أم حنون ترتقي
لأمومة أنى تطال
فهي الأمومة حينما
تسمو الى قمم الجبال
والغر ملك يمينها
وجميع ما تبغى تنال
ترعى لأحمد حقه
وتذود عنه بكل غال
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، أحبة الحق والإيمان سلام عليكم من الباري تعالى ورحمة وبركات.
نحييكم ونقدم لحضراتكم حلقة أخرى من برنامجكم " أعلام الهدى" وهي المختصة بذكرى رحيل سيدة أمهات المؤمنين، السيدة خديجة الكبرى (سلام الله عليها)، فعظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الذي تفطر له قلب حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله).
ولدت خديجة الكبرى وسط أسرة عريقة النسب وقد تمتعت بالذكر الطيب والخلق الكريم وكانت تتعبد لله بالحنيفية الإبراهيمية قبل الإسلام، فأبوها خويلد، نازع ملك اليمن حين أراد أن يحمل الحجر الأسود الى اليمن ولم ترهبه كثرة أنصاره دفاعاً عن المعتقد ومناسك الدين، وأسد بن عبد العزى (جدها) كان من المبرزين في حلف الفضول الذي قام على أساس نصرة المظلوم وقد شهد الرسول الأعظم (ص) لأهمية هذا الحلف وأيد القيم التي قام عليها.
أما والدتها فهي فاطمة بنت زائدة بن أصم، كانت سيدة جليلة مشهود لها بالفضل والبر.
عرفت (سلام الله عليها) بألقاب كثيرة تعكس عظيم نبلها وشديد قدسها، من هذه الألقاب: الصديقة، المباركة، أم المؤمنين، الطاهرة، الراضية والمرضية والكبرى، وهي العطوفة الحنونة، أم الأيتام كوثر الخلق وأم الزهراء وينبوع الكوثر..
وأشهر ألقابها التي عرفت بها في قريش قبل الإسلام هو لقب (الطاهرة) المبين وهي بذلك أحق وأحرى.
نشأت (سلام الله عليها) رشيدة في جميع أمورها، حسنة التدبير والتصرف في كل شؤونها، ذات فراسة قوية وهمة علية، لها نظر ثاقب ومعرفة دقيقة بالعواقب، أغناها الباري تعالى بسعة النعم ومن عليها ذوالجلال بكثرة الأموال فأنفقتها كلها لله تعالى نعم، وقد ظهرت أسرار أخلاقها المرضية وأوصافها الحسنة الزكية فيما بلغته بين قومها في الجاهلية من مكانة علية ورتبة سنية.
يقول عنها ابن هشام صاحب المصنف الشهير في السيرة النبوية:
" خديجة صاحبة النسب الكريم والشرف الرفيع والثروة والمال وأحرص نساء قريش على صون الأمانة والتمسك بالأصول الأخلاقية والعفة والكرامة الإنسانية، فهي التي تربعت على قمة الشرف والمجد"
والذهبي هو رائد علم الرجال عند العامة، يقول فيما يقول عن هذه الشخصية الفذة: حكيمة قريش، من قبيلة أسد، عظيمة القدر، ذات دين ومروءة وعزة، من نساء الجنة وإحدى النساء اللائي تربعن على قمة الكمال.
ويقول ابن حجر العسقلاني: "لقد صدقت خديجة في اللحظات الأولى لبعثة الرسول الأكرم (ص) وكان رسوخ إيمانها وثبات قدمها نابعين من يقين تام وعقل راجح وعزم راسخ"
ويقول السهيلي، صاحب التصانيف الكثيرة في السير والمغازي: " خديجة سيدة نساء قريش، لقبت بالطاهرة في الجاهلية والإسلام.
كان لابد لمثل شخصية النبي محمد (ص) التي فاقت كل شخصية من الإقتران بإمرأة تناسبه وتتجاوب مع عظيم أهدافه وقيمه تواصل معه رحلة الجهاد والعمل المضينة وتصبر على متاعبه ومصاعبه، فاختار الله له أفضل من يقوم بهذه المهمة وهي السيدة خديجة بنت خويلد، وشاء الله تعالى ذلك فاتجه قلبها بكل عواطفه نحو الصادق الأمين وتعلق بشخصه الكريم، فاختارت محمد (ص) لما عرفت فيه من النبل ومكارم الأخلاق والسجايا الفاضلة والقيم العالية، فطلبت النزول في ساحة عظمته واختارها لتدينها وخلقها الرفيع وذكرها الطاهر.
ولا يختلف أهل العلم أن رسول الله (ص) لم يتزوج قبل البعثة غير السيدة خديجة ولا تزوج غيرها خلال حياتها الشريفة.
وتحل بعثة أحمد
فتهب سعياً للنضال
أعطته ما ملكت يداها
من أمارات ومال
وجميع ما يزجي إليها
من مفاتيح النوال
لقد أصبحت دار السيدة خديجة الكبرى مهبط الوحي والتنزيل مولد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، سيدة نساء العالمين، وخديجة الكبرى قد نصرت الإسلام بأموالها وأنفاسها الزاكية حتى قيل: ما قام الإسلام إلا بخلق محمد (صلى الله عليه وآله) وسيف علي وأموال خديجة..
مستمعينا الأفاضل، كيف كان موقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند وفاة زوجته الطاهرة؟ وما الذي يعبرعنه؟ وما الذي يكشفه عن منزلتها عند الله وعند رسوله (صلى الله عليه وآله)، هذا السؤال نعرضه على سماحة السيد حسن الكشميري لنستمع لإجابته.
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله. خديجة بنت خويلد رضوان الله تعالى عليها هي رابعة النساء اللاتي وصفهن رسول الله صلى الله عليه وآله بأنهن أكمل النساء وخديجة بنت خويلد كانت مثالاً للوعي الرسالي، عاشت أجواء الاسلام عقيدة وسلوكاً وهدفاً. وهي التي خطبت النبي بعكس السيرة المتبعة والنبي صلى الله عليه وآله كان يشعر ويقرر بذلك في أحاديثه بأنها الوتد الثالث من الأوتاد التي قام الاسلام عليها وانتشر. "ماقام الاسلام إلا بسيف علي بن أبي طالب وأموال خديجة بنت خويلد" جهادها على الصعيد المالي. وقفت مع النبي صلى الله عليه وآله موقفاً متفانياً سواء قبل البعثة او بعد البعثة. قبل الهجرة بثلاث سنين في شعب أبي طالب عندما حصر النبي صلى الله عليه وآله مع المسلمين فكانت تبذل الأموال المضاعفة لتأمين الغذاء ضماناً لحياة رسول الله. لذلك لاغرو أن يحزن النبي صلى الله عليه وآله عليها، النبي حزن عليها حزنين، حزناً لفقدها والفراغ الذي تركته وحزناً لتأثره على يتم إبنته فاطمة الزهراء. الزهراء سلام الله عليها بعد وفاة أمها خديجة كانت تمسك بأذيال أبيها رسول الله وتقول أين أمي يا أباه؟ فهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وقال له أبلغ إبنتك فاطمة أن أمها خديجة في الجنة وأن الله بنى لها بيتاً في الجنة لاصخب فيه ولانصب، لؤلؤ مكلل بالذهب. غياب خديجة رضوان الله عليها جاء بعد وفاة أبي طالب بأيام لذلك تفاقم الحزن عند النبي صلى الله عليه وآله وشعر بوحشة وفراغ كبير لفقدان هاتين الشخصيتين لذلك كان يقول "مازالت قريش تاعة عني حتى مات عمي أبو طالب وتلته خديجة وكان النبي كلما ذكرها يترحم عليها بشكل خاص ولاينسى جهادها وجهودها. المجال ضيق والحديث في هذا طويل، نسأل الله لهذه الشخصية أسمى آيات الرحمة والرضوان ودمتم.
المحاور: نشكر سماحة السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة ونواصل معكم برنامج اعلام الهدى من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
أيها الأخوة والأخوات؛ روي عن أبي رافع قال: أول من أسلم من الرجال علي بن أبي طالب (ع)، وأول من أسلم من النساء خديجة (س).
وأخرج أحمد وابن سعد عن عفيف الكندي قال: جئت في الجاهلية الى مكة وأنا أريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها، فنزلت على العباس بن عبد المطلب، فأنا عنده وأنا أنظر الى الكعبة وقد حلقت الشمس فارتفعت، إذ أقبل شاب حتى دنى من الكعبة فرفع رأسه الى السماء فنظر، ثم استقبل الكعبة قائماً مستقبلها، إذ جاء غلام حتى قام عن يمينه، ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى جاءت إمرأة فقامت خلفهما ثم ركع الشاب فركع الغلام وركعت المرأة ثم رفع الشاب رأسه ورفع الغلام رأسه ورفعت المرأة رأسها، ثم خر الشاب ساجداً وخر الغلام ساجداً وخرت المرأة، فقلت يا عباس إني أرى أمراً عظيماً، فقال العباس: أمر عظيم، هل تدري من هذا الشاب؟ قلت: ما أدري، قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، هل تدري من هذا الغلام؟ قلت: لا ما أدري. قال: هذا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخي، قال: هل تدري من هذه المرأة؟ قلت: لا ما أدري. قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي هذا.
إن ابن أخي الذي ترى حدثنا أن ربه رب السموات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة، قال عفيف فتمنيت بعد أني كنت رابعهم.
لقد تشرفت أم المؤمنين خديجة بعشرة سيد المرسلين (ص) فازت و بخدمته وشهدت يوم بعثته وقامت بتأييده في دعوته ومؤازرته ونصرته، فأكرمها رب العزة إذ أرسل لها سلامه مع جبريل السلام فقال: يا محمد هذه خديجة قد أتتك بأناء فيه أدام وطعام فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربها ومني السلام، فلما بلغها قالت: "الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام"
ومن خصائصها أن جبريل بشرها ببيت في الجنان إذ قال ذلك الملك المكرم للنبي (ص) بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ومن فضائلها الغراء أنها وقفت مع النبي (ص) في السراء والضراء ولم ترض أن تتركه.
في محنة المحاصرة في شعب أبي طالب قد خلت معه الشعب متابعة إياه وكم ذاقت معه وأصحابه مرارة العطش والجوع فيحق للتاريخ أن يحني رأسه أمام جلالها ويتوج صحائفه بكريم فعالها؛ كيف لا وقد قال عنها الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ "...لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس وآوتني إذ رفضني الناس وواستني إذ حرمني الناس ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء".
وقال (صلى الله عليه وآله): "لم يرزقني الله زوجة أفضل من خديجة أبداً" " لقد رزقت حبها فأنا أحب من يحبها" " يا خديجة إن الله عزوجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً" خير نساء الجنة مريم بنت عمران، آسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (ص)...
وفي العاشر من شهر رمضان المبارك من السنة العاشرة للبعثة الشريفة رحلت أم المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام الى دار الآخرة، ولما حضرتها الوفاة قالت لرسول الله (ص): يا رسول الله أعف عني إن قصرت في حقك، فقال : حاشا، ما رأيت منك إلا خيراً وقد سعيت كل سعيك وتحملت الأذى وبذلت مالك في سبيل الله"
فسلام على مولاتنا سيدة أمهات المؤمنين خديجة الكبرى يوم ولدت ويوم رحيلها الى بارئها الكريم راضية مرضية.. نعزيكم مرة أخرى مستمعينا الأفاضل بذكرى وفاة السيدة خديجة بنت خويلد وضمن هذه الحلقة الخاصة بذلك وهي من حلقات برنامج أعلام الهدى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.