شمس الضحى خجلت فعادت نجمة
ماعاد يظهر في السماء الفرقد
يوم به التاريخ طأطأ رأسه
وغدت به أوراقه تتبدد
يوم به السجاد أشرق نوره
الله اكبر أي طهر يولد
بسم الله رب العالمين، الرحمن الرحيم وبه تعالى نستعين..
أحبة الخير والإيمان السلام عليكم.. طبتم وطابت أوقاتكم وسعُدت وسعدتم بمولد رابع أئمة أهل البيت عليهم السلام، الإمام زين العابدين.
ها نحن معكم والحلقة الخاصة بالمولد الشريف المبارك والسعيد هذا من برنامجكم (أعلام الهداية)، كونوا معنا وهذه الفرحة السجادية.
الإمام علي بن الإمام الحسين (ع) رابع أئمة الهدى، جده أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وصي رسول الله (ص) وأول من آمن برسالته، وجدته فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت رسول الله (ص) وبضعته وفلذة كبده، سيدة نساء العالمين.
وأبوه الإمام الحسين (ع) أحد سيدي شباب أهل الجنة، سبط الرسول وريحانته وأمه الطاهرة النقية وهي كما جاء في أعلام الورى، إسمها شاه زنان وقيل شهربانويه.
ولد الإمام علي بن الحسين (ع) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، وارتوى من نمير العلوم النبوية واستقى من ينبوع المعارف الإلهية، فاختاره الله عزوجل إماماً في الدين ومناراً في العلم ومرجعاً لأحكام الشريعة وعلومها، فكان مثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى.
وكنيته، أحبة الإيمان، أبومحمد، ويكنى بأبي الحسن وأبي القاسم أيضاً، أما ألقابه الشريفة فهي؛ سيد العابدين وزين العابدين والسجاد وذوالثفنات والزكي والأمين والخاشع والزاهد والبكّاء.
بالبشر وافى الكائنات المولد
والذكريات غدت به تتجدد
وجه الحياة به تلألأ مشرقاً
والكون عاد بنوره يتوقد
واستنشق الأحياء طيب عبيره
فبدت عليهم جذوة لا تخمد
إتجه الإمام السجاد (ع) طوال فترة إمامته الإلهية الى ترسيخ الدين والأخلاق وذلك بطرق عدة منها؛
العبادة والدعاء، فأهدى الأمة صحيفته التي عرفت بزبور آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وقد اشتملت على صفو المعارف الإلهية التي تهدينا الى النظم الشرعي لعلاقات الإنسان بالخالق تبارك وتعالى وبالمخلوقين.
كما بلور الإمام قوة أهل بيت الرسالة واقفاً في وجه التحريف الأموي للإسلام وقدم الإسلام المحمدي الأصيل للأمة مقابل الإسلام الأموي المشوه، وتأثر بشعاعه الوضاء فئات واسعة من الأمة ومازالت جموع الناس تنهل من نميره العذب.
وأخبر رسول الله (ص)، كما روى الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع، إنه سيولد للحسين (ع) ولد يسميه علياً، ينادى يوم القيامة بزين العابدين، فقد كان الزهري إذا حدث عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام قال: حدثني زين العابدين علي بن الحسين. فقال له سفيان بن عيينة: ولم تقول له زين العابدين؟ قال: لأني سمعت بن المسيب يحدث عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قال: "إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين، فكأني أنظر الى ولدي علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب يخطر بين الصفوف"
مستمعينا الكرام؛ وقد سمي (عليه السلام) بالسجاد لأنه ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة إلا سجد، ولا دفع الله عنه شراً يخشاه أو كيد كائد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين إثنين إلا سجد؛ وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك.
عيد ميلاد ابن سبط المصطفى
غمر الدنيا سروراً وهناءا
جددت تاريخه مسرورة
أمة فاضت ولاءً ووفاءا
مستمعينا الأفاضل، نتابع لقاءنا الخاص بمولد مولانا الإمام زين العابدين (عليه السلام) بالإستماع لضيفنا الكريم سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من بيروت وهو يحدثنا عن نهج إمامنا السجاد (عليه السلام) في تربية الأمة وهدايتها الى الحياة الكريمة كمقدمة للتأسي به في ذلك، لنستمع معاً لما يقوله في هذا الشأن؛
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم من دون أدنى شك أن شخصية الامام زين العابدين شخصية جاءت في ظروف خاصة جداً وقد كان البارز في هذه الشخصية توجهها نحو الدعاء والعبادة. ومن الأمور الواضحة والبارزة التي يمكن أن نسلط الضوء عليها هو زبور آل محمد المتمثل بهذه الأدعية، الصحيفة السجادية التي صدرت من هذا الامام الكبير لذلك نحن عندما نريد أن نتوجه الى الامام زين العابدين دراسة وبحثاً فإننا نجد أنه إستعمل هذا الأسلوب، أسلوب الدعاء والعبادة ليحافظ أولاً على الاسلام وعلى قيمته الأساسية المتمثلة في روح العبادة والدعاء. وثانياً في هذا الجانب الذي أراد أن يبرزه وأراد أن يوجه المسلمين الى هذا النحو من التعبد والى هذا النحو من الزهد والى هذا النحو من العرفان ليكون الاسلام منيراً في كل الأبعاد. نحن نعلم أن كل امام كان يبرز بعداً من أبعاد الاسلام وبعداً من أبعاد الدين وكانت روحه تتجلى في هذا البعد وعندما ننظر الى الامام زين العابدين سلام الله تعالى عليه فإننا ننظر الى بعد العبادة كأرقى ما وصل اليه الاسلام في هذا المجال وفي هذا المستوى لذلك عندما نريد أن نبين روح العبادة الحقيقية في الاسلام فإننا نتوجه الى الامام زين العابدين، عندما نريد أن نبرز روح الدعاء الأصيلة في الاسلام فإننا نتوجه الى الامام زين العابدين لنغترف من هذا المعين الكبير الذي وجه المسلمين جميعاً الى معاني ودقائق وأسرار عرفانية ومعنوية لايمكن الحصول عليها إلا من خلال اهل البيت سلام الله تعالى عليهم الذين عصمهم الله والذين فاخر بهم الأمم نتيجة ما أظهروه لنا من كرم العطاء والجهاد والعبادة والعرفان.
شكراً لمساهمة سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من بيروت في برنامج اعلام الهدى في حلقته الخاصة بمولد رابع أئمة العترة المحمدية عليهم السلام.
أعزائنا.. لقد تبلورت حياة الإمام الهمام السجاد (ع) في استمراره على نهج الرسول العظيم فتفاعلت معه الأمة كعلم الهداية ومصباح لإنارة الدرب للسالكين المؤمنين، فهو من الأدلاء على ربه الكريم وعلى مرضاته ومن المستقرين في رحمة الله سبحانه والتأمين في محبته والذائبين في الشوق إليه والسابقين الى تسلق قمم الكمال الإنساني المنشود.
تعرضت الأمة الإسلامية في عصر رابع أئمة التقى (عليهم السلام) جميعاً لخطرين كبيرين؛ الأول: الإنفتاح على الثقافات المتنوعة بشكل قد ينتهي بالأمة الى فقد أصالتها، فلابد من عمل علمي يؤكد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيتهم التشريعية المتميزة المستمدة من الكتاب والسنة، وكان لابد من تأصيل للشخصية الإسلامية كي تسير في طريق القرآن والعترة، الثقلين الأكبر والأصغر.
أما الخطر الثاني الذي هدد الأمة الإسلامية، فهو موجة الرخاء والإنسياق مع ملذات الدنيا والإسراف في زينة الحياة المحدودة وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية عموماً.
وقد اتخذ الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) من الدعاء أساساً لدفع الأخطار التي أرادت النخور في الشخصية الإسلامية وهزها، وأصبحت ومازالت الصحيفة السجادية تعبيراً صادقاً عن عمل إجتماعي واسع عظيم وتراث فريد على مر الدهور ومصدر عطاء ومشعل هداية، بل مدرسة أخلاق وتهذيب في سماء الحق والحقيقة.
الأخلاق الإلهية في سيرة مولانا زين العابدين (عليه السلام) ما روي أنه سبه لئيم فأشاح (عليه السلام) بوجهه عنه، فقال اللئيم إياك أعني.. وأسرع الإمام قائلاً: وعنك أغضي" وتركه ولم يقابله بالمثل.
ومن عظيم حلمه أن رجلاً افترى عليه وبالغ في سبه، فقال (ع) له: "إن كنا كما قلت فنستغفر الله وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك"
وأما عن سخاءه وتعامله الطيب مع الفقراء وعطفه عليهم فحدث ولا حرج.. فكان يحتفي بالمعوزين ويرعى عواطفهم ومشاعرهم وإذا قصده سائل رحب به، وكثر عطفه وحنانه عليه.
وكان يناول المساكين الطعام بيده ويحمل لهم الحطب على ظهره، وكان ينهى عن رد السائل، وإما تصدقه على الفقراء لإنعاشهم ورفع بؤسهم، فهو مشهود ومعروف وحثه على الصدقة كبير وكثير وذلك لما يترتب عليها من الأجر الجزيل، فقد قال (ع): " ما من رجل تصدق على مسكين فدعا له المسكين بشيء في تلك الساعة إلا استجيب له"
وإن تصدقه هو بما يحب فيسئل عن ذلك عندما يتصدق باللوز والسكر، وكان يحبهما، عندئذ يتلو قوله تعالى: ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
وأما مقارعته للأعداء فهو مشهود أيضاً للإمام السجاد (ع) نظيرة موقفه في مجلس ابن زياد وهو أسير، وكذلك بخطبته الشهيرة في الشام أمام يزيد الطاغية.
أجل أحبة الحق.. لقد حمل الإمام السجاد (ع) مشعل الهداية الربانية ولم يترك الناس مهملين ضالين، بل هو الحجة الهادية والعلم المرشد والنور المضيء، فسلام عليه إماماً هادياً وعلماً يرفرف دوماً وأبداً لإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشمساً متلألأة في سماء الإسلام الحنيف الوضاء.
نبارك لكم مرات ومرات ذكرى الميلاد السعيد للإمام زين العابدين (ع) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.