كانت نهاية محادثات وقف إطلاق النار في القاهرة مخيبة للآمال مثل محادثات الدوحة، وما زالت التقارير الإخبارية تظهر جموداً في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ورغم أن الوسطاء، خاصة مصر وقطر، يواصلون العمل على الحفاظ على موقف الحل السياسي، إلا أن الواضح هو أن الجانب الصهيوني لايزال واثقا من دعم الولايات المتحدة، حتى في دورها المؤيد لوقف إطلاق النار، لذلك يحاولون تعطيل المفاوضات بهدف الحصول على المزيد من النقاط في المستقبل.
وبينما يقدم البيت الأبيض نفسه كناشط في خفض التوتر في المنطقة، فإن افتقارهم إلى الجدية أمام نتنياهو أوصل إسرائيل إلى مستوى من حرية التصرف دون القلق من عواقبه، وهو ما فتح في الأيام الأخيرة جبهة جديدة من الصراع. الجريمة وربما البوابة لبدء حرب جديدة مفتوحة، حيث شن جنود صهاينة، خلال الأيام القليلة الماضية، هجوما غير مسبوق على معسكرات شمال الضفة الغربية في طولكرم وجنين وطوباس.
ووصف "إسرائيلي كاتس"، وزير خارجية الكيان، جريمة إسرائيل الجديدة بأنها ذريعة لتحييد أعمال العسكريين الفلسطينيين المتواجدين في هذه المناطق، بل وادعى أن هذه المجموعات مدعومة ومسلحة من قبل إيران عبر الأراضي الأردنية. لقد قال بوضوح أن على إسرائيل أن تفعل كل ما هو ضروري في الضفة الغربية "تماما مثل غزة".
منذ اتفاقيات سلام أوسلو والسيطرة على الضفة الغربية والنمو الموازي لجبهة المقاومة في غزة، حاول قادة الكيان الصهيوني فرض رقابة على الجرائم اليومية ضد حياة السكان الأصليين في شرق فلسطين، باستخدام الضفة الغربية. كنموذج للحياة السلمية للفلسطينيين والمستوطنين من أجل قمع ما كانت تدب فيه الحياة في غزة.
وإذا كانت الضفة الغربية، قبل اقتحام الأقصى، مسرحًا لجرائم صامتة يرتكبها الإسرائيليون ضد السكان الرئيسيين في تلك المناطق، فقد أظهرت الآن الجولة الجديدة من الهجمات في هذه المنطقة والكشف عن نوايا النظام بموجب رسالة كاتس، أنه لا فرق بين غزة والضفة الغربية في أهداف إسرائيل والسلام، وأن التسوية كانت مجرد لعب بالألفاظ والسخرية من أجل التقدم أكثر في الأراضي الفلسطينية.
خلال الأشهر الـ11 الماضية، سقط في الضفة الغربية آلاف الشهداء والجرحى في أعقاب الاشتباكات مع الجيش الصهيوني. إن "إمكانية الحياة من دون حماس" مجرد فكرة إسرائيلية تستهدف تصور الشعب الفلسطيني الذي لا شيء يمكن أن يكشف بعده عن الواقع بقدر تصرفات الكيان الصهيوني نفسه.
ومن الواضح أن العدوان العسكري الإسرائيلي على الضفة الغربية وارتفاع عدد الشهداء في كل هجوم لن يقتصر على هذه الأيام القليلة. إن حكومة السلطة الفلسطينية التي تتخذ من الضفة الغربية مقراً لها، هي حكومة محايدة عملياً كما كانت طوال الأحد عشر شهراً الماضية، وقد تكون متواطئة في جرائم الكيان.
الإجراء الذي تم الترويج له كنموذج لإمكانية العيش في الضفة، هو في هذه الأيام في أكثر حالاته عجزًا عن الدفاع عن تصرفات إسرائيل. أزمة استقرار الحل السياسي في الضفة الغربية يمكن أن تزيد من العقبات أمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
ما يسعى النظام الصهيوني لتحقيقه طموحاً في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، نفذ اتفاقاً مماثلاً في الضفة الغربية، لكن مع ذلك، تلك المنطقة ليست بمنأى عن جرائم النظام، لذا الانسحاب ومنح التنازلات المنشودة لإسرائيل ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضمن نهاية الجرائم المستمرة في غزة.
من المؤكد أن الجانب الفلسطيني، وكذلك حكومات الوساطة العربية، لا يمكن أن يكون غير مبالٍ بالجبهة الإسرائيلية الجديدة التي تفتح أبوابها لمواصلة التوتر. وما حركت الولايات المتحدة مع التحركات في الأسابيع الماضية، إيفاد وسيط إلى إيران وتبادل رسائل تحذيرية تحت عنوان منع تصعيد التوتر والحرب الإقليمية، مع تصاعد التوتر من جانبها إسرائيل بدعم البيت الأبيض، فالواقع يتشكل على الأرض.
والحقيقة أنه خلافاً للترتيب المفضل لدى أميركا، ففي الأيام التي يعتبر فيها محور المقاومة نتيجة مفاوضات وقف إطلاق النار رداً مشروعاً له وحماس ترحب بوقف إطلاق النار، فإن الجانب الإسرائيلي هو الذي يجلس تحت الطاولة بدعم أميركي متواصل.
ويبدو أن إضافة الرد الإيراني على عملية الأربعين التي قام بها حزب الله يمكن أن يغير معادلة هذا الدعم غير المشروط للولايات المتحدة بالإضافة إلى إجراءات إسرائيل اللامحدودة في فلسطين والمنطقة، إلا أن الأمر قد يستمر في رؤية تحركات سياسية غير مثمرة، مرور الوقت لصالح إسرائيل والولايات المتحدة.
المصدر: Pars Today