البث المباشر

فكر العلامة جعفري ودوره العلمي والفلسفي

الأحد 16 نوفمبر 2025 - 12:44 بتوقيت طهران
فكر العلامة جعفري ودوره العلمي والفلسفي

يُعدّ العلامة محمد تقي جعفري من أبرز الفلاسفة والمفكرين المسلمين المعاصرين في إيران، جمع بين الفلسفة الإسلامية والغربية، والعلوم الإنسانية والفنون، ليقدّم رؤية شاملة حول الإنسان والدين والعلم والأخلاق. 

فلسفته تقوم على ربط العقل والوحي والتجربة في منظومة متكاملة من المعرفة، واعتبر الفلسفة وسيلة لبناء الإنسان واكتشاف حقيقة الوجود وتوجيهه نحو الكمال. ويُحتفى به في إيران يوم 25 تشرين الثاني تخليداً لذكراه.

كان العلامة جعفري ملمّاً بأفكار فلاسفة الغرب مثل ديكارت وكانط ونيتشه وراسل، وسعى لإقامة حوار بين الفلسفة الإسلامية والفكر الغربي، ورأى أن الفلسفة الغربية فشلت في فهم الإنسان بوصفه كائناً روحياً، لاهتمامها المفرط بالعقل التجريبي.

أمضى العلامة جعفري جزءاً كبيراً من حياته العلمية في شرح نهج البلاغة، مؤلفاً 27 مجلداً أصبحت مرجعاً أساسياً لدراسة فكر الإمام علي عليه السلام. وقد اعتبر رسالة الإمام الشهيرة إلى مالك الأشتر نموذجاً للحكم العادل ومصدر إلهام للحكام والمديرين في العالم الإسلامي.

أكد جعفري على أن الأخلاق أساس قبل الدين، وعلى أهمية العقل كأداة لاكتشاف الحقيقة، وركّز على مفهوم الحرية الروحية باعتبارها تحرير الإنسان من التعلقات الدنيوية.

وعلى صعيد الإنسان والحياة، قدّم خمسة مؤلفات مستقلة حول معنى الحياة والنمو الإنساني، منها: المثالية في الحياة، الحياة والفلسفة وهدف الحياة، من الوسيلة إلى غاية الحياة، الحياة العقلانية، والموت وقاعدته. ومن خلالها، رسم منظومة متكاملة لرؤية الإنسان ومسار نموه ومعنى العيش.

شخصية علامه جعفري متعددة الأبعاد، فهو فيلسوف الإنسان والحياة، واهتم طوال حياته العلمية والعملية بالإنسان وجودته في الحياة، مؤكداً أن الإنسان كائن في حالة تحول دائم، وأن مساره نحو الكمال غير محدود.

وقال حجة الاسلام والمسلمين عباس عباس زادة استاذ مساعد في كلية الإلهيات والعلوم الإسلامية بجامعة تبريز، بأن العلامة محمد تقي جعفري، المفكر والمفسر البارز المعاصر، هو أحد الباحثين الذين خصصوا جزءاً كبيراً من نشاطهم العلمي لشرح وتفسير نهج البلاغة.

وأضاف أن العلامة جعفري، ضمن مشروع علمي واسع، ألّف 27 مجلداً من شرح نهج البلاغة، والتي تُعتبر اليوم من المصادر المرجعية الأساسية في دراسة فكر الإمام علي عليه السلام والفكر العلوي.

وأشار عباس زاده إلى المكانة الرفيعة لنهج البلاغة في نظر العلامة جعفري، موضحاً أن الأخير وصف هذا الكتاب بأنه "كلام يتجاوز العقل البشري"، مؤكداً أنه يمكن أن يكون معياراً للعقلانية البشرية وبوصلة فكرية لتوجيه الحياة وتحقيق الأهداف الإنسانية الصحيحة.

كما أشار إلى كتابه "علي عليه السلام والفلسفة الإلهية" كأحد أبرز أعماله، الذي يوضح فيه دور نهج البلاغة في رفع مستوى المعرفة والعقلانية الإنسانية.

وتطرق إلى رسالة الإمام علي الشهيرة إلى مالك الأشتر، موضحاً أن علامه جعفري رأى فيها نموذجاً من أعلى نماذج الحكم العادل، وأنها يمكن أن تكون مصدر إلهام للحكام والمديرين في الدول الإسلامية.

وأكد عباس زاده أن علامه جعفري في تحليلاته كان يُولي أهمية كبرى لـ العقل كأداة لاكتشاف الحقيقة، كما اعتبر أن الأخلاق مقدمة على الدين، بمعنى أن كون الإنسان أخلاقياً يُعد أساساً أهم من مجرد كونه متديناً.

وأضاف أن العلامة جعفري عرف من بين مفاهيمه الفلسفية الأساسية الحرية الروحية، واعتبرها تحرير الإنسان من التعلقات الدنيوية، ورأى أن نهج البلاغة، شأنه شأن القرآن، معجزة في العالم الإسلامي والتشيع، وأن الإمام علي عليه السلام، باعتباره وريث علم النبي، كان يمتلك خزانة لا تضاهى من المعرفة الإلهية.

وأوضح عباس زاده أن علامه جعفري، من خلال جمعه الموضوعي لأقوال الإمام علي عليه السلام، قدّم تفسيراً منظماً ومتكاملاً، رتب فيه الأقوال كما تُرتّب قطع اللغز، مؤكداً أن مصدر نهج البلاغة هو الوحي الإلهي، وأن هذا الكتاب قادر على تلبية احتياجات الإنسان الروحية والاجتماعية عبر جميع العصور.

وأشار إلى مسألة تعريف الحياة من منظور الفلاسفة، موضحاً أن الفلاسفة، لاعتبارهم النظرة الشاملة، يرون أن الحياة أوسع من كونها مجرد ظاهرة بيولوجية، وتشمل الله والملائكة والإنسان، في حين تركز العلوم التجريبية على مؤشرات محددة مثل التنفس والتغذية والنمو، وهي غير كافية لتفسير معنى الحياة بالنسبة للكائنات غير المادية.

وأضاف أن العلامه جعفري اعتمد في تعريف الحياة على عنصرين أساسيين: الإدراك والفعل، أو بعبارة أخرى العلم والاختيار، وهما يظهران في الإنسان والحيوان وحتى في النباتات بشكل واضح.

فيما ميكائيل جمالبور، أستاذ جامعي، صرح بأن الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني يُعدّ فترة غنية روحياً وعرفانياً، إذ يشهد ذكرى تكريم العلامة الطباطبائي والعلامة جعفري، بالإضافة إلى أسبوع الكتاب والقراءة. وأعرب عن أمله في أن يُقام العام المقبل مؤتمر دولي حول أفكار العلامة جعفري، وشرح المثنوي ونهج البلاغة، والمباحث المتعلقة بعلم الاجتماع وشخصيته.

ووصف جمالبور شخصية العلامة جعفري بأنها متعددة الأبعاد، مؤكداً أن هذا العالم الفذ كان عالماً بارزاً ومتميزاً في جميع مجالات المعرفة.

وأشار إلى أن العديد من العلماء الإيجابيين والتجريبيين، لعدم وعيهم بأسس الفلسفة، يرتكبون أخطاء معرفية وأخلاقية، مضيفاً أن انتشار أفكار علامه طباطبائي وجعفري بين العلماء كان من شأنه أن يمنع كثيراً من الانحرافات أو التبسيطات العلمية.

ولفت إلى أن رغم وجود تأخر نسبي في مجال فلسفة العلم في البلاد واعتماد جزء كبير من الأدبيات العلمية على الغرب، فإن الفلاسفة الغربيين أنفسهم أقروا بأن إحدى أخطاء العلوم الحديثة هي إهمال الفلسفة وأخلاقيات العلم.

وأكد جمالبور أن الدراسات الفلسفية تظهر أن العديد من التحديات وسوء الاستخدام العلمي ناتجة عن ضعف الأسس النظرية، وتغاضي عن أخلاقيات العلم، وقلة المعرفة بفلسفة العلم، وهو الأمر الذي شدد عليه العلماء الإيرانيون مثل علامه طباطبائي وجعفري منذ سنوات.

وبالحديث عن مكانة العلامه جعفري في دراسة معنى الحياة، قال جمالبور إنه لا يُعد فقط فيلسوف الإنسان، بل فيلسوف الحياة ذاتها، إذ كان همّه الأساسي في جميع مؤلفاته ومحاضراته الإنسان وجودته في الحياة.

وأشار إلى أن العلامة جعفري خلال مسيرته العلمية ألف خمسة مؤلفات مستقلة حول معنى الحياة، وهي: المثالية في الحياة، الحياة والفلسفة وهدف الحياة، من الوسيلة إلى غاية الحياة، الحياة العقلانية، والموت وقاعدته، والتي تشكل منظومة متكاملة لرؤيته للإنسان ومسار نموه ومعنى عيشه.

وأوضح جمالبور أن العلامة جعفري في العديد من محاضراته، بما فيها شرح نهج البلاغة، كرّس اهتمامه بمسألة الإنسان، متسائلاً عما إذا كان يمكن اختزال الإنسان إلى نظام واحد، أم يجب الاعتراف بالسيولة والتعقيد والهوية الديناميكية للإنسان.

وأشار كذلك إلى مقارنة بين أفكار العلامة الطباطبائي وجعفري، موضحاً أن الأول من خلال نظرية الاعتباريات يتيح تفسير كثير من الظواهر الحديثة، بما في ذلك موضوع بناء الحضارة، بينما يعالج جعفري في كتابه "الحياة العقلانية" جميع المجالات من السياسة والثقافة إلى الفن والأخلاق تحت مفهوم الحياة.

الاستاذة بجامعة تبريز شمائل منصوري خلال شرحها للآراء الفلسفية المعاصرة حول الانسان، وصفت العلامة جعفري بانه يمثل أحد المذاهب المعاصرة في الفلسفة.

وأوضحت أنه في الفلسفة القديمة، كان الإنسان يُعرف بـ الحيوان الناطق، بينما تتجاوز الحداثة هذا الإطار، لتراه كائناً حراً، حرية قد تقوده أحياناً إلى مسارات غير معروفة ووجهات متعددة غير محددة.

وأشارت منصوري إلى وجود توافق في الرؤى بين العلامة الطباطبائي، والعلامة الجعفري، والعديد من المفسرين والفلاسفة الإسلاميين، مؤكدة أن جميع هذه الآراء تتفق على أن مسار الإنسان نحو الكمال لا حدود له، فالإنسان كائن في حالة تحول دائم.

وأضافت أن هذا المفهوم يتجلى أيضاً في التصوف الإسلامي تحت عنوان "رسالة الولاية"، وفي الفلسفة الإسلامية بوصفه الحركة الجوهرية وإمكانية التعالي اللامحدود للإنسان.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة