ضرام الوجد يقدح في الفؤاد
لرزء المرتضى المولى الجواد
إمام الهدى له شرف ومجد
علا بهما على السبع الشداد
بنى في ذروة العلياء بيتاً
أقر به الموالي والمعادي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه سبحانه نستعين
مستمعينا مستمعاتنا أينما كنتم سلام من الله عليكم ورحمة وبركات؛ أحر التعازي نقدمها لكم بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام محمد التقي الجواد (ع) وبهذه المناسبة الأليمة نقدم لكم هذه الحلقة الخاصة من (برنامج اعلام الهدى)،،، نرجوا المتابعة.
لقد حفلت حياة أئمة الهدى بأنواع الجهاد والصبر وتحمل جفاء أهل الجفاء وأشكال الأذى من أجل حفظ رسالات جدهم المصطفى (صلى الله عليه وآله) وإصالها للعالمين ولا يستطيع المؤرخون والكتاب أن يلموا بجميع زوايا سيرتهم العطرة، ومن هنا فإن محاولتنا هذه في هذه الحلقة هي إعطاء قبسات من سيرة وسلوك ومواقف أحد تلك الأنجم الزاهرة والأقمار المنيرة، ألا وهو الإمام الهمام التاسع محمد الجواد (عليه صلوات ربي وسلامه) ذلكم المعصوم الحادي عشر من أعلام الهداية والذي تمثلت كل جوانب الشريعة السمحاء المعطاء في حياته الكريمة الطيبة فكراً وخلقاً وسلوكاً.
الإمام أبو جعفر الجواد هو التاسع من أئمة أهل البيت الذين أوصى إليهم رسول الله (ص)، بأمر من الله تعالى، لتولي مهام الإمامة والقيادة، بعد أن نص القرآن على عصمتهم وتوارت السنة الشريفة بذلك.
وتجسدت في شخصية هذا الإمام الكريم التقي، كسائر آبائه الكرام، جميع المثل العليا والأخلاق الرفيعة التي تؤهل صاحبها للإمامة الرسالية والزعامة الربانية، حيث قلد الإمامة العامة وهو في السابعة من عمره الشريف وليس في ذلك ما يدعو الى العجب، فقد تقلد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام النبوة وهو في المهد وبهذا أثبت للعالمين صحة ما يذهب اليه أتباع مذهب أهل البيت في الإمامة بأنها كالنبوة منصب إلهي يهبه الله، جل شأنه، لمن يشاء ممن جمع صفات الكمال في كل عصر، فقد تحدى الإمام محمد الجواد (ع)، على صغر سنه، أكابر علماء عصره وعلاهم بحجته بما أظهره الخالق الرحيم على يديه من معارف وعلوم، أذعن لها علماء وحكام عصره بالإضافة الى احتفاء كبار العلماء والفقهاء والرواة به، وهو ابن سبع سنين، وانتهوا من نمير علمه ورووا عنه الكثير من المسائل العقائدية والفلسفية والكلامية والفقهية والتفسيرية الى جانب عطائه في سائر مجالات المعرفة البشرية.
لقد استطاع تاسع أئمة الحق بالرغم من قصر عمره الشريف (والذي لم يتجاوز الربع قرن أو زاد بقليل) استطاع أن يحقق أهدافاً جمة كبرى تصب في رافد الإسلام العذب.
أمسى ابن أكثم مذهولاً بما سمعت
أذناه منك، وأعيى نطقه الحصر
لقد ورثتم علوم الأنبياء وما
تضم في سرها الآيات والسور
قال الإمام الرضا (ع) للحسين بن بشار قبل ولادة إبنه الإمام الجواد (ع)؛
"والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ولداً يفرق به بين الحق والباطل"
وزاد في نص آخر: "حتى يولد ذكر من صلبي يقوم مثل مقامي يحيي الحق ويمحي الباطل"
وقال (ع) في يوم ولادة إبنه الجواد (ع):
"قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق الأبحار وشبيه عيسى بن مريم قدست أم ولدته..."
مستمعينا الأفاضل؛
وقد جاء سيرة مولانا الجواد سلام الله عليه، لكي تقدم عملياً أوضح الشواهد في تصديق ما قاله عنه والده الرضا (عليه السلام) فقد كان له أبلغ الدور في التمييز بين الحق والباطل وإظهار حقيقة تمثيل أئمة العترة النبوية لخط الأنبياء عليهم جميعاً صلوات الله.
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع له معاً من ضيفنا الكريم سماحة السيد حسن الكشميري.
الكشميري: حيا الله الأخوة المستمعين والأخوات المستمعات. الامام الجواد صلوات الله وسلامه عليه هو احد الامامين اللذين إنفتحا على خط الامامة بعمر مبكر بحيث يصدق عليهما ما صدق على النبي يحيى في نبوته. يقول سبحانه "وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً"في سورة مريم. الامام سلام الله عليه يمكننا تسميته بالامام المعجزة لأن إمامته إنفتحت على كل الواقع وهو في سن الطفولة والصبى لذلك تحيرت العقول، عقول العلماء والكتاب بعلمه الوافر وإستعداده للجواب على أعقد المسائل، إنبهر العالم لقدرة هذا الصبي على تبيان حكم الله في شريعته. لذلك استطاع الامام الجواد سلام الله عليه منذ هذا السن المبكر أن يثبت للعالم موقع الامامة وصلابة الامامة وأن الامامة هي أمر إلهي ولايمكن التعامل معها في اطار المعقول ومساحة التفكير وإنما هي خارج ذلك. المأمون بعد وفاة الامام الرضا عليه السلام وصل الى بغداد وشاهد ماشاهد من الامام الجواد وهو بذلك السن مما دفعه أن يكون مشغوفاً بعلم الامام ولما رآى من فضل الامام وبلوغ الامام في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل. نقرأ في المصادر مشهداً مهماً حينما إجتمع القاضي او كبير القضاة هكذا نقول قاضي القضاة يحيى بن الأكثم وكان قد اعد من أعقد المسائل ليسأل بها ذلك الفتى، وكان جواب الامام الجواد سلام الله عليه ولافرصة لذكر الجواب لأنه جواب مطول، كان جواب الامام محيراً للعقول وكل من كان حاضراً وكل من قرأ عن ذلك فهم أن الامام والإمامة ليسا من الأمور الطبيعية وإنما هي حالة إلهية وفيض إلهي، الله سبحانه وتعالى جعله إمتداداً لمشوار النبوة. فتزاحم العديد من أصحاب الأقلام والأفكار ليستفيدوا من علم الامام الجواد سلام الله عليه وهذا شكل إزعاجاً وقلقاً شديداً للسلطة العباسية وخصوصاً المعتصم العباسي الذي كان مصاباً بإحتقان شديد بالنسبة لتنصبه وعداءه لآل البيت فبدأ يعد الخطط ويفكر في القضاء على الامام وتصفية الامام بأسرع وقت. بالتالي الامام سلام الله عليه أستشهد على يد هذا الدكتاتور الظالم وهو في مقدمات وبواكير حياته في آخر شهر ذي القعدة الحرام وكان يوماً مأساوياً على كل من يعرف قيمة الامامة وقيمة الامام وعلى كل من له صلة بالعلم ومحبة المعرفة وعاشت المدينة المنورة يوماً أسوداً لأنه يوم ذكر الناس بيوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.
نشكر سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة على هذه التوضيحات ونتابع اخوتنا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم برنامج اعلام الهدى في حلقته الخاصة بذكرى إستشهاد مولانا تاسع أئمة اهل البيت عليهم السلام.
كتب شخص الى الإمام الجواد (ع) يسأله أن يعلمه دعاءً، كتب إليه:
"تقول إذا أصبحت وأمسيت (الله الله الله، ربي الرحمن الرحيم، لا أشرك به شيئاً) وإن زدت على ذلك فهو خير، ثم تدعو بما بدا لك في حاجتك، فهو لكل شئ بإذن الله تعالى، يفعل الله ما يشاء"
من أين يدرك من كانت معارفه
محدودة عالماً بالغيب يستتر
قد رام إطفاء نور الله (معتصم)
بمنهج شقة آباؤه الغدر
لا عافت النار أم الفضل حيث بما
قامت به يلتظي في روحنا شرر
سمت إمام الهدى فالأرض راجفة
منه ووجه السما من ذاك معتكر
مستمعينا الأكارم؛
أثريت في عصر الإمام الجواد (ع) كثير م نالشكوك والأوهام حول قضايا التوحيد وقد أثارها من لا جريحة له في الدين من الحاقدين على الإسلام لزعزعة العقيدة في نفوس المسلمين ولتشكيكهم في مبادئ الدين الحنيف، وقد أجاب التقي (ع) عن تلك الشبهات وفندها خير تفنيد، ومن بين ذلك:
سُئل الإمام أبو جعفر الثاني محمد بن علي: ما معنى الواحد؟
فقال (ع): المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية.
وسأله شخص عن الله قائلاً أنه يتوهم شيئاً عن الله، فقال (عليه السلام): نعم، غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك علي من شئ فهو خلافه، لا يشبهه شئ ولا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور من الأوهام؟
لقب الإمام أبو جعفر الثاني التقي بالجواد، لكثرة كرمه ومعروفه وإحسانه الى الناس، وقد ذكر المؤرخون قصصاً كثيرة من كرمه، منها: ما روى المؤرخون من أن أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه الى الحج، فهجم عليه جماعة م نالسراق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا الى يثرب انطلق أحمد الى الإمام محمد الجواد وأخبره بما جرى عليهم، فأمر (عليه السلام) له بكسوة وأعطاه دنانير ليفرقها على جماعته، وكانت بقدر ما نهب منهم.
أجل.. لقد شارك (ع) الناس في البأساء والضراء وواساهم في مصائبهم ومحنهم ومد يد المعونة الى فقرائهم وضعفائهم، وبهذا البر والإحسان دخل القلوب بغير استئذان وملك العواطف والمشاعر وأحبه الناس حباً جماً.
ويمثل الإمام التقي الجواد أروع صور الفضيلة والكمال، فلم ير في عصره من يضارعه في علمه وتقواه وورعه وشدة تحرجه في الدين.
أما عن شهادته فيقول المؤرخون أن زوجته أم الفضل ارتكبت جريمتها بحق الإمام الجواد (ع) عندما سقته السم؛ فقد روي أن المعتصم العباسي جعل يعمل الحيلة في قتل الإمام (ع) وأشار إلى إبنة المأمون بأن تسمه، فأجابته الى ذلك وجعلت سماً في عنب رازقي ووضعته بين يديه، وأثر السم في الإمام تأثيراً شديداً حتى استشهد ولسانه يلهج بذكر الله تعالى.
وجهز بدن الإمام فغسل وأدرج في أكفانه، وصلى عليه ولده وخليفته الإمام الهادي عليه السلام وحمل الجثمان الطاهر الى مقابر قريش وقد احتفت به الجماهير الحاشدة وازدحم عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه، وتذكر الخسارة العظمى التي أصابت المسلمين في فقدهم للإمام التقي (ع)، وحفر للجثمان العطر قبر ملاصق لقبر جده، سابع أئمة الهدى الإمام موسى الكاظم (ع)، فواروه فيه بعد أن خلد لهم القيم الإنسانية، وكل ما يعتز به الإنسان من المثل العليا الكريمة.
لقد استشهد الإمام الجواد (ع) سنة ۲۲۰ للهجرة وعمره خمس وعشرون سنة على ما هو المعروف وهو أصغر الأئمة الأطهرين الإثني عشر، سناً. وقد مضى حياته في سبيل عزة الإسلام والمسلمين ودعوة الناس الى رحاب التوحيد والإيمان والتقوى.
سلام عليه يوم ولد ويوم تقلد الإمامة وجاهد في سبيل ربه العظيم صابراً محتسباً ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
نعزيكم مستمعينا الأفاضل لمرات ومرات بهذه الذكرى.