لخط الامام وضد الخطوط المنحرفة والملتوية.
نشكر سماحة الشيخ اديب حيدر على مشاركته القيمة هذه في برنامج، أعلام الهدى.
أيها الإخوة والأخوات... جاء في زيارة الأربعين، العشرين من صفر؛
السلام على ولي الله وحبيبه.. السلام على خليل الله ونجيبه.. السلام على صفي الله وابن صفيه.. السلام على الحسين المظلوم الشهيد.. السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات.
اللهم إني أشهد أنه وليك وابن وليك وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك أكرمته بالشهادة وحبوته بالسعادة واجتببته بطيب الولادة وجعلته سيداً من السادة وقائداً من القادة وذائداً من الذادة وأعطيته مواريث الأنبياء وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء.
أجل.. أحبة أهل البيت عليهم السلام، "علامات المؤمن خمس، صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين بالسجود والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم"
في ختام هذه الحلقة الخاصة بالأربعين من برنامج أعلام الهدى أعظم الله أجوركم ونعزيكم بمناسبة أربعينية سيد الشهداء (ع) والثلة الطيبة من أهل بيته وأصحابه الأبرار الذين بذلوا مهجهم دون الإسلام العظيم، نستودعكم الباري عزوجل ودمتم في رحاب القرآن والسنة الطاهرة وإلى اللقاء.