البث المباشر

عاشوراء

الثلاثاء 28 مايو 2019 - 10:05 بتوقيت طهران

أي رزء ألبس الكون نياحا

هوله قد ملأ القلب جراحا

أي خطب قد جرى في كربلا

لأسود صافحوا البيض الصفاحا

بأبي أفدى قتيلاً بالظما

وصريعاً أضرم الدنيا نياحا

بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناحت برحلك...
مستمعينا الكرام، السلام عليكم وأعظم الباري تعالى أجوركم وأجورنا بيوم عاشوراء وما شهده من أفجع المصائب التي نزلت بالحسين وآل رسول الله (ص)، بهذه المناسبة الأليمة نقدم لكم هذه الحلقة الخاصة من برنامج أعلام الهدى.
لقد عاصر الإمام الحسين، أبي الضيم، جده رسول الله (ص) وعاش في كنف الوحي والرسالة، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كأمه الزهراء وأبيه المرتضى وأخيه المجتبى عليهم صلوات ربي، فواصل – عليه السلام – جهودهم لمواجهة مؤامرات المنافقين لتحريف الدين المحمدي النقي بعد رحيل رسول الله – صلى الله عليه وآله – ومن هنا نجد سبط النبي (ص) يقف بكل شجاعة أمام هذا التآمر على الدين، ويضحي بأغلى ما لديه من أجل إحياء شريعة جده سيد المرسلين، محبطاً، بدمه الزكي، جهود الطغيان لمحور الرسالة المحمدية ومحققاً شهادة جده الرسول الخالدة في حقه: (حسين مني وأنا من حسين) وهو مصباح الهدى وسفينة النجاة كما وصفه خاتم الأنبياء المكرمين.

وسرت إلى المنية في كفاح

تقاسي الضيم والكرب الشدادا

ولما تثن عزمك نائبات

وأهوال أبت إلا ازديادا

ولم ترضخ لأرجاس أقاموا

بأرض الطف وافترشوا القتادا


إن الإمام الحسين (ع) يحمل روحاً صاغها الله سبحانه بالمثل العليا والقيم الرفيعة، فقاضت إباءً وعزة وكرامة، في مقابل ضعة نفسية يزيد الشريرة ونفسيات أزلامه، فخلد للأجيال صرخة الإباء بوجه الطغاة حيث قال: ".. لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما..".
بهذه الصورة الرائعة سن خامس أصحاب الكساء، سنة الإباء لكل من يدين بقيم السماء وينتمي إليها ويدافع عنها، فخرج يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب الإصلاح في أمة جده رسول رب العالمين المصطفى (ص).
ولقد اجتهد الأمويون أن يغيروا الصورة الصحيحة للرسالة الإسلامية والتركيب الإجتماعي للمجتمع المسلم، وعمدوا إلى إشاعة الفرقة بين المسلمين، والتمييز بين العرب وغيرهم، وبث روح التناحر القبلي والعمل على تقريب قبيلة دون أخرى من البلاط وفق مصالحهم الخاصة.
وكان للمال دور مهم عندهم في إشاعة الروح الإنتهازية والإزدواج في الشخصية والإقبال على اللهو. ولما كان لأهل بيت الرسالة الأصيلة الدور المحوري في تجذير القيم الإسلامية في وجدان الأمة، فقد سعى الأمويون بأسلوب مبرمج إلى محو ذكر آل بيت طه (ص).
وأخلص السبط الطاهر في قوله وعمله للرسالة السماوية ولتحقيق هدفها المنشود، فأخذ يفديها بكل غال ونفيس من أجل أن تحيى وتبقى كلمة الله هي العليا.
وقد صرح – سلام الله عليه – بأن رفضه لمبايعة يزيد وتعريض نفسه وعياله للمجزرة الفظيعة التي ارتكبها الطغيان الأموي في يوم عاشوراء يعبر عن مهمة مكلف بها إلهياً لحفظ الدين المحمدي مناراً لهداية العالمين فقال لما نصحه بعدم الخروج إلى العراق: "شاء الله أن يراني قتيلا" وقال عن إصطحابة عياله معه: "شاء الله أن يراهن سبايا" وقال: "أمرني رسول الله بأمر وأنا ماض له"...
عن هذه الحقيقة المحورية في الملحمة الحسينية يحدثنا ضيفنا الكريم "فضيلة الشيخ الدكتور علي العلي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة" فنستمع معاً:
العلي: بسم الله الرحمن الرحيم بطبيعة الحال عندما نتأمل في القضية او الموقف الحسيني وطبيعة خروجه وحركته الى يوم إستشهاده عليه السلام لابد أن نلحظ نقطة أساسية قبل أن نحكم على كل موقف او كل كلمة موجودة. هناك شعارات في الثورة الحسينية وفي كلمات الامام الحسين أساسية لايمكن أن يحيل عنها أي شخص فعندما قال "لم اخرج أشراً او بطراً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن أمر بالمعروف أنهى عن المنكر" هذه دلالة واضحة يعني كل شيء يتحرك تحت هذا الاطار، اذن كل شيء ممكن أن يحدث سواء كان سبياً او غيرها من الأمور، الحسين يعي المبرر الشرعي ويعي البعد الذي يتحرك فيه من موقع المسؤولية. يعني وصلت المسؤولية حداً أن تكون هي التصرف الحقيقي الذي تنطبق عليه قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. اذن كل هذا الذي ذكره الحسين "شاء الله أن يراني شهيداً" هو يخاطب عقول الناس بأن كل شيء بمشيئة الله لكن هناك سنن وأسباب ومسببات لذلك المسؤولية كإمام مفترض الطاعة لهذه الأمة تقتضي عليه أن يقدم المشهد بكامله، صورة الباطل كيف يريد أن يظلم الحق ولايمكن أن تتضح هذه الصورة إلا أن تكون كاملة الجوانب وإلا أن يكون خرج الحسين بمفرده وكانت الصورة تمثل الشخص ولايمثل إلا شخص لأن المسئلة أوسع من ذلك، هي مسؤولية امة ومسؤولية ثلة، هذه الثلة أرادت أن تطلب الحق سواء كانت فيها نساء او كان فيها أولاد فهي تمثل الشريحة الحقيقية لهم. اذن عندما اجابهم لم يدخل النقاش في مرحلة من الجدال، هناك وعي ممن إرتبط بالحسين وسأل عن هذا السؤال وكان السؤال إستفساراً ليس إلا وليس إعتراضاً بمعنى الإعتراض او سوء تشخيص لاسمح الله لمسه البعض عند الحسين. هذا من جهة، من جهة اخرى كل يوم نقرأ في القرآن الكريم "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" الحسين آخر كلمة ألقاها في خطابه مع جنده عندما قال "صبراً بني الكرام" اذا ربطنا "بني الكرام" مع "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" يتضح معنى التقوى ومعنى الكريم لذلك أراد الحسين أن يكون كل من معه بهذه الصفة وهي التقوى المتكاملة التي ترفع منزلة الانسان وتجعله متميزاً عن الآخرين والدليل على ذلك أن الخطاب الحسيني لم يفتر منذ إنطلاقة الحسين الى أن وصل الى مرحلة السبي، كان الخطاب الزينبي ايضاً بهذا النفس وبهذا البعد. اذن الوتيرة الواحدة تمثل مشروعاً متكاملاً، المشروع يتحرك بأبعاد إلهية والمشروع مبني على استراتيجية متكاملة لازلنا نحصد منها الى اليوم.
تقبل الله من فضيلة الشيخ علي العلي الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة هذه المشاركة في حلقة اليوم من برنامج أعلام الهدى والخاصة بذكرى واقعة عاشوراء المفجعة نتابع تقديمها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.

وكنت السيف يحصد كل وغد

أثيم عاث في الأرض الفسادا

وتجتاح الرذيلة إذ تفشت

وكاد الظلم يفترس العبادا

فكيف تغضن طرفك عن خصوم

أبوا للحق طوعاً وانقيادا؟

وكيف تبايع الجلاد يوماً

وقد ملأت جرائمه البلادا؟


أيها الإخوة الكرام.. أيتها الأخوات الكريمات...
لقد أصابت الأمة آنذاك حالة من الركود حتى أنها لم تعد تتحرك لإتخاذ موقف عملي واقعي تجاه الطاغية يزيد، رغم أن لجميع يعرف بماذا يتصف من رذائل الأخلاق والإلحاد، فتحرك الإمام الحسين (ع) ليجسد الموقف الرسالي الرافض للظلم والفساد، في حركة قوية واضحة مقرونة بالتضحية والفداء، من أجل العقيدة الإسلامية، لتتخذ الأمة الموقف ذاته تجاه الظلم والعدوان.
لقد كان تغييب الأئمة المضلين لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقدمة للتمهيد لخلافة إمام الفسق والفجور يزيد، وهذا ما واجهه سيد الإباء والشهداء الحسين – عليه السلام – بقوله: (ألا ترون أن الحق لا يعمل به أن الباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء الله) وكذلك قوله في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية حيث كتب له: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".
وفي يوم عاشوراء، وبعد أن قتل أصحاب الإمام الحسين (ع) وإخوته وولده والطالبيين، توجه سيد الإباء للشهادة مسطراً أسمى صور الشجاعة الحيدرية والمبدأية الإيمانية، قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، أن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب.
ولما عجزوا عن قتل الإمام الحسين (ع) لجأوا إلى أساليب الجبناء، فقد استدعى شمر بن ذي الجوشن الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة، وأمر الرماة أن يرموه فرشقوه بالسهام فأجحم عنهم، فوقفوا بإزالة وخرجت أخته العقيلة زينب الكبرى إلى باب الفسطاط فنادت قائد جيش الأعداء عمر بن سعد: ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ فلم يجبها بشيء.. فنادت: ويحكم! أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء.
ونادى شمر الفرسان والرجالة فقال: ويحكم! ما تنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب.. وقتلوه وسلبوه وأخذوا عمامته وسيفه وانتبهوا رحله فمادت الأرض واسودت آفاق الكون وامتدت حمرة رهيبة في السماء كانت نذيراً من الله تعالى لأولئك السفاكين المجرمين الذين انتهكوا حرمات الله وحرقوا الخيام وسلبوا حرائر النبوة وداست خيولهم صدر الإمام الحسين (ع) والشهداء في كربلاء، ووقفت حفيدة الرسول (ص) إبنة أميرالمؤمنين علي (ع) زينب (عليها السلام) على جثمان أخيها الشهيد وهي تدعو قائلة: (اللهم تقبل هذا القربان).
إن الإنسانية لتنحني إجلالاً أمام هذا الإيمان الذي هو السر الوحيد في خلود تضحية الإمام الحسين (ع) وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

أأنسى حسيناً والمنايا تحفة

وللدين يهدي نفسه ويجود؟

أبا التضحيات الغر، يا فخر هاشم

أبى أن يعيش الذل وهو وحيد

فثار بوجه الظلم يحدوه بأسه

بعزم كمتن السيف راح يذود

وأشهر بيض المشرفيات والقنا

بوجه العدا الزاكيات شهود


مرة أخرى نعزي، مستمعينا الأفاضل بهذا المصاب الجلل المحرق للقلوب والدامع للأعين ألا وهو ذكرى استشهاد سيد الأحرار الإمام الحسين (ع) وأصحابه الأبرار وبدور أهل بيته الكرام.. كنتم وحلقة أخرى من برنامج أعلام الهدى الخاصة بعاشوراء الإمام الحسين (ع).
وأعظم الباري تعالى أجوركم وأجورنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة