البث المباشر

الطفولة المسلوبة (9)

الخميس 2 أكتوبر 2025 - 09:13 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- بودكاست: الحلقة التاسعة- نتناول في هذه الحلقة الآثار الاجتماعية والنفسية للسجن والتعذيب على الأطفال الفلسطينيين.

 

أهلا بكم إلى بودكاست "الطفولة المسلوبة ".

بودكاست مقتبس من كتاب " Stolen Youth» " بقلم كاثرين كوك.

في هذا الكتاب، بينما تستعرض كوك الوضع في محاكم وسجون الأطفال الفلسطينيين، وتشير إلى انتهاك إسرائيل الممنهج لحقوق الأطفال والمواثيق الدولية باعتقال الأطفال الفلسطينيين وتعذيبهم وسجنهم كأحد مبادئ وأسس هذا الاحتلال، تعتقد كوك أن كيان الاحتلال لم يستهدف الأطفال الفلسطينيين العزل دون سبب، بل هدفه قمع وإطفاء أصغر شعلة احتجاج ومقاومة في نفوس الأطفال، خشية أن ينضموا إلى جبهات وكتائب المقاومة في المستقبل.

تتناول الحلقة التاسعة من بودكاست "الطفولة المسلوبة " الآثار الاجتماعية والنفسية للسجن والتعذيب على الأطفال الفلسطينيين. كما تتحدث هذه الحلقة عن كيفية تعامل الأطفال الفلسطينيين مع الاعتقال والتعذيب ومواجهته والتعايش مع هذه الضربة الثقيلة.

وفي نهاية المطاف، فإنها تصور آثار فترة السجن القاسية على حياتهم.

"م.أ" من مواليد عام 1976، تم اعتقاله في عام 1991 وعمره 15 عاماً. أمضى ثلاث سنوات في الاعتقال بتهمة إلقاء الحجارة.

يقول "م.ع":

"لقد ترك الاعتقال أثراً نفسياً واجتماعياً سيئاً على حياتي، فأصبت بالاكتئاب وفقدت الثقة بالآخرين". وهذا أمر أثر على علاقاتي سلبا مع من حولي.

"لا أستطيع الحصول على وظيفة لأن الشرطة الاسرائيلية قد يأتون في أية لحظة لاعتقالي. أعاني من مشاكل جسدية نتيجة التعذيب المتكرر".

"م.و" مواليد عام 1972، اعتقل عندما كان عمره 15 عاماً وقضى عاماً في الاعتقال بتهمة كتابة شعارات. يقول:

"أحتاج إلى المساعدة للعودة إلى المدرسة والفصول الدراسية. لقد كانت هذه تجربة صعبة جدًا بالنسبة لي. لفترة طويلة بعد الاعتقال كان الاكتئاب وانعدام الثقة بالنفس قد سيطر على كل كياني. كنت أعاني من صداع مستمر بسبب الضرب. ولكن بعد العلاج، تحسنت هذه الآلام قليلا".

"م. ز"، من مواليد 1972 اعتُقل عندما كان عمره 16 عاماً وقضى 22 شهراً في الاحتجاز بتهمة إلقاء الحجارة أثناء مسيرات مناهضة يقول:

"لا تزال صور فترة الاعتقال ماثلة أمام عيني. ومع ذلك، فقد جعل شخصيتي أقوى. لكنني كنت أعاني من الأرق وكان لدي ميل للانسحاب".

وهذه مجرد أمثلة قليلة لآلاف الأطفال الذين عانوا العديد من المشاكل بعد احتجازهم. يتعرض أغلب الأطفال الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم وسجنهم في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية لأشد أشكال الاعتداء منذ لحظة الاعتقال. ويعتبر التعذيب الجسدي والنفسي العنيف والممنهج أحد هذه الأشكال. الأمر الذي يسبب إرهابًا نفسيًا يتجاوز الأذى الجسدي بكثير.

يتم سجن الأطفال وتعذيبهم في فترة مهمة من عمرهم إذ يكونون في مرحلة حساسة من نموهم المعرفي والجسدي. ولذا فهم أكثر عرضة للتأثيرات قصيرة وطويلة الأمد للتعذيب وعليه فهم يعترفون بسرعة أكبر من البالغين بسبب حالتهم العقلية الأكثر ضعفاً أثناء الاستجواب.

فهم لا يتحملون العقوبة والتعذيب كما يتحمله الكبار البالغون. لكن تأثير الوحشية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال أثناء الاحتجاز والاستجواب يكون مستمرا في أغلب الحالات . ومن ثم فإن تأثير السجن والتعذيب يتجاوز مدة السجن. ويمكن أن يؤثر ذلك بشكل خطير على تعليمهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، واختياراتهم، ومراحل أخرى من حياتهم.

ولكي نفهم بشكل واضح تجربة السجن التي يعيشها الأطفال الفلسطينيون والتأثير الطويل الأمد الذي تخلفه على حياتهم، لا بد من التأمل فيها في سياق المجتمع الفلسطيني.

في البداية يجب الإشارة إلى أن جميع الأطفال الفلسطينيين قد نشأوا وترعرعوا في ظل كيان الاحتلال. أي أنهم شهدوا عن كثب صدامات واحتكاكات عسكرية. ولذلك فإن معظم الضحايا والمصابين هم من الأطفال، والجيش الإسرائيلي من جانب آخر يواصل استهداف الأطفال أيضا.

وهكذا أصبح الفلسطينيون يعيشون تحت مطرقة الاحتلال والضغوط النفسية المزمنة التي يسببها لهم منذ عقود من الزمن. ويؤثر الضغط المتراكم الناتج بعد طول هذه الفترة بشكل أساسي على العلاقات بين الأطفال الفلسطينيين السجناء وعائلاتهم والمجتمع.

النقطة الأخرى هي أنه على الرغم من أن المجتمع الفلسطيني ليس مجتمعًا متجانسًا بأي حال من الأحوال، إلا أن أعضائه يتمتعون بروابط عائلية ومحلية قوية. ومن ناحية أخرى فإن إيمان الفلسطينيين العميق بمعتقداتهم وأيديولوجياتهم يعد من أبرز مميزات هذا المجتمع.

في الواقع، تعتبر الأسرة عنصراً مركزياً في المجتمع الفلسطيني والأولوية تعطى للجماعة وليس للفرد. لذا فإن شعورهم بالمسؤولية الجماعية يعني أن معاناة وضغوط أي عضو من أعضاء الأسرة تؤثر على سائر الأفراد.

إن الدين والقومية هما المصدران الرئيسيان لصبر الشعب الفلسطيني.

إن هذه الأرضية الثقافية لها تأثير كبير على تحمل الأطفال الفلسطينيين للضغوط والصدمات التي يسببها السجن.

النقطة الثالثة هي أن الأرضية الاجتماعية والسياسية للسجن من شأنها أن تخفف من بعض الآثارالنفسية السلبية. على سبيل المثال، خلال الانتفاضة الأولى، زجَّ الكيان الإسرائيلي جزءاً كبيرا من السكان الفلسطينيين بداخل السجون. ونتيجة لذلك، نشأت شبكات اجتماعية قوية بداخلها. شبكات عملت على تعزيز التعاليم السياسية و المناهج الاجتماعية.

وكان لوجود هذه الشبكات أثر على مشاعر السجناء، وفي كثير من الأحيان ساعدتهم على العودة إلى المجتمع بعد إطلاق سراحهم مزودين بطاقات إيمانية ومعرفية في أكثر من صعيد.

كما أدت الانتفاضة الأولى إلى تغيير الصورة الاجتماعية السائدة عن الأطفال بشكل جذري. لأنهم كانوا يلعبون بالفعل دورًا في النضال الكبير من أجل التحرر الوطني. بينما في الماضي لم يكن لديهم صوت اجتماعي وسياسي كبير.

وفقا للجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن السجن والتعذيب إضافة إلى ما يمثلانه من تجربة إنسانية جسمية قاسية فهما يعتبران من أكثر الأحداث المروعة والضارة نفسيا يمكن أن تحدث لأي فرد.

كل هذه الأضرار تستهدف بكل قوتها الأطفال الفلسطينيين. ابحسب الظاهر فإن الهدف من التعذيب هو الحصول على معلومات واعترافات ولكن عملياً يتم ذلك بهدف إضعاف وسحق شخصية الطفل وهويته لتحقيق أهداف سياسية. ومن ثم فإن الجيش الإسرائيلي يدرك تماماً الأهداف السياسية من تعذيب الأطفال.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار التعذيب بمثابة أداة "لتحقيق السيطرة الاجتماعية من خلال بث الخوف والضغط". ومن ثم فإن التعذيب من خلال استهداف الأطفال يهدف إلى إضعاف المجتمع وتضامنه مع قياداته المستقبلية.

إن المعاناة والضغوط التي يتعرض لها السجين المعذب ليست قضية شخصية، لأن عائلته وجيرانه وأصدقاءه ومجتمعه يتأثرون هم أيضًا. ومن خلال استهداف الأطفال بالسجن والتعذيب، فإن الكيان الإسرائيلي يهاجم في الواقع مستقبل المجتمع الفلسطيني. وفي المقابلات التي أجريت مع أطفال فلسطينيين، كان الجنود الإسرائيليون يصرخون مراراً وتكراراً بأهدافهم عند تعذيب الأطفال.

"ج.أ" من مواليد عام 1975تم اعتقاله 5 مرات منذ أن كان عمره 14 عامًا يقول: "إن هذه التجربة لا يمكن تصورها، فقد ظل مسؤولو السجن يصرخون بإنهم يريدون سحق روحي".

ويقول طفل آخر:

"هدف الإسرائيليين هو إحباط وتدمير المشاعر الوطنية".

ويقول طفل آخر في مقابلة أخرى:

"كان هدفهم من احتجازي إضعاف معتقداتي الروحية وفقدان ثقتي بنفسي وبالآخرين".

ويقول آخر:

"قال الإسرائيليون إن هدفهم كان تخويف الأطفال لكي يتم منعنا من المشاركة في الانتفاضة ومواصلة تعليمنا."

لقد فهم كل واحد من هؤلاء الأطفال هذه الأهداف بطريقة أو بأخرى بناءً على تصريحات وتهديدات أولئك الذين اعتقلوهم وسجنوهم.

توصلت الدراسات البحثية إلى العلاقة الوثيقة بين تحمل التعذيب ومجموعة من النتائج والمشاكل النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة أو ما يعرف بـ (PTSD)) والاكتئاب، والقلق، والسلوك المعادي للمجتمع، والمشاكل الجسدية غير المحددة.

بالطبع يتم تصنيف اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، كفئة منفصلة في التشخيص النفسي والطب النفسي.والذي يتميز بأعراض معقدة وأحيانًا غير قابلة للشفاء.

كما تعد اضطرابات النوم، الكوابيس، ضعف الذاكرة، قلة التركيز، الشعور بالذنب، انخفاض احترام الذات، تغيرات الهوية، وأحيانا الذهان وهو الشعور بالانفصال عن الواقع حيث يعاني المصاب من معتقدات خاطئة حول ما يجري، ورؤية أو سماع أشياء غير موجودة. كل هذا من بين التداعيات النفسية الأكثر شيوعا لتجارب السجن والتعذيب.

وتشمل العواقب النفسية الأخرى للتعذيب الشعور بالتعب، وعدم الاستقرار العاطفي، والعزلة الاجتماعية، ومجموعة من المشاكل النفسية والجسدية مثل الصداع وآلام المعدة.

أنماط النوم غير المنتظمة هي رد فعل طبيعي يعاني منه السجناء. وبعبارة أخرى، فإن الناجين عادة ما يعيدون تجربة التعذيب في كوابيسهم، حيث يحلمون بمشاهد الهروب والاعتقال والسجن ولا يتمكنون من حماية أنفسهم. يمكن لبعض الإشارات الحسية أيضًا أن تعيد إلى الأذهان ذكريات التعذيب.

تشير الأبحاث التي أجريت في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ارتفاع معدلات اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) على سبيل المثال، فقد ظهرت على 50% من الرجال الذين أصيبوا خلال الانتفاضة الأولى جميع العلامات التشخيصية لاضطراب ما بعد الصدمة.

هذا وقد أظهرت دراسة أجريت على مئات السجناء السياسيين الفلسطينيين السابقين من قطاع غزة أن معظمهم لديهم ذكريات مزعجة، وأفاد ما يقرب من نصفهم بأنهم يعانون من كوابيس متكررة. وكان الفلسطينيون الذين تعرضوا لأكبر قدر من التعذيب، باستخدام الأساليب الكيميائية أو الكهربائية، هم الأكثر عرضة للإصابة بأعراض هذا الاضطراب. أعراض مثل الأفكار المتطفلة، والخدر، والعزلة ، وما إلى ذلك.

ومن المهم أن نلاحظ هنا أن ردود أفعال الناجين ليست غير طبيعية أو مرضية. بل إن الظروف السياسية القمعية التي عايشوها أدت إلى أن يصبح الضغط النفسي أمراً طبيعياً بالنسبة لهم.

والآن لنتأمل في هذه التأثيرات على الأطفال الفلسطينيين. هذه التأثيرات سوف تنقلهم بالتأكيد من الطفولة إلى البلوغ. فترة لم يتم إعدادهم لها ولم يتم تدريبهم على خوضها.

ينشأ الأطفال الفلسطينيون في ظروف مكتظة من العنف المزمن والخطر المستمر. ونتيجة لذلك، فليس من المستغرب أن نرى علامات تشير إلى وجود مشاكل في الصحة العقلية ترتبط ارتباطا مباشرا بهذه الحالات. وعموما يتعرض الفلسطينيون لأحداث صادمة أو مرعبة في طفولتهم، بشكل متكرر، وليس مرة واحدة فقط. ومن ناحية أخرى، فإن الوجود المستمر للأحداث المروعة مثل تبادل إطلاق النار بين المقاومة والعدو الصهيوني والقصف وتدمير البيوت والاعتقالات وما إلى ذلك أمور لا تنسجم أبدا مع براءة مرحلة الطفولة.

في ثمانينيات القرن العشرين وقبل الانتفاضة الأولى، أجريت دراسة استندت إلى تقارير وإفادات من أمهات فلسطينيات. أظهرت نتائج تلك الدراسة أن الأطفال الفلسطينيين الأكثر تعرضاً للأحداث المؤلمة يظهرون مستويات أعلى من العدوانية والانسحاب والقلق والهموم والمخاوف.

ولكن بعد ذلك حدث شيء مثير للاهتمام. فإن نتائج المقابلات التي أجريت مع أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و16 عاماً في غزة أثناء الانتفاضة الأولى شكلت تحدياً للتعريف الغربي للعلاقة بين التوتر وانخفاض احترام الذات.

في واقع الأمر، تعرضت هذه المفاهيم الغربية المتعلقة بالتوتر والقلق لتحديات إيجابية. وعلى الرغم من أن مستوى الاكتئاب والقلق كان مرتفعاً لدى هؤلاء الأطفال في ذروة الصراع، إلا أنه لم يتم ملاحظة أي انخفاض في احترام الذات أو العجز لديهم.

وبالمناسبة، شعر هؤلاء الأطفال أن مستقبلهم بين أيديهم، مقارنة بأقرانهم العرب. ومن المرجح أن يكون هذا الشعور قد نشأ بسبب دعم المجتمع الفلسطيني لمشاركتهم الفعالة في الانتفاضة. وقد اعتبرت هذه الأزمة الشديدة بمثابة تحدي إيجابي، إذ أدت إلى تحويل الأطفال من مجرد مراقبين سلبيين إلى مشاركين نشطين.

ومع ذلك، فإن شدة الذعر تشكل أيضا عاملا مؤثرا. ومن بين جميع الصدمات النفسية، يحتل التعرض للتعذيب المرتبة الأعلى في اضطراب الأطفال الفلسطينيين.

لقد قام موظفو الفرع الفلسطيني للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال بدراسات فردية أو جماعية على حالة مئات الأطفال الفلسطينين الذين تم اعتقالهم سابقًا. ولا شك لدى هؤلاء أن مثل الأطفال يعانون من مشاكل نفسية بسبب السجن والتعذيب. مثلا يعاني العديد من الأطفال الفلسطينيين من الصداع وآلام المعدة، التي تظهر الفحوصات الطبية أنها ليس لها أصل جسدي.

في بعض الحالات، يعاني الأولاد من التبول اللاإرادي. ويخشى بعض هؤلاء الأطفال من النوم بسبب الكوابيس، وأفاد معلموهم أنهم ينامون أثناء الدرس. والأمر الأكثر مرارة وإيلامًا في هذا الأمر هو أن الأطفال لايتمكنون من نسيان تلك الذكريات أبدًا.

تم اعتقال "ن.ع" لمدة 13 يومًا عندما كان عمره 16 عامًا. ويقول بعد مرور عشرين عاماً على الحادثة:

"لا أزال أعاني من كوابيس مفادها أن الجنود قادمون لاعتقالي. لا أزال أتذكر استجوابي الأول جيداً. على الرغم من مرور عشرين عامًا منذ ذلك الحين، إلا أنني أتذكر كل التفاصيل".

وقال نصف الأطفال الذين تمت مقابلتهم إنهم عانوا من الاكتئاب بعد إطلاق سراحهم من السجن، كما عانى العديد منهم من انهيارات عصبية. وليس من المستغرب إذن أن يكون لقضاء الوقت في السجن آثار طويلة الأمد على الأطفال.

"م.ح" الذي ألقي القبض عليه عام 1996 وعمره حينذاك 16 عاماً وقضى 19 شهراً في السجن يقول:

"أصبحت أكثر خجلاً، ولم أعد أثق بالآخرين، وأصبحت أكثر عزلة يوماً بعد يوم".

"أ.أ"، الذي ألقي القبض عليه في عام 1991 وعمره 18 عاماً سُجن لمدة ثلاث سنوات، يردد نفس المشاعر:

"بعد السجن، أصبحت منعزلا ودفعت الناس بعيداً عني. أصبحت أخاف من الناس أكثر. لقد أصبحت حذرا من الجميع. "لقد كنت وحيدًا جدًا."

أمضى "م.و" 48 يوماً في الاعتقال في عام 1987، عندما كان عمره 15 عاماً. يقول:

"كانت تجربة صعبة للغاية، ومن الصعب نسيانها. لقد كنت مكتئبًا لفترة طويلة بعد الاعتقال وفقدت ثقتي بنفسي". هذه الاقتباسات من أولئك الذين سُجنوا وعُذِّبوا. ورغم مرور سنوات على تلك الأيام، فإن صدمة تلك الأيام لا تزال باقية في ذاكرتهم.

وفي واقع الأمر، فإن أكثر من نصف الأشخاص الذين تمت مقابلتهم ما زالوا يعانون من مشاكل جسدية طويلة الأمد ناجمة بشكل مباشر عن التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة من جانب الإسرائيليين.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف تعايش الأطفال الفلسطينيون مع ظروف السجون الإسرائيلية.

يتزايد البحث حول كيفية مقاومة الأطفال للعنف في السجون والمعاملة القاسية والتعذيب وكيفية تعاملهم معه. إن المراجعة الشاملة للآثار النفسية للصدمات العسكرية والسياسية على الأطفال تظهر أن هناك ثلاثة عوامل تساهم في قدرة الطفل على الفهم والتفهم: شخصيته ومعتقداته الفردية، وبيئته الاجتماعية الأصلية، ونوع الأدوات السياسية والعسكرية المستخدمة لإيذائه.

يشير العاملون في الفرع الفلسطيني لمنظمة الدفاع عن الأطفال الدولية أيضًا إلى مجموعة من العوامل المماثلة التي ساعدت الأطفال على قضاء الوقت في السجن. شخصية الطفل هي العامل الأساسي. ومن ناحية أخرى، فإن الخلفية العائلية، وقوة مجتمعهم، وشبكاتهم الأوسع، والتزاماتهم الأقوى هي أيضا ذات أهمية كبيرة.

كان بعض الأطفال الفلسطينيين أكثر استعدادا لظروف السجن من غيرهم. في واقع الأمر، كانت لديهم اشتباكات مباشرة أكثر مع قوات الجيش الإسرائيلي. إن قضاء فترة السجن بصحبة سجناء بالغين على الرغم من أنها تجعل الطفل يميل إلى سلوكيات البالغين إلا أنه يخلق هيكل دعم واسع وحافزًا للتعليم الأطفال ودراستهم.

يعد دعم الأقران، وخاصة أولئك الذين كانت لديهم علاقات مع بعضهم البعض قبل السجن أو الذين ينتمون إلى نفس الحي أو المدينة أو القرية، عاملاً رئيسياً في مساعدة الأطفال على التكيف مع ظروف السجن. فقد قال معتقلون سابقون أجريت معهم المقابلات:

"إلى جانب المعتقلين من مدينتنا، كان أهم شيء بالنسبة لنا هو رفقة الأخوة التي سهلت لنا تحمل السجن وظروفه القاسية".

وقد ذكر بعض الأطفال على وجه التحديد أن المعتقلين الكبار كانوا أبطالاً وقدوة لهم، فهم كانوا يمثلون مصدراً حيوياً للدعم والاهتمام في بيئة السجن القاسية قال أحدهم:

"لقد ساعدني المعتقلون البالغون كثيراً. لقد طوروا شخصيتي، واستفدت من تجاربهم في الحياة والثقافة. لقد كنت مرتاحا معهم. لولا دعمهم لكان من المؤكد أنني سأفقد معنويتي في السجن".

إن الحب والدعم والتأييد والتشجيع الذي يتلقاه الأطفال الفلسطينيون من عائلاتهم له أهمية خاصة بالنسبة لهم. كانت الاتصالات القليلة التي أجروها مع عائلاتهم تعتبر ذات قيمة كبيرة. لأن العائلات واجهت العديد من العوائق في زيارة أبنائها في السجن أو حتى في التواصل معهم بأي شكل من الأشكال. تخيلوا كم يمكن أن يكون مثل هذا الاجتماع مفيدًا وتشجيعًا للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عامًا.

أشار السجناء الذين أجريت معهم المقابلات إلى العامل الثالث الذي ساعد في تحفيز السجناء وتمكينهم من المقاومة هو الالتزام السياسي والمشاركة في الأنشطة والمجموعات السياسية داخل السجن.

فقد شكلت هذه المجموعات اجتماعات وحلقات دراسية ذات أنشطة منظمة خاصة بها. لقد شكلوا صداقة ودعمًا لبعضهم البعض. والأهم من ذلك كله، في مثل هذه الظروف الصعبة، أنهم عملوا على تعزيز القيم الجماعية. يقول الأطفال في المقابلات التي أجريت معهم:

"العامل الذي دفعني إلى الأمام هو إحساسي بالهوية الوطنية، وانتمائي الحقيقي، وولاء عائلتي لي".

ويقول طفل آخر:

"إن أعظم الدعم الذي تلقيته جاء من وعيي السياسي وإيماني بالعدالة الاجتماعية".

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة