أُقيم حفل افتتاح أسبوع الفضاء العالمي السبت في قاعة مؤتمرات وزارة الاتصالات بحضور وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ستار هاشمي، ورئيس منظمة الفضاء الإيرانية، حسن سالارية. وقد أُعلن عن شعار أسبوع هذا العام "الحياة في الفضاء".
صرح الدكتور مهدي نصيري سروري، الأستاذ المساعد في قسم هندسة تكنولوجيا الأقمار الصناعية، قائلاً:
"انطلاقًا من شعار هذا العام، فإن الموضوع الرئيسي للبرامج هو "الحياة في الفضاء". في السنوات السابقة، كانت المؤتمرات تُركز في الغالب على استعراض إنجازات الفضاء؛ أما الآن، فينصب التركيز على ظروف الحياة خارج الأرض وإمكانية وجود حياة على الأجرام السماوية الأخرى. وبدأت الدراسات بالقمر، أقرب جرم سماوي إلى الأرض، ثم ستتوسع عملية الدراسات لتشمل المريخ والمشتري، وفي المستقبل حتى ما وراء النظام الشمسي.
القمر؛ القارة الثامنة ومصدر ثمين
انفصل القمر، الذي يُطلق عليه في بعض النظريات اسم "القارة الثامنة"، عن الأرض منذ مليارات السنين إثر اصطدامه بجرم سماوي، وفقًا لفرضيات علمية. ومن بين مجالات البحث الحالية دراسة حالة الحياة والتعدين والإسكان والزراعة على القمر.
في العقود الماضية، كان السفر إلى القمر رمزًا لقوة الدول، وخاصةً خلال الحرب الباردة، تسعى إلى استكشاف القمر لأغراض اقتصادية. وقد عزز وجود موارد قيّمة على القمر، وهي نادرة على الأرض، وإلى جانب روسيا والولايات المتحدة، قامت دول مثل الصين واليابان بأنشطة واسعة في هذا المجال في السنوات الأخيرة.
أبحاث جامعة العلوم والتكنولوجيا الإيرانية في مجال القمر
قال نصيري سروري، مشيرًا إلى أبحاث جامعة العلوم والتكنولوجيا:
"تُعد مواضيع الإسكان، الرصد البيئي، التعدين، ومحاكاة تربة القمر من بين مجالات بحثنا. ومن أكثر المواد قيمةً على القمر "الهيليوم 3"، الذي يُعتبر طاقة نظيفة ونادرًا جدًا على الأرض.
وقال:
"تمت محاكاة عينة تربة القمر لأول مرة في البلاد، بناءً على معلومات من مهمة أبولو 14 التي هبطت وجمعت التربة. وأُجريت هذه المحاكاة من خلال فحص المعادن من جميع أنحاء إيران ومقارنتها بالتركيبات المسجلة لتربة القمر في أبولو١١، ١٤، ١٥، و١٦ مهمة.
وأضاف:
"فيما مجال الزراعة القمرية، وبسبب نقص الغلاف الجوي وثاني أكسيد الكربون، تختلف ظروف نمو النباتات. وتشمل الطريقتان المدروستان طريقة "الأوريغامي" باستخدام هيكل ورقي مطوي ينفتح عند تمدده على القمر، واستخدام الموارد المتاحة في تربة القمر لتلبية الاحتياجات البيولوجية".
وأشار نصيري إلى أن: من بين مشاريع البحث المستقبلية في هذه الجامعة استراتيجيات استخراج الأكسجين والهيدروجين، واستعادة المعادن، واستغلال الهيليوم ٣.
البحوث الزراعية والاستيطانية على القمر من قِبل جامعة العلوم والتكنولوجيا
واستكمل "نصيري سروري" كلمته في حفل افتتاح أسبوع الفضاء العالمي، مستعرضًا أحدث إنجازات الجامعة البحثية في مجال الحياة والتعدين على القمر. وقال:
"تم إجراء محاكاة لتربة القمر، ودراسة إمكانية نمو النباتات الأساسية في هذه البيئة؛ وشملت هذه الدراسات تقييم آثار الإشعاع والجاذبية والضوء على النباتات. وتم اختيار نوعين من النباتات وزراعتهما في التربة المُحاكاة".
ونظرًا لنقص فيما يتعلق بالأكسجين وثاني أكسيد الكربون على القمر، اقترحنا استخدام كبسولة أكسجين أساسية لبدء الدورة البيولوجية في غرف مغلقة؛ بحيث يستهلك النبات الأول الأكسجين وينتج ثاني أكسيد الكربون، بينما يُطلق النبات الثاني الأكسجين عن طريق استهلاكه. تُوكمل هذه العملية دورة إنتاج واستهلاك الغازات الحيوية في المستوطنات القمرية.
ضرورة إنشاء مركز أبحاث قمري في البلاد
وأضاف نصيري سروري:
"يبدو إنشاء مركز أبحاث قمري في إيران ضروريًا، لأن العديد من الدول، بما فيها الصين، قد أطلقت مؤخرًا مثل هذه المراكز بمشاركة دول أخرى. ويُجرى حاليًا جزء كبير من الأبحاث ذات الصلة في مختبرات جامعية".
بناء المساكن باستخدام هياكل خفيفة الوزن على طراز الأوريغامي ومواد قمرية أصلية
وقدّم "نصيري سروري" إحدى طرق بناء المساكن، وهي هياكل خفيفة الوزن متعددة الطبقات على طراز الأوريغامي، وقد بُنيت منها عينة بسمك متر واحد. كما تُدرس حاليًا استخدام تربة القمر لإنتاج الأسمنت لمنع نفاذ الإشعاع والحرارة. وتشمل الخطط المقترحة بناء مستوطنات مترابطة. وعلى غرار العمارة التقليدية لمدن يزد وكاشان وكرمان، بحيث يُمكن التنقل بين الأقسام دون الحاجة إلى معدات أكسجين.
الطابعة ثلاثية الأبعاد واختيار أماكن مناسبة للسكن على القمر
يُشير نصيري سروري إلى أن استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لبناء هياكل باستخدام المواد الخام المتوفرة على القمر يُعدّ إحدى الاستراتيجيات المستقبلية. كما يتطلب اختيار مكان السكن دراسةً دقيقةً لدرجة الحرارة والضوء والإشعاع، لأن الليل والنهار على القمر يستمران حوالي أسبوعين لكل منهما، وتختلف درجات الحرارة في المناطق القطبية والاستوائية والمظللة والعالية اختلافًا كبيرًا، بحيث تصل درجة حرارة سطح القمر الاستوائي إلى أكثر من 100 درجة مئوية.
دراسة تركيب التربة القمرية والموارد المعدنية
وقال نصيري سروري:
"أُجريت أبحاثٌ حول تركيب التربة القمرية باستخدام أساليب مُختلفة، بما في ذلك تحليل عينات تربة حقيقية من مهمة أبولو 14، وبيانات طيفية من مركبات قمرية في مواقع مُختلفة، وفحص تركيبات النيازك التي تصطدم بالأرض، ومقارنتها بمحاكاة قياسية دولية. وتُظهر النتائج أن السيليكون والمغنيسيوم يتمتعان بأعلى وفرة في تكوين تربة القمر.
الأسباب الاقتصادية للعودة إلى القمر
وأكد نصيري سروري قائلاً:
"يُعدّ تعدين القمر واستغلال موارده من أهمّ أسباب عودة وكالات الفضاء إلى هذا الجرم السماوي. والهدف هذه المرة اقتصاديٌّ أكثر، وليس مجرد استعراض للقوة. تشمل أبحاثنا تقييم خصائص التربة، وتقنيات الاستكشاف والحفر في الطبقات السطحية (حتى عمق 30 سم)، وطرق استخراج الأكسجين والهيدروجين ومعادن أخرى، ومعالجة المعادن.
طرق نقل المعادن المستخرجة من القمر
وأكمل نصيري سروري، الأستاذ المساعد في قسم هندسة تكنولوجيا الأقمار الصناعية بجامعة إيران للعلوم والتكنولوجيا، شرحه حول تعدين القمر، قائلاً:
"لنقل المعادن من موقع الاستخراج إلى موقع النشر، هناك حاجة إلى أنظمة ملاحة دقيقة ومعدات خاصة. وقد يتم هذا النقل على شكل حاويات مقاومة، وفي بعض البعثات، يكون الهدف هو إرسال المواد إلى الأرض.
تقنيات جمع تربة القمر
وأضاف نصيري سروري، في معرض حديثه عن طرق جمع التربة المختلفة:
"إحدى هذه الطرق هي استخدام نظام يجمع التربة ويخزنها في حجرة خلف الجهاز؛ وطريقة أخرى هي استخدام حفارة للجمع المباشر. على سبيل المثال، صممت وكالة الفضاء اليابانية (JAXA) حاوية مقاومة للحرارة والإشعاع استُخدمت في مهمة لجمع تربة من كويكب.
إمدادات الطاقة للبعثات إلى القمر
أشار نصيري سروري الى أن توفير الطاقة يُعد أحد تحديات البعثات القمرية، وقال: "إحدى الطرق هي استخدام الألواح الشمسية. في هذه الطريقة، تُوجه ألواح كبيرة ذات هيكل مرآة ضوء الشمس إلى النقطة المطلوبة للاستكشاف، وتوفر الطاقة اللازمة. كما يمكن نقل الكهرباء عبر الكابلات أو باستخدام مفاعلات نووية صغيرة، وهي مفاعلات تستخدمها ناسا وروسيا منذ فترة طويلة".
هيليوم 3؛ أهم مصدر للطاقة المستقبلية
اعتبر نصيري سروري أن أهم وأكثر جوانب التغيرات على سطح القمر إثارةً هو وفرة الهيليوم-3، وقال:
"يمكن استخدام هذه المادة، الموجودة بكميات كبيرة على القمر، كوقود أساسي قيّم لمفاعلات الاندماج النووي".
الهيليوم-3: طاقة نظيفة بلا نفايات للمستقبل
أشار نصيري سروري، الأستاذ المساعد في قسم هندسة تكنولوجيا الأقمار الصناعية بجامعة إيران للعلوم والتكنولوجيا، إلى أهمية الهيليوم-3، قائلاً:
"هذا الغاز النبيل والنظيف لا يحتوي على نفايات نووية خطيرة مثل البلوتونيوم، وهو نادر جدًا وقيّم. وتكمن المشكلة الرئيسية للرحلات الفضائية في توفير الطاقة، ويمكن استخدام الهيليوم-3 كمصدر حيوي في المستقبل. ويبلغ سعر الغرام الواحد من هذه المادة حوالي ألف دولار، وتُقدر قيمة إجمالي الاحتياطيات المحتملة للقمر بما يتراوح بين مليون وخمسة ملايين طن".
وأضاف:
"تشمل تطبيقات الهيليوم-3 استخدامه في المعدات النووية، كواشف النيوترونات، معدات التصوير الطبي، إنتاج درجات حرارة منخفضة للغاية، والأجهزة الكمومية. تبقى هذه المادة مستقرة حتى عند درجة حرارة 273 درجة مئوية تحت الصفر، ويمكن أن تلعب دورًا في مختلف مجالات الفضاء والتقنيات المتقدمة.
محاكاة تربة القمر ومقارنتها بعينة حقيقية
أشار نصيري سروري إلى الصورة المجهرية لعينة نيزك حقيقية وتربة قمرية مُحاكاة، ولفت إلى أن محاكاة تربة القمر أجريت لأول مرة في البلاد من قبل جامعة العلوم والتكنولوجيا بالتعاون مع كلية الفيزياء. وقورن تركيب هذه التربة بعينة حقيقية من مهمة أبولو 14، وأظهرت النتائج أن نسب العناصر متقاربة جدًا.
ووفقًا لأبحاث ناسا، فإن ظروف نمو النباتات في التربة المُحاكاة تُشبه إلى حد كبير التربة القمرية الحقيقية.
وأضاف:
يلزم لزراعة النباتات في تربة القمر، وجود غرفة خاصة، صممها وبناؤها أحد أعضاء فريق الجامعة، وسُجلت دوليًا. وأُجريت أول تجربة زراعة باستخدام تربة مُحاكاة وهذه الغرفة.
البلازما والتحديات التقنية للبعثات القمرية
وأوضح نصيري سروري:
"تحتوي البلازما على جسيمات عالية الطاقة، يمكن أن تؤثر سلبًا على أداء المعدات الفضائية من خلال إحداث فرق جهد كهربائي. وتعود هذه الظاهرة إلى الأشعة الكونية، الجسيمات الشمسية عالية الطاقة، والتفاعلات على سطح القمر. كما تُعدّ العواصف الشمسية والإلكترونات الناتجة عن الإشعاع الشمسي المكثف عوامل تُهدد الأنشطة الفضائية.
اختيار موقع الهبوط وضرورة إنشاء مركز أبحاث قمري
وأشار نصيري سروري إلى أنه تم دراسة أفضل مواقع الهبوط على القمر، بما في ذلك تقييم المناطق الاستوائية، الارتفاعات، ومنحدرات السطح المختلفة. وأكد أن إنشاء مركز أبحاث قمري في البلاد يُمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تطوير هذه الدراسات، ونأمل أن يتم إنشاء هذا المركز بدعم من منظمة الفضاء ومعهد الأبحاث.
الإلكترونيات الدورانية؛ تكنولوجيا المستقبل للصناعات الفضائية
واختتم نصيري سروري بالقول:
إن من التقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها في الصناعات الفضائية تقنية "الإلكترونيات الدورانية"، المصممة باستخدام دوران الإلكترونات بالإضافة إلى الشحنة الكهربائية. وتتميز هذه التقنية بمقاومة درجات حرارة تصل إلى 300-400 درجة مئوية، ويمكنها حل العديد من المشاكل الحرارية للأجهزة الإلكترونية.