البث المباشر

الامام الرضا عليه السلام وحفظ شريعة جده المصطفى صلى الله عليه وآله

الأحد 26 مايو 2019 - 13:40 بتوقيت طهران

يا زائراً قد نهضا

مبتدراً قد ركعنا

أبلغ سلامي زاكياً

بطوس مولاي الرضا

سبط النبي المصطفى

وابن الوصي المرتضى

بسم الله الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين.
مستمعينا الكرام سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات.
نحييكم أينما كنتم ونبارك لحضراتكم هذه الذكرى السعيدة ألا وهي ميلاد الإمام أنيس النفوس علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) وذلك في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة ۱٤۸ للهجرة.
فمبروك وألف مبروك، تبريكاتنا الخاصة لكم خلال برنامجكم هذا (أعلام الهدى).
الإمام الرضا (ع) هو من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وهم الثقل الذي لا يفارق القرآن الكريم ولا يضل المتمسك بهما معاً، وهم سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق.
وقد ولد ذلك الإمام الهمام في عصر المنصور العباسي بعيد استشهاد جده الإمام الصادق (ع) ونشأ في أكرم بيت وترعرع في أحضان أبيه الإمام الكاظم (ع) وعاش معه أكثر من ثلاثة عقود وعاصر قبل تسلمه أمانة الإمامة وبعدها كلاً من المنصور والمهدي والهادي والرشيد والمأمون من خلفاء بني العباس الذين لم يألوا جهداً في إطفاء نور هذا البيت الرفيع.
وقد فضح (عليه السلام) الأساليب المزيفة التي سلكها المأمون الذي رشحه للخلافة أولاً ثم فرض عليه قبول ولاية العهد ثانياً في عصر كانت الإنتفاضات العلوية تزلزل عرش العباسيين، وقد اغتنم الإمام الرضا (ع) هذا الظرف الذي جاءت به ولاية العهد على الوجه الأكمل بهدف نشر معالم الإسلام الحق وتثبيت دعائم أطروحة مذهب أهل البيت عليهم السلام ومتحدياً لكل الخطوط الفكرية المنحرفة التي روجها بنو العباس يومذاك.
لقد أشاد الإمام الكاظم (ع) بولده الإمام الرضا (ع) وقدمه على السادة الأجلاء من أبنائه وأوصاهم بخدمته والرجوع إليه، فقال لهم: "هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد (ص)، سلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقوله لكم، فإني سمعت أبي، جعفر بن محمد (ع)، يقول لي أن عالم آل محمد (ص) لفي صلبك، وليتني أدركته فإنه سميّ أميرالمؤمنين..."
وقال أبو نؤاس في مدح آل محمد –صلى الله عليه وآله-:

قيل لي أنت أشعر الناس طراً

إذ تفوهت بالكلام النبيه

لك من جوهر القريض مديح

يثمر الدر في يدي مجتنيه

فعلام تركت مدح ابن موسى

والخصال التي تجمعن فيه

قلت لا أهتدي لمدح إمام

كان جبريل خادماً لأبيه

قصرت ألسن الفصاحة عنه

ولهذا القريض لا يحتويه


وخرج الإمام الرضا (ع) يوماً فدنا منه أبو نؤاس وسلم عليه وقال له: ياابن رسول الله قلت فيك أبياتاً أحب أن تسمعها مني. فقال له: قل.
فانبرى أبو نؤاس قائلاً:

مطهرون نقيات ثيابهم

تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا

من لم يكن علوياً حين تنسبه

فما له في قديم الدهر مفتخر

اولئك القوم أهل البيت عندهم

علم الكتاب وما جاءت به السور

مستمعينا الأكارم،،، حان الآن موعدكم مع ضيف البرنامج سماحة (السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من قم المقدسة) ليحدثنا ويحدثكم عن بعض ما قام به مولانا الإمام الرضا (ع) في حفظ شريعة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) وتعيرفها للعالمين خلال فترة إمامته (عليه السلام) لنسمتع معاً لما يقوله:
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله. الدور الخاص للإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه تميز بمواقف وإفرازات جداً مهمة بالنسبة لإرساء العقيدة والتوحيد وكشف الغموض وبالتالي توحيد الكلمة. بعبارة اوضح الوضع الاسلامي من بعد الامام الرضا عليه السلام، الامام الثامن من أئمة اهل البيت عليهم الصلاة والسلام أصبح وضع الإمامية الإثنى عشرية رصيناً وغير قابل للتصدع لأن بعد وفاة كل امام من الأئمة سلام الله عليهم كانت تحدث حالات إنشقاق وحالات إنسلاخ ويتفرق هذا عن ذاك وذاك عن هذا، لكن ببركة جهود الامام الرضا عليه الصلاة والسلام وإستفادته من الفرص وحد هذا الأمر لذلك من بعد الامام الرضا عليه السلام لاتوجد هناك حالات تمزق او إنشقاق. ومن آمن وأقر بإمامة الامام الرضا عليه الصلاة والسلام استمر على ذلك حتى الامام الثاني عشر سلام الله عليه. هذا طبعاً من إنجازات الامام الرضا عليه السلام الكبيرة في إرساء مدرسة اهل البيت وصيانة وحدة الكلمة وجمع شمل الأمة، الامام الرضا عليه السلام وإن كانت مدة إمامته متوسطة لكن استطاع الامام بفضل الاعتماد على تلاميذ الامام الصادق جده وتلاميذ الامام موسى بن جعفر سلام الله عليهم أن ينشر معرفة اهل البيت ومدرسة اهل البيت وثقافة أهل البيت في أرجاء العالم الاسلامي، إعتمد الامام في ذلك أفراداً كانوا يحدثون بصدق وأمانة وأرسلهم الامام هنا وهناك. نلاحظ أن رحلة الامام الرضا عليه السلام التي فرضت عليه من المدينة المنورة الى مدينة سناباد مروراً بالبصرة ومروراً بقم ومروراً بمدن مهمة استغلها الامام الرضا عليه السلام لنشر حديث اهل البيت الذي هو حديث رسول الله والذي هو معدن السنة النبوية الأصيلة. فعرفت هذه الرحلة ببركات وفيرة وغزيرة وفي كل بلد كان يدخله الامام الرضا عليه السلام كان يستقبله الحفاظ، الخطباء، المتحدثون، أئمة المساجد، ائمة الجماعات والجمعة ويمسكون بقراطيسهم وأقلامهم وهم يستمعون الى احاديث الامام الرضا عليه السلام ورواياته عن أهل البيت. وفي هذا الصدد كان حديثه المشهور والمعروف بحديث السلسلة الذهبية "ولاية علي بن أبي طالب حصني او كلمة لااله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي" ثم أوضح الامام الرضا ذلك ليبدد بعض الغموض الذي كان يستغله البعض فقال "بشرطها وشروطها وأنا من شروطها" وبهذا أشار الامام الى موقع الامامة ودور الامامة وأن الامامة التي هي مكمل لدور النبوة هما اللذان يحفظان التوحيد بأجلى مصاديقه في فكر الانسان. لذلك كان له أثراً كبيراً ودوراً مشهوداً. إنتقل الامام الى سناباد وحدث له ماحدث هناك في مجلس المأمون حيث كان المأمون احضر له أكثر من أربعين عالماً وأربعمئة من رجالات الطوائف والأديان. ولانعرف قصد المأمون من ذلك إلا أنه أقحم الامام الرضا بمسائل محرجة أعدت له من قبل وخرج الامام الرضا بهذا منتصراً ورفرفت ببركات جهوده راية أهل البيت ولواء الاسلام على أرجاء المعمورة.
نزف لكم أجمل التبريكات بمناسبة ولادة الامام الرضا عليه السلام كما نشكر ضيفنا الكريم السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من قم المقدسة على هذه المساهمة ونتابع تقديم برنامج أعلام الهدى في حلقته الخاصة بمولد ثامن أئمة العترة عليهم السلام فننير قلوبنا بذكر بعض المناقب الرضوية.
أيها الأحبة، إن شخصية الإمام شمس الشموس الرضا (عليه السلام) هي ملتقى للفضائل بجميع أبعادها وصورها، فلم تبق صفة شريفة يسمو بها الإنسان إلا وهي من نزعاته، وهذا ابراهيم بن العباس يقول:
"ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (ع)؛ ما جفا أحداً قط ولا قطع على أحد كلامه ولا رد أحداً عن حاجة وما مدّ رجليه بين جليسه ولا اتكأ قبله ولا شتم مواليه ومماليكه ولا قهقه في ضحكه، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة وأكثر ذلك في الليالي المظلمة.
وذات مرة دخل جندي الحمام وكان فيه الإمام (عليه السلام) فأزاله عن موضعه وأمره أن يصب الماء على رأسه فاستجاب له الإمام، وجاء رجل وصاح بالجندي قائلاً: هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول الله!
فذعر ذلك الجندي وقال معتذراً: يا ابن رسول الله هلا عصيتني إذ أمرتك؟ فتبسم (عليه السلام) في وجهه وقال له برفق ولطف: إنها لمثوبة وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه.

يا طاوي البيد يرجو نيل مقصده

أرح بطوس تفز فيما ترجيه

إنزل وحيّ بها عني ضريح علا

أهل السموات ما زالت تحييه

فيه علي بن موسى لم يخب أبداً

لاج إليه ولا راج أياديه


أحبة الإيمان والخير،،، لم يكن في الدنيا أحب من الإحسان إلى الناس والبر بالفقراء، وقد ذكرت بوادر كثيرة من جوده وإحسانه، ومن ذلك أنه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان، في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل وقال له: إن هذا لمغرم.. فأجابه (ع): "بل هو المغنم لا تعدن مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً"
ووفد على الإمام الرضا (ع) رجل فسلم عليه وقال له: (أنا رجل من محبيك ومحبي آبائك وأجدادك (عليهم السلام) ومصدري من الحج وقد نفدت نفقتي وما معي ما أبلغ مرحلة، فإن رأيت أن ترجعني إلى بلدي، فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك، فقال له: إجلس رحمك الله وأقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة، فاستأذن الإمام منهم ودخل الدار ثم خرج ورد الباب وأخرج من أعلى الباب صرة وقال: أين الخراساني؟ فقام إليه، فقال (ع): خذ هذه المئتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك ولا تتصدق بها عني.
وانصرف الرجل مسروراً وقد غمرته نعمة الإمام والتفت إليه سليمان فقال له: جعلت فداك، لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه؟
فأجابه الإمام (ع): "إنما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله (ص) المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول.. أما سمعت قول الشاعر:

متى آته يوماً لأطلب حاجتي

رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه

وكان الإمام الرضا (ع) يكرم الضيوف ويغدق عليهم بنعمه وإحسانه مبادراً بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص فأخذ الإمام يحدثه في بعض الليل فتغير السراج فبادر الضيف لإصلاحه فوثب الإمام وأصلحه بنفسه وقال لضيفه: إنا قوم لا نستخدم أضيافنا.

يرومون طوساً جاد طوساً مجلجل

من السحب خفاق البوارق ممطر

فأكرم بها من بلدة قد تقدست

بصاحبها والجار بالجار يفخر


ومسك الختام نقرأ معاً الصلوات الخاصة بالإمام الرضا (ع):
اللهم صلى على علي بن موسى الرضا المرتضى الإمام التقي النقي وحجتك على من فوق الأرض ومن تحت الثرى الصديق الشهيد صلاة كثيرة تامة زاكية متواصلة متواترة مترادفة كأفضل ما صليت على أحد من أوليائك.
نشكركم أحبة الحق على حسن المتابعة لهذه الحلقة من برنامج أعلام الهدى الخاصة بذكرى المولد الشريف لثامن أئمة الهداية والصلاح، الإمام الرضا (ع).. مرة أخرى نبارك لحضراتكم هذه المناسبة السعيدة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة